على قارعة الطريق كانت تقف ...حافية القدمين لكنها باسمة الشفتين ...رغم أن الحزن يجللها وا?لم يسكنها ...ثيابها رثة وأسمالها بالية... لكنها عزيزةً واقفة... ناهضةً يافعةصامتةً لا تتكلم... لكن عيونها تومض وتكاد تنطقفقد ضيعت المعارك أباها وأغرق البحر أخاها...وقفتُ قبالتها وهي الطفلة الصغيرةقرأتْ السؤالَ في عيني وأجابتني... قبل أن يتعثر به لسانيالحمد لله فقد بقيتُ... وبقي أمي وأخيسنبقى هنا نشرق مع الشمس و? نغيبونطلع مع القمر و? نتوارىوننبلج مع الصبح ضياءً ونصحو مع الفجر نوراًوسيكون لنا الغد فلا تبتئس...حِرتُ وسكتُ ...نظرتُ في عينيها ومشيتُ ...استغربت يقينها وحزنت كثيرا لما أصابهاتساءلت عن سر صمودها وأسباب ثباتهابحثت عن مكامن القوة عندها ومصادر العزة لديهالكنني لم ألتفت خلفي... إلى الوراء... مخافة أن تؤنبني على حزني... أو أن تعنفني على ضعفيخفتُ من صلابة وقفتها ومن شموخ رأسها... وسرت في أوصالي قشعريرةً لرباضة جياشها وثبات قدمها...مضيت... وابتعدت... وقد اغرورقت عيناي بالدموع... وكاد مزيدٌ من البقاء أمامها أن يفضحنيهربتُ... نعم فررتُ... وابتعدتُ عنها وعيوني ترقبها وإليها تتطلعُ.فقد تعلمتُ منها ووعيتُ الدرس على يديهاوعلمتُ أن الصبر نصرٌ وأن العجزَ قهرٌوأن العاجز قليل الحيلة محلول العريمة... وأن القوي شديد البأس عظيم الصبرلستِ طفلةً أيها الصغيرة... ولست صغيرةً أيتها العربيةُ الحرةنحن الصغارُ في زمانكِ... وأنت الكبيرةُ الحكيمة في زمانناهنيئاً لشعبٍ عنده أمثالك... وبوركت أمةٌ فيها أطفالٌ يرفعون الرأس ويتيهون كأجيالك.