لفت انتباهي كيف ان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام كان يسمع مباشرة من اليهود والنصارى واللا دينيين، يحاورهم بأدب جم دون اتهام، يناقش أفكارهم دون شخوصهم، لا يسفه آلهتهم ولا يطعن بتاريخهم وتراثهم...باختصار كان متجردا يسعى لبناء أمة لا مكان فيها للأشخاص والمجد الذاتي.كما لفت انتباهي هذا الغثاء الإعلامي الذي تنضح به بعض صحافتنا ظاهرها الإصلاح والتصحيح وباطنها الكذب والتدليس في حق تيار أصيل له تاريخ لا ينكره سوى المكابرين الجاحدين.وفي رأيي لا مانع ان يُحاكم الإسلاميون من خصومهم، لكن لابد قبل ذلك التأكد من سلامة المقاييس وصلاحية أدواتها. فالمحاكمة لا تكون بأدوات متناقضة او غير علمية او بلغة المكاييل وفروقات الأوزان. فلا يجوز مثلا ان تُحاكم الظنون التي لا تغني من الحق شيئا ! ولا يصح ان تُتهم الأفكار التي كفلها الدستور والقانون! او تصدر حكما من غير دليل او بينة! او تستند على القرائن التي يشوبها الضعف ! او ان تبني حكمك على الإسلاميين من خلال تصورات خصومهم ومخالفيهم أو لقطات عيونهم وأسماعهم، فتكون كمن يرى بعين واحدة او يسمع بإذن واحدة! ففي الحديث الشريف (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع).إذاً، لا مانع من المحاكمة لكن لابد من التأكد من سلامة المقاييس...وحسن القصد...واليوم نجد من يحاكم الإسلاميين، من لا يتورع عن ابتكار مقاييس على مزاجه بل هي أشد قسوة من مقاييسه التي يستخدمها مع غيرهم ما يؤكد ما ذهبنا اليه ان المسألة هي إقصاء الآخر وازاحته عن العمل العام!فهذا كاتب يصف الحركة الاسلامية، بعد ان طاح الجمل، وأضحت من المغضوب عليها إقليميا، بالعنف والانتهازية والسعي لخطف الدولة وغير ذلك من اتهامات يعرف القاصي والداني انها لا تصدر الا من ذوي المقاييس العرجاء العمياء والتي لا تصح معها قيم العدل والصدق والموضوعية.ذوو المقاييس غير السليمة الذين ينادون باحترام الرأي الآخر وحرية الفكر، فإذا بهم يصادرونه عمليا، ويدعون الى أدب الحوار والاختلاف فإذا بألسنتهم تنضح بقلة الأدب وسوء الخلق.ذوو المقاييس غير السليمة لا ينظرون لانحراف مقاييسهم وتجاوز عدالتهم لأنهم خلطوا بين الانطباعات الشخصية والأدلة البينة الثابتة...فهداهم الهوى المتبع والانطباع الخاص لظلم الآخرين وتشويه سمعتهم والطعن بزملائهم ومخالفيهم...المؤسف ان هذا الداء قد انتشر في جسد المثقفين والإعلاميين من كل الفصائل السياسية والاجتماعية. والمؤلم اننا نتبرأ من هذه المنهجية المعيبة في الوقت الذي نمارسها مع فرقائنا في العمل العام.ان اولى عمليات إتمام البناء العام للأمم والحضارات هو في تقبل الآخر مهما كان جنسه ودينه ولغته...لا بد إذن من التقبل والاعتراف بحقه في الشراكة الوطنية والمشاركة الفاعلة كأحد اهم أسس المواطنة التي كفلها الدستور والتي جاء بها الاسلام قبل اي قانون ونظام آخر.والمقصود ان الخلاف وارد، وهو حتمي لطبيعة الكينونة الانسانية، ولكن لا بد من سلامة مقاييس الأحكام على الآخرين المخالفين في الفكر والمنهج حتى لا نقع في الافتراء والظلم الذي أهلك الأمم وأباد الحضارات عبر التاريخ.ولكل أجل كتاب.
مقالات
د. مبارك الذروه / رواق الفكر
سلامة المقاييس
12:41 ص