تقدم فرقة «لابا» المسرحية الليلة العرض الأخير لمسرحيتها «من هوى الأندلس»، في عودة إلى حقبة مزدهرة من التاريخ العربي، وذلك في ختام عروضها الأربعة التي بدأت قبل ثلاثة أيام.«لابا» التابعة لأكاديمية «لوياك» غير الربحية التي تُعنى بالفنون المسرحية والاستعراضية، خطفت أنظار شخصيات الـ «VIP» الذين احتشدوا في اليومين الأولين، قبل أن تُفتَح أبواب المسرح للجمهور البارحة والليلة، لمعايشة أحداث المسرحية التي يشي تفوقها الإبداعي بأنها تمثل نهضة مسرحية آتية إلى الكويت في مستقبل قريب.المسرحية كتبتها المؤلفة فارعة السقاف وأخرجتها شيرين حجي وقُدمت على مسرح «الدسمة»، وذلك بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وبدعم من شركة «DOW» للبتروكيماويات.العرض المسرحي «من هوى الأندلس» قُدِّم بـ «دبل كاست»، وهي خطوة جميلة تحسب لمصلحة الفريق، إذ لم يسبق أن أقدمت عليها أيّ فرقة مسرحية في الكويت، استُوحيت أحداثه من قصة آتية من بعيد... حيث أواخر القرن العاشر الميلادي، إبان الوجود العربي في الأندلس.تدور الاحداث في قرطبة، وتحديداً في قصر الزهراء الذي يعيش خلف جدرانه العامرة الخليفة المستنصر بالله، وهو الحكم الثاني ابن عبدالرحمن الناصر لدين الله ورسوله، تاسع خلفاء بني أميّة، وتصور كيفية وصول محمد بن أبي عامر «الحاجب المنصور» الذي نال ثقة الخليفة في حياته من خلال تنفيذه لكل ما يُسنَد إليه، ومن ثمّ الوصول إلى سدّة الحكم بعد مماته، ونجاحه في تهميش دور «صبح» وابنها الخليفة هشام المؤيد، بعدما تزايد نفوذه من خلال الفتوحات وتعدد الانتصارات التي حالفته في كل معاركة الحربية ضد ممالك أعدائه المجاورة، متخلصاً من كل خصومه السياسيين، وتعرض المسرحية لقصّة الجارية البشكنسية «صبح» نديمة الخليفة الحكم المستنصر بالله ومستشارته التي أنجبت له ابنه الأمير هشام المؤيد، وتجسد الأحداث كيفية محاولة غالب الناصري «ذي السيفين وفارس الأندلس» التصدي لذلك الأمر ساعياً إلى ردعه برغم تزويجه ابنته أسماء إلى ابن أبي العامر، ما يجعلهما يتواجهان في معركة رغم توسّل أسماء لأبيها الذي خسر المعركة بينما انتصر محمد بن أبي عامر.الأداء التمثيلي - في مجمله - كان متوزاناً متناغماً، حيث بدا التوافق جلياً بين الممثلين، إلا استثناءات قليلة، أحدها تمثل في أداء الممثل محمد أكروف، الذي قام بدور الخليفة المستنصر بالله، فلم يكن مقنعاً بما فيه الكفاية لا في تجسيد الشخصية ولا في نبرة الصوت التي ظلت على حالة واحدة لم تتغير طوال العرض على رغم تباين المواقف الشعورية غضباً ورضىً أو فرحاً وحزناً. أما إيقاع الأحداث فكان متلاحقاً، بحيث لم يعط فرصة للملل كي يتطرق إلى المشاهد. وفي المقابل برزت شخصيات، ومنها أسماء بنت غالب الناصري التي جسدتها نادية أحمد، فظهرت في ذروة تعايشها مع أعماق الشخصية، مؤثرة في المتلقي الذي أحس حتى بمجرد الهمسة التي تصدرها متسقة مع الحدث والموقف.هناك أيضا شخصية محمد بن أبي العامر التي قدّمها أيّوب دشتي الذي ظهر تمكنه من أدواته المسرحية، وكذلك شخصية غالب الناصري وجسدها جابر الحبابي الذي كان بدوره مقنعاً سواء بأدائه أوبنبرة صوته التي جسدت مكانته وقوته بوصفه قائداً لجيش الأندلس. وأيضاً عمر الطحان الذي تمكن من عيش دور الطفل الأمير المغلوب على أمره.أما الأزياء، التي تصدّت لتصميمها مؤلفة المسرحية فارعة السقاف، فكانت متوائمة مع وظيفتها متسقة مع «تيمة» العرض، بألوانها الزاهية، وربما كان أحد أسباب نجاح الأزياء أنها عكست فهم السقاف لشخصياتها وبيئتهم التاريخية.نجحت الإضاءة، التي تصدّى لها بدر شاكر المعتوق، في التعبير عن الحالة المسرحية ما بين الحب والغضب والخيانة وغيرها من الحالات التي مرّت بها شخوص المسرحية، وإن كان يؤخَذ عليها الاستخدام المسرف أحيانا من دون داعٍ درامي أو ضرورة منطقية، فبدت في بعض المواقف استعراضاً فائضاً على حاجة العرض!!ديكور المسرحية، الذي صممه عبدالله خريبط، جرى توزيعه على أبعاد الفضاء المسرحي بواقع كتلة على جهة اليمين وأخرى يسارا مع وضع كتلة ثالثة في عمق المسرح، لترمز إلى أكبر مكتبة عرفها التاريخ، وهي التي بُنيت في عصر الخليفة المستنصر بالله.وفي ما يخصّ الموسيقى، التي صنعها الموسيقي السوري - البريطاني عبدالله شحادة خصيصاً للمسرحية، فقد شكلت عنصراً مهماً أسهم في حالة التعايش المسرحي، وكانت متناسجة مع الحالة المسرحية من دون إقحام أو تكرار، ما أسهم في إيهام المتلقي بأنه عاد (ذهنيا) ليعيش لحظات في رحاب العهد الأندلسي.لا شك أن مشاهدي العرض استمتعوا بجرعة مسرحية رصينة، ترابطت فيها العناصر والمكونات بتناسق ووعي، لتنتج لوحة فنيّة أقل رائعة، وأما الهفوات التي عرضنا لها - منذ قليل - فهي لا تقلل من قيمة الجهود التي بذلها المشاركون في المسرحية، إذ لم يأت إلى خشبة المسرح بعد، العرض الكامل الذي يبرأ من القصور هنا أو هناك.المسرحية كشفت للجمهور إمكانات المخرجة الشابة شيرين حجي التي قادت وأدارت العرض بإتقان تُحسد عليها، خصوصا أن هذه هي تجربتها الثانية فقط في الإخراج المسرحي، ما يبشر بمخرجة واعدة في المستقبل القريب. وكذلك لا ننسى أنّ أغلب الممثلين المشاركين في «من هوى الأندلس» هم هواة ولم يتلقوا دراسة أكاديمية في المسرح، وأكثرهم يقفون فوق خشبة المسرح للمرة الاولى أو ربّما الثانية على الأكثر.
فنون - مسرح
«لوياك» تُقدّم آخر عروضها الليلة على مسرح «الدسمة»
«من هوى الأندلس» ... نهضة مسرحية آتية !
12:15 م