لماذا لا تتداول المصارف في سوق في ما بين البنوك (الإنتربنك) لفترات طويلة الآجل، ولماذا كل تعاملاتها تقتصر على ودائع الليلة والأسبوع والشهر؟هذا السؤال وجهه بنك الكويت المركزي إلى مديري الخزينة في البنوك في اجتماع عقد الأحد قبل الماضي، حيث أشار الناظم الرقابي إلى انه رغم قيام البنوك بتسعير الودائع من اسبوع حتى سنة وفقا لنظام «الكيبور» المتبع، الا ان «المركزي» لا يلحظ وجود تداول ودائع بين البنوك لفترات طويلة، في حين ان تعاملات ودائع الاسبوع والشهر هي السائدة.وفي هذا الخصوص تبين مصادر مصرفية ان هناك اكثر من اعتبار فني يقف وراء عدم نشاط البنوك على ودائع بين البنوك لفترات 3 و6 اشهر وكذلك سنة، وهي كالآتي:1- يعاني السوق الكويتي من تخمة في السيولة المتوفرة لدى البنوك، في الوقت الذي تراجعت فيه الفرص المناسبة امام البنوك لتحريك السيولة المكونة لديها بضخها في استثمارات آمنة مثل السابق، خصوصا بعد التعقيدات المالية التي فرضتها ازمة الأسواق العالمية التي تعرضت لها منذ العام 2008 وظهرت انعكساتها السلبية على السوق المحلية.ومن ذلك الوقت يلحظ ان البنوك تتحمل في احيان كثيرة كلفة اموال موجودة لديها من دون تصريف، ما دعاها إلى تقليل حرصها على استقطاب الودائع من الأفراد مثل السابق، وامام تحد كهذا يكون من غير المناسب فنيا ان تحتفظ البنوك بودائع طويلة الآجل وهي لا تملك فرصاً مناسبة لاستثمار الاموال الناتجة عنها.2- من ناحية ثانية يصعب على اي بنك لعب دور صانع السوق المصرفي، فهذا النشاط يحمل مخاطرة، وقد لا يلقى اهتماما واسعا لدى اكثر من بنك، ووقتها قد يتصدر بنك او بنكان المشهد العام، ويقومان بتصريف السيولة لفترات طويلة شراء ومن ثم بيع، واذا ربطنا الاعتبار الثاني بالأول تزداد معدلات المخاطرة في هذه الحالة، فمع غياب الفرصة الاستثمارية المناسبة لامتصاص فوائض السيولة المكونة، ستكون طلبات بيع السيولة اكثر بكثير من طلبات شرئاها وبالتالي يكون البنك الذي يغامر ويحصل على ودائع لفترات طويلة كمن يدفع مقابل دون أن تكون لديه خطط للحصول على عوائد إضافية تعوض نشاطه، وفي هذا الخصوص يقول احد المصرفيين «اذا حصلت على ودائع طويلة الاجل فماذا افعل بالسيولة لدي»؟3- إضافة إلى النقطتين السابقتين، من نافل القول الاشارة إلى محدودية سوق الدينار لجهة أدوات السيولة المتوفرة والتي يمكن من خلالها امتصاص فوائض الأموال واستعادتها في حال نقص السيولة لدى البنوك، فالقناة الوحيدة التي تستخدمها البنوك لتصريف فوائض السيولة لديها بخلاف «الانتربنك» تعتمد على البنك المركزي، والسندات التي يعيد طرحها كلما انتهت فتراتها، مع الاخذ بالاعتبار ان طلبات الشراء التي تقدمها البنوك تتجاوز قيمة السندات التي يطرحها «المركزي» في كل مرة باضعاف، ما يدلل على ارتفاع مستويات فوائض السيولة المركونة وقلة الفرص المتاحة لامتصاصها.وامام وضعية كهذه تبرز إشكالية مهمة امام المصارف الكويتية تتعلق بإحداث المواءمة مع سلم استحقاقاتها من السيولة في وقت لا تتوفر لديها الضمانات الكافية لاسترداد السيولة المستثمرة في الودائع طويلة الآجل في ما بينها، فكما هو معروف فان البنوك ملتزمة بسلم استحقاقات لا تستطيع مخالفته تفاديا للعقوبة، ومن ثم لا يمكنها المخاطرة في التداول بايداعات طويلة الآجل، لانها في هذه الحالة ستكون عرضة لمخاطر انكشافها في حال عدم القدرة على سحب السيولة اذا احتاجت إليها.وفي هذا الخصوص تقول المصادر: «حتى تستطيع البنوك التداول بجميع الفترات المتاحة من القصيرة مرورا بمتوسطة الآجل وحتى طويلة الآجل يتعين ان يقابل ذلك وجود قنوات سيولة إضافية يمكن للبنوك اللجوء إليها في حال نقص مستويات السيولة لديها، من قبيل سوق ثانوي للسندات أو سوق للصكوك، حيث تساعد مثل هذه القنوات في توفير فرص استرداد السيولة في أي وقت، بخلاف محدودية السوق المحلي في الوقت الحالي حيث تعاملها بودائع الفترات الطويلة تمثل عبئاً لا يمكن للبنوك المخاطرة بتحمله».