بعد مرور 5 أشهر على الموعد المتوقع لإنجاز مسودات قوانين الإعسار، لم تتوصل حكومة الكويت إلى اتفاق مع البنك الدولي إلى مسوّدة مقبولة لمشاريع القوانين يمكن الانطلاق منها، في ما يبدو أنه تعثّر جوهري للعمليّة برمّتها.ويفترض من فريق البنك الدولي الذي يضم خبراء دوليين في مجال إعادة تأهيل الشركات، وحل مشاكل التعثر، وتغطية الديون، والمعاملات المضمونة، ورفع التقارير المالية وتعزيز النظام القضائي العمل مع الفريق التوجيهي المشكل بقيادة وزير التجارة والصناعة الدكتور عبد المحسن المدعج ويساعده رئيس مكتب تشجيع الاستثمار المباشر الشيخ مشعل جابر الصباح لتعزيز الجوانب الأساسية لقانون الإعسار وأنظمة الدائن/ المدين في البلاد، بما يسهم في تحقيق رؤية الكويت الهادفة إلى جعل الكويت مركزاً تجارياً ومالياً.مصادر مسؤولة افادت بوجود خلافات جذرية، يمكن وصفها بـ»صراع ثقافات» بين الكويت والبنك الدولي، فالأخير سعى إلى وضع قوانين للاعسار بمعايير دولية، وهو ما لم يستطع الجانب الكويتي الممثل في الفريق التوجيهي بقيادة وزارة العدل وإدارة الفتوى والتشريع توفيقه ما يمكن تطبيقه محليا.وبينت المصادر ان «الفتوى» اعترضت وبشدة على المسودة التي اقترحها البنك الدولي للقانون المرتقب المعني بإفلاس الشركات، خصوصا في ما يتعلق بتحديد إطار عمل جديد للموافقة المسرعة من قبل المحاكم على خطط إجراءات إيجاد الحلول للديون المتعثرة السداد، ولم تخف غضبها من سياق بعض المصطلحات التي استخدمها البنك في توصيف وضع المحاكم الكويتية وكوادرها والتي رأت فيه تجاوزا غير مقبول، ودعت في المقابل إلى إعادة النظر في مشروع القانون على ان يراعى وضعه بالقالب الكويتي.في المقابل سعى الفريق التوجيهي أو بعض ممثليه إلى احتواء الأزمة بين البنك الدولي وإدارة الفتوى والتشريع، وهو ما قبله الطرفان، حيث وافق «الدولي» على النظر في جميع الملاحظات الواردة إليه من الجهات المعنية وإعادة قولبة المسودات بما يتفق مع القالب الكويتي، وقام بالاستعانة بمكتب محاماة كويتي للمساعدة في اعمال الترجمة والمطابقة القانونية، الا ان من الواضح ان ذلك لم يساعد الا في التخلص من الاخطاء اللغوية التي صاحبت مسودات «الدولي» اكثر من مرة.ويضم الفريق التوجيهي ممثلين تابعين إلى وزارتي المالية والعدل، ووزارة التجارة والصناعة وبنك الكويت المركزي، والهيئة العامة للاستثمار وإدارة الفتوى والتشريع. وتم منذ بدء عمل الفريق الدولى عقد اجتماعات إضافية مع أعضاء رفيعي المستوى تابعين إلى وزارة العدل، والسلطات القضائية، وهيئة أسواق المال. بالإضافة إلى اجراء مناقشات تقنية مع ممثلين عن المقرضين والمقترضين، ومحترفين في المجالات القانونية والمالية وإعادة الهيكلة.ومن الخلافات أن في الكويت على سبيل المثال لا يوجد في المنظومة القضائية قاض متخصص للاعسار، بل يوجد قاض متداخل المهام، بعكس الوضع في بريطانيا وغيرها من دول العالم، وايضا من الصعب لوجستيا انشاء محاكم متخصصة تكون معنية فقط بمتابعة الخلافات التجارية المرتبط بالاعسار فيما يدعو البنك إلى ذلك، كما ان النظام القضائي المحلي مرتبط بقوانين اخرى مثل قانون المرافعات والقانون المدني، وهذا فارق اضافي يجعل من الصعب تطبيق النموذج الغربي القائم على الفصل.إضافة إلى ذلك فان القاضي الكويتي يتدرج في المناصب حتى بلوغ صفته القضائية، بعكس القاضي الاجنبي الذي يتم اختياره من قطاع المحاماة لاعتبارات تتعلق بالخبرة والنزاهة وغيرها من الاعتبارات التي تعتمد عليها هذه الدول، ولذلك كان من الطبيعي ان يحدث صدام بين ثقافة البنك الدولي ومتطلبات الكويت القانونية، التي تحتاج إلى بنية قضائية متطورة تنسجم مع شبكة قوانينها المتداخلة، لكن الغريب ان هذا الصدام تأخر للظهور للعلن.وبينت المصادر ان البنك الدولي والحكومة الكويتية اعلنا منذ بداية اتفاقهما على انهما ملتزمان باعتماد إجراءات شاملة من أجل التوصل إلى الإصلاحات الأساسية المطلوبة، الا ان الملاحظات الرسمية التي تم تقديمها من البنك إلى حكومة الكويت عاكست جميع التوقعات بعد أن أنجز البنك الدولي الشوط الأول من مهمته الاستشارية الخاصة بإعداد مسودات مشاريع قوانين الاعسار وانظمة الدائن/المدين، حيث لم يستطع البنك تكييف مقترحاته باالثقافة المحلية، ولم تستطع الكويت حتى الآن هضم فكرة التغيير الكلي الذي يتضمن سن تشريعات وإدخال تعديلات على قوانين قائمة.تجدر الاشارة إلى ان «الراي» انفردت بنشر ابرز بنود مسودة قانون إعادة هيكلة الديون في 30 يونيو الماضي، بعد ان سلم البنك الدولي اول 3 مسودات لمشاريع قوانين نظام الافلاس والعلاقة بين الدائن والمدين.وفي الملخص تعتقد المصادر ان المشكلة ليست بسبب قصور من البنك الدولي في تأدية دوره او بسبب رفض كويتي للتطور، لكن المشكلة تكمن ان الترزي «افرنجي» ويحتاج في تفصيل الدشداشة الكويتية إلى فريق قانوني محلي يسانده، في احداث المواءمة بين المطلوب والممكن.