صار معتاداً خلال الأسابيع الماضية أن يراقب المتداولون أسعار النفط الخام الكويتي قبل افتتاح البورصة، للتصرّف على أساسها بيعاً وشراء. فهل ثمّة منطق اقتصادي يبرّر هذاا لربط؟ وماذا تفعل إذا رأيت أسعار النفط تهوي أكثر فأكثر؟منذ 28 سبتمبر الفائت، خسر المؤشر السعري للبورصة 526 نقطة، أي ما يقارب 7 في المئة، وتزامن ذلك مع تراجع أسعار الخام الكويتي من 93 دولاراً إلى 76 دولاراً للبرميل، أي بنحو 18 في المئة خلال الفترة نفسها.ويمكن الملاحظة بوضوح أن تراجع النفط ترك تأثيراً نفسياً كبيراً في أيام محددة، حين كان خسر النفط مستويات سعرية مهمة، (مثلاً حين هبط دون الثمانين دولاراً)، وغالباً ما كانت التراجعات الكبيرة تترافق مع تراجعات مماثلة في أسواق الدول الخليجية، التي تتأثر اقتصاداتها بانخفاض النفط.لكن كثيراً من المحللين الماليين لأسواق الأسهم ما زالوا ينظرون إلى انخفاض أسعار النفط على أنه من عوامل التذبذب القصيرة الأجل في الأسواق الخليجية، وليس بالضرورة أن يشكّل التزامن في الهبوط أخيراً دليلاً على وجود ترابط وثيق يُستنتج منه استمرار تراجع الأسواق حكماً.في المدى البعيد، تشير الشواهد التاريخية إلى أن فترات الطفرات الكبيرة في الأسواق الخليجية، ومنها الكويت، تزامنت مع طفرات في أسعار النفط، لاسيما بين العامين 2003 و2006، ثم في العام 2007 والنصف الأول من 2008، على الرغم من أن بوادر الأزمة المالية العالمية كانت تلوح في الأفق. ولهذا ما يفسّره اقتصادياً، فالإنفاق الحكومي الذي يبقى المحرّك الأساس لاقتصاديات الدول الخليجية، يشهد تصاعداً كبيراً مع ارتفاع أسعار النفط.ماذا على المتداول في البورصة الكويتية أن يفعل إذاً وهو يرى تراجع أسعار النفط؟ هل يبيع وينتظر أم يتجنّب سياسة القطيع، ويهندس سياسته الاستثمارية بعيداص عن الهلع؟ ليس لدى خبراء الاستثمار وصفة واحدة يمكن تطبيقها في كل الأحوال، لكن على الأقل هناك نصائح يمكن الاستفادة منها:1 - عندما ترى السوق هابطاً بمئة نقطة لا تأخذنّك العاطفة وتهرع إلى البيع. أنظر إلى الصورة الأوسع، لا إلى يوم بعينه، وقيّم الأوضاع المحيطة بالسوق بنظرة شموليّة.2 - تذكّر أن الخروج من السوق في التوقيت الخطأ له كلفته أيضاً، فقد تبيع سهماً بأقل من قيمته العادلة وتعجز عن استرداده بالسعر نفسه.يبقى اتخاذ القرار في أوقات كهذه محيّراً، فقد تعتقد أن السوق وصل إلى القعر فعلاً فتتحمّس للشراء فتتفاقم خسائرك، وقد تبيع فتضيع عليك الفرصة.3 - احتفظ بالأسهم التي تثق بقيمتها الحقيقية، فمهما تراجعت أسعار الأسهم التشغيلية في فترات التصحيح القوي، ستصل في نهاية السنة إلى أرباحٍ وتوزيعات. أما الأسهم التي تعطيك الكثير من المكاسب في فترات رواج المضاربة فقد تهوي بلا قاع، فتذهب قيمة السهم ولا تحصل في المقابل على توزيعاتٍ تعوّضك.4 - تذكّر أن بعض الشركات المدرجة لا تتأثر بانخفاض أسعار النفط، بل إن بعضها يستفيد. فالأمر يعتمد على طبيعة نشاط الشركة ومصادر إيراداتها.مضاربات أم أساسيات؟وكما تبدو هذه الفترة محيّرة لصغار المتداولين، فإن المحللين ليسوا على رأيٍ واحد، فهل تراجع السوق عائدة لعوامل أساسية حقيقة أم لأسباب مضاربية؟يقول الخبير الاقتصادي جاسم السعدون إن هناك عوامل تجعل المضاربات هي المؤثر الرئيسي في حركة سوق الاوراق المالية، ويمثل ذلك سبباً مباشراً في حدوث الهزات مع أي تطورات حتى وإن كانت غير عادية، لافتاً الى أن غياب الملاءة والاعتماد على الشركات الضعيفة التي انكشفت في ظل الازمة المالية جعل تأثير الهزات الاقليمية والعالمية كبيراً.وأوضح السعدون أن السوق بحاجة الى إصلاح هيكلي حقيقي، فهناك قضية غياب الأسهم السائلة التي تتطلب حلاً جذرياً، مؤكدة ان وجود ملكيات كبيرة بيد أطراف بيعنها ستظل مشكلة وعائقاً امام زيادة احجام السيولة المتداولة في السوق.واضاف السعدون: «تنظيف السوق يتطلب استبعاد عدد كبير من الشركات المدرجة وفقاً لمعايير، وليس بشكل عشوائي، بحيث تُنقل تلك السلع الى سوق ثانوي، او تتداول خارج المقصورة على غرار أسواق مال كثيرة، وذلك لكون تلك الشركات لا تعتمد على أداء تشغيلي ولا تُفيد السوق ومؤشراتها إلا في نطاق ضيق».ارتباط نفسيوعلى الصعيد نفسه، أفاد رئيس مجلس الإدارة في شركة الاستثمارات الوطنية حمد العميري «أن تأثير أسعار النفط وتراجعاتها التي حدثت قبل اسبوع كانت»نفسية«فقط، خصوصاً في ظل غياب الرابط المباشر ما بين سوقي النفط والاوراق المالية».وقال لـ «الراي»: «لا يوجد رابط تاريخي ما بين سوق الاوراق المالية وبين أسعار النفط، فقد ارتفعت قبل فترة الى أكثر من 110 دولارات للبرميل، وظل السوق الكويتي وقتها دون المستوى مقارنة بأسواق العامل والخليج، وعندما تداولت أسعاره عند مستويات الـ 40 دولاراً لم يحدث تأثير اضافي للسوق، إلا ان التأثير ينصب دوماً على مستوى ميزانيات الدولة والفوائض مقارنة بما تحويه الميزانية من تقييمات وأسعار، ليس من المنطق ان نربط سريعاً ما بين السوقين».وعن اهتمام بعض المجموعات بالاسهم التي تندرج تحت مظلتها او قريبة منها على غرار الاستثمارات الوطنية وشركاتها التي قادت تعاملاتها السوق خلال الفترة الاخيرة قال: «من الطبيعي ان تهتم محافظ المجموعات»المليئة«بأسهمها، ونحن نتحرك في ذلك النطاق، خصوصاً على مستوى السلع التي تتملك فيها الشركة حصصاً مؤثرة، هناك تطورات جيدة سيكون لها حضور، بخلاف الأداء الجيد الذي سيكون لها أثره خلال الفترة المقبلة».ويتفق الرئيس التنفيذي في شركة يونيفيرس للاستثمار أسامة الأرملي مع رأي العميري في شأن التأثير المُبالغ فيه لأسعار النفط على سوق المال، منوهاً الى أن التأثير نفسي بحت، لاسيما وان الافراد هم من ينشطون خلال التعاملات اليومية وهم الأسرع تخارجاً مع حدوث أي هزة.وقال: «سوق الكويت للأوراق المالية ليس له اهتمام مباشر بسوق النفط، عدد الشركات ذات الاهتمام النفطي محدودة، على عكس أسواق الخليج الاخرى، إلا ان التأثر النفسي سيظل حاضراً».وانتقد الأرملي الانفاق الحكومي المحدود في سوق المال، مشيرا الى أن المحفظة الوطنية ذات أداء متواضع، وحركتها تقتصر على أسهم بعينها (الاسهم القيادية) في حين أن السوق مليء بالسلع الصغيرة التشغيلية التي تحتاج الى دعم.

هل تذكرون التسعينات؟

بين الارملي ان أسعار النفط كانت تتداول في التسعينات عند مستويات قريبة من الثمانية دولارات ولم نشهد حينها انهيارات في سوق الاوراق المالية (المؤشر كان وقتها تحت سقف الألفي نقطة)، فيما تداول بعد ذلك فوق الـ 40 دولار ثم أكثر من 100 دولار ولم يكن له تأثير مباشر على السوق، لافتاً الى ان البورصة بحاجة الى دعم حكومي كي تتعافى بشكل كامل.واضاف: «نحتاج الى برنامج واضح لخدمة السوق ورفع قيمة الأصول المدرجة على غرار ما حدث في أسواق خليجية تجاوزت تداعيات الأزمة المالية العالمية».

قيادة أسواق الخليج للسعودية والإمارات

أكد العميري أن القيادة المالية لبورصات الخليج اليوم باتت بيد المملكة العربية السعودية والامارات، أي ان المؤشر العام لأسواق المال في المنطقة يتوقف «نفسياً» على هذين السوقين، وبالتالي فإن تماسكهما ينعكس بالايجاب على معظم أسواق المنطقة، وهبوطهما يظل حاضراً بتأثيرات على بورصات مثل الكويت وقطر والبحرين اضافة الى أسواق عربية أيضاً على غرار مصر وغيرها.

فرص جديدة في الأسهم التشغيلية

يرى حمد العميري ان ما شهده السوق الكويتي خلال الفترة الماضية من تراجع أفرز فرصاً جيدة على مستوى الاسهم التشغيلية، متوقعاً مرور المؤشرات العامة للسوق بموجة نشطة ليعوض جزءاً كبيراً من الخسائر التي مُني بها، لافتاً الى أن انخفاضات البورصة الكويتية لم تكن على غرار أسواق مثل السعودية والامارات وقطر، وذلك لأسباب معروفة أبرزها ان تلك الاسواق حققت مكاسب كبيرة خلال الفترة الماضية، بل تعافت واطفأت خسائر الازمة المالية، في حين ظل السوق الكويتي يغرد خارج السرب، منوهاً الى أن التأثير جاء أقل، إلا أن استمرار موجة الهبوط سيكون لها تكاليف على الكويت ايضاً.

الكويت لم تواكب الارتفاعات

بيّن الاقتصادي جاسم السعدون ان «السوق الكويتي لم يتأثر كثيراً عندما كانت أسعار النفط تتداول عند أسعار مرتفعة، ويجب ألا يكون له تأثير سلبي مع تراجع الأسعار الآن».ويشير السعدون إلى أنه «يُفترض ألا يكون لانخفاض أسعار النفط بهذا الشكل تأثير عملي أو مباشر على سوق المال، فالبورصة الكويتية لم تحقق مكاسب على غرار ما حققته أسواق المال السعودية والإماراتية وغيرها، وكان يجب أن يكون لهبوط أسعار النفط تأثير إيجابي على بعض القطاعات وليس العكس، ويبقى التأثير النفسي فارضاً ذاته في النهاية، لاسيما أن طبيعة المستثمر المحلي مختلفة تماماً عن قرينه في الأسواق العالمية».