نحن لا نرى من الفن إلا ذلك الجانب الباهر من الصورة...فهل هناك جانب آخر ربما كان معتماً، لا يراه إلا الفنانون أنفسهم؟هؤلاء الفنانون الذين يصنعون لنا ذلك الإبداع المتوهج واللامع، هل يستمتعون بضوئه الذي يسطع في عيون الجمهور؟أم أنهم يلتهبون بناره فقط... ويعانون أشواك الغيرة والحسد والصراعات والظلم، في عتمة الكواليس؟هل تغيّر الفن في نظرهم بعد سنوات وسنوات قضوها أمام الكاميرا وخلفها؟أم أن الفنانين هم أنفسهم الذين تغيروا، بعدما فقدوا دهشة الانبهار، وعانوا صعوبات الطريق؟«الراي» طرحت هذه الأسئلة وغيرها على عدد من الفنانين، وجاءت إجاباتهم في سياق السطور الآتية:الفنان داود حسين قال لـ «الراي»: «في وقتنا الراهن، كل الأمور باتت صعبة نوعاً ما، بل إنها صارت (تخوِّف)، وليس الأمر محصوراً على الفن فقط، بل ينسحب على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، موضحاً: «أصبحنا نعيش على صفيح ساخن، إما إن كان الفن قد تغيّر و إما أنه لا يزال على حاله، فأنا لا أضيّع وقتي هدراً في الالتفات لأرى الأشياء السلبية أو المزعجة، وحتى الرزق مكتوب للإنسان ولن يأخذ غير المقسوم له».ومضى حسين يقول: «إن جاء أحد وخرّب دوراً على زميله، أو حارب آخر صديقاً له في فرصته، فأنا أعتبر هذا رزقاً مقسوماً، ومهما حصل فأنا أرى أنه خير»، مكملاً: «فمثلاً إن كنت مرشحاً لعمل وذهب إلى غيري لا أحزن، وأطلب من الكل ألا يحزنوا، فلعلها خيرة أو دفع بلاء كنتَ ستقع فيه، وهذا الشيء لا يؤثر في حبي وشعوري لفني».وتابع: «ببساطة، الحياة جميلة، فلنلتفت إلى الزوايا المشرقة دوماً، أما المظلمة فنتركها، وهذا دليل على أني أعمل وما زلت في مجالي الذي عملت به سنوات طوالاً وأحببته وأصبح جزءاً مني، وأمشي خطوات مدروسة، وأختار ما يناسبني ويليق بمجتمعنا وجمهورنا الغالي».بدورها قالت الفنانة طيف: «مع مرور الزمن وجدت أن الفن تغير، وطبيعة البشر تغيرت بدورها في جميع المجالات، ومع أي ظروف جديدة تطرأ على الواقع الإنسان تبعاً لها، ولأنني أعمل في المجال الفني، فوجئت بأن هناك حروباً (من تحت لتحت)، ولا شك أن هناك حسداً وإشاعات، وهناك من يحاول أن يأخذ دوراً تمثيلياً من الآخر، وثمة نفوس تختلف مع الوقت والظروف، وللأسف لا توجد منظومة حقوق تحمي الفنان بشكل آمن، وليس هناك رد اعتبار يطمئن المظلوم. ومع هذا - وللأمانة - الخير موجود، وأصحاب النفوس الطيبة موجودون، وأنا شخصياً أتأثر نوعاً ما، وعشت لحظات ظلم وجحود من الفن وحتى خارجه، لأنه رزقي ورزق أبنائي، وهدفي ليس الشهرة والأضواء، لأني تجاوزت هذه المرحلة، لكنني لا أفكر في ترك الساحة من أجل أناس، لأننا من حال بعض، والفن أشبه بالبورصة مرة تحت مرة فوق، ومن يعمل بضمير يحصد نتاج جهده، وكل منا يأخذ نصيبه في الحياة».في السياق ذاته، أوضحت الفنانة شيماء علي لـ «الراي» أن «الحياة قد تتغير بأكملها تدريجياً، ومع مرور الأزمان، وهذا أمر طبيعي، ومن طبيعة البشر والدنيا، ولكوني ممثلة، أقول إن الفن لم يتغير بالنسبة إليّ، لكن الناس الذين يعملون فيه هم الذين تغيروا».وتابعت: «كل شخص حر في مسار حياته، وتغيير طباعه، وبالرغم من هذا - ولأكن صريحة - أنا ربما أترك الفن في أي لحظة، ليس من أجل أحد أو موقف أو غدر أو خلاف أو حسد، بل من الممكن أن أتخلى عن التمثيل من أجل راحتي النفسية، وإن كنت إلى الآن محبة لفني ولما أقدمه لجمهوري».أما الفنانة شوق، فذهبت إلى «أن الفن أصبح يخرِّع جداً، وليس كما كان من قبل... حروب دفينة وإشاعات، والأدهى والأمرّ تلك الطعنات التي تأتي من الذين وثقت بهم في يوم من الأيام»، مضيفة: «نفسيتي تعبت فترات، ما جعلني أفكر بيني وبين نفسي في ترك المجال والاعتزال، ومرّت عليّ فترة تفكير سابقة في هذا الاتجاه، لكنني متمسكة بمكاني، لأنه رزق ولدي ورزقي، ومدخول أعمالي أصرف منه على بيتي، وأيضاً هناك أشخاص أحبهم يجعلونني أستمر ويساندونني».وأكملت: «مخطئ من يظن أن حب الأضواء هو سبب استمراري في الفن، لأن من يحبك سوف يتذكرك مهما غبتَ، وكل مجال ومكان فيه نفوس غير سوية، لكنني لا أتمنى أن تكثر وتصبح حروباً شخصية، اليوم حتى الرجل أصبح يحارب المرأة والعكس صحيح»، متسائلة: «أين كنا؟ وإلى أين سنصير؟ وقد يفكر البعض في أنني أمثل للوناسة... وهذا أمر خطأ، فأنا أجسد أدواراً فنية وشخصيات، لأجل أن أخرج من الحالات النفسية التي أمرّ بها».من زاويته أدلى الكاتب محمد النشمي برؤيته قائلاً: «هناك أمور استغربتها في المجال الفني. فلكوني مؤلفاً للروايات والمسلسلات، كنت مرة في أحد الملتقيات، ووقعت في موقف لا أحسد عليه، وشعرت بارتباك ودهشة، لأني خشيت أن تحصل مشكلة، فقد كنت مشاركاً في أحد المعارض، وأتت امرأة، وتحدثت معي بقسوة واتهمتني بأنني تسببت في خراب الشباب والشابات والمراهقين من خلال كتاباتي، وطبعاً تركتها تتكلم لأنها لم تكن امرأة صغيرة، وكان يُفترض أن تكون أكثر هدوءاً، فهل يُعقل أن أقف عن ممارسة هوايتي أو أقيد تفكيري - وأنا أعرف جيداً العادات والتقاليد - من أجل رأي لا أجد فيه هدفا؟».وزاد: «هنا فكرت مرارا: ماذا لو وقعت في موقف مشابه؟ ومن يضمن حقوقنا ككتاب؟ ليس هناك مكان يحمي حقوقنا، ومع هذا أكملت أيام معرض الكتاب، ولم أتأثر».في المضمار نفسه ذكرت الفنانة مي البلوشي «أن الخوف والضيق من الفن لا ينبع فقط من الضرب في الظهر والحقد المتبادل أحياناً، بل أيضاً من الشللية التي أصبحت طاغية»، مكملة «أن كل من هب ودب دخل الفن، حتى اختلط الجيد بالسيئ في الوسط الفني، بل إن النظرة إلى الفن اقتصرت على اعتباره طريقاً للشهرة وتجارة فقط وليس رسالة».لكن البلوشي استدركت: «مع هذا أقول بصراحة إنني لن أترك المجال الفني، لأنه يمشي في عروقي، كما أنني أيضاً أعتبره طريقي للحصول على رزقي، ولكي أوجه رسائل مفيدة إلى الجمهور»، مفيدة بأن «الجميع لا بد أن يحبوا الخير للجميع، وأن تكون نوايا كل منا صافية تجاه الآخر».وفي هذا السياق أدلت الفنانة ملاك بقولها: «خلال عملي في الفن لاقيت أموراً عدة صدمتني، ولم أكن أتوقع أن أراها في هذا المجال»، مشيرة إلى أن المكان - باختصار - بات «يخرِّع»، سواء من ناحية الشللية البغيضة، أو من غياب المصداقية لدى بعض المنتجين، ومؤكدة: «أنا شخصيا المنتجون هضموا حقي، وتعلمت ألا أعمل خارج الكويت، لأنني صادفت منتجين أسميهم منتجين منافقين، دفعوني فترة إلى التفكير في أن أعتزل التمثيل، لكنها كانت مجرد فكرة وعبرت، وسوف أسير في طريقي، ولن ألتفت إلى أحد، واتخذت قراري: لم ولن أتنحى أبدا عن طريق الفن».من منظوره أعرب المخرج جابر الجاسر عن رؤيته في المجال الفني بقوله: «لو أن الزمن عاد بي إلى الوراء فلم أكن لأدخل هذا الطريق»، مكملاً: «لأنني استغربت فيه أموراً كثيرة، إلى أن تأقلمت في نهاية المطاف، لأني (أحب شغلي)، والعيب طبعاً ليس في المجال نفسه، بل العيب في الناس الذين غدوا يطمعون في تحقيق مصلحتهم، على حساب الآخرين، وكلّ منا يريد أكل زميله، ولم يعد أحد في هذا الزمن يمكنك اتخاذه صديقاً».الجاسر واصل: «إن استمراري في الإخراج حتى الآن ليس من باب البحث عن الشهرة، بل إن حبي لعملي يجعلني أتجاهل أموراً كثيرة، ومقتنع جداً بأن الرزق مكتوب ومقسوم لي مهما حدث، ومهما فعل الآخرون».ومن ناحيتها وصفت الفنانة غادة السني طريق الفن بأنه «شائك وغير سالك»، مفصلة رؤيتها بأن هيمنة الشللية جعلت وجوهاً فنية موهوبة تعاني الظلم، إلى حد أن هناك أناساً موهوبين صاروا (قاعدين في بيوتهم)، وهذه الأمور تسيء إلى الفن، فضلاً عن الحرب بين الناس، وأتمنى أن تزول، والقلوب تهدأ والنفوس تصفو».وتابعت السني: «أستمر في التمثيل... لأنني خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية ودرست في بلادي الكويت، وأصبحت بحرينية وكويتية في الوقت نفسه، وتخرجت بشهادة في الفن، فأنا لستُ مهندسة ولا طبيبة ولا بروفسورة، لذلك أنا مجبرة على أن أعمل في الفن، مع الحرص على أن (أطوِّف) أموراً كثيرة، لعل الأوضاع تهدأ مستقبلاً».
فنون - مشاهير
استطلاع / باحوا عن تغيّرات وتحديات «جعلته يخوِّف» ... وبعضهم فكّر في الاعتزال
مشاهير لـ «الراي»: الفن ضوء لمّاع ... كواليسه نار وصراع!
06:15 ص