لبنان حسم أمره واتخذ قراره، فلا استقبال للنازحين السوريين بعد اليوم سوى للحالات الاستثنائية، إذ ان الرقم الذي تجاوز 1.3 مليون نازح مسجلين على لوائح مفوضية شؤون اللاجئين بات يشكل كارثة على مختلف الأصعدة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، مع الخشية من أن تفوق الكارثة في شكلها ومضمونها ونتائجها ما خلفه التهجير القسري للفلسطينيين الذين لم يعودوا الى ديارهم بعد عشرات الأعوام.القرار الذي اتُخذ بشكل رسمي من الحكومة في 23 أكتوبر بعد اجتماعها الدوري برئاسة رئيسها تمام سلام، يقوم على وقف استقبال النازحين السوريين في لبنان الا للحالات الاستثنائية، والطلب من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة وقف تسجيل النازحين الا بموافقة من وزارة الشؤون الاجتماعية التي تتولى ملف النازحين، كما تضمن نزع صفة النازح عن كل مَن يذهب الى سورية أو يخالف القوانين اللبنانية.الحكومة اللبنانية كلفت القوى الامنية متابعة التدابير اللازمة لضبط النزوح كما تم تكليف البلديات إقامة كشف دائم على النازحين كل في اطار نطاقها الجغرافي، مع تشديد القوانين على النازحين بما يخص العمل لحماية اليد العاملة اللبنانية وذلك بهدف تقليص عددهم، وتوفير الامن للبنانيين والسوريين، وتخفيف الأعباء عن الشعب اللبناني والاقتصاد، وتشجيع السوريين على العودة لبلادهم، وضبط المناطق التي تتضمن مخيماتهم، مع التشدد في تطبيق القوانين اللبنانية حول العمالة لحماية المواطنين في مجال العمل.وخطوة التضييق على السوريين لم تُتخذ بين ليلة وضحاها، بل اشتدّت وتيرتها بعد معارك عرسال في 2 اغسطس الماضي، وخروج مئات المقاتلين من الخيم ومشاركتهم في المعارك التي دارت بين مسلحي «داعش» و«جبهة النصرة» وبين الجيش اللبناني. علماً ان ملامح القلق من «فيض» النازحين كان بدأ منذ أشهر من خلال قرارات اعتُبرت فردية من رؤساء بعض البلديات، نظمت الوجود السوري ضمن حدودها، الأمر الذي أدى الى تراجع وتيرة تدفق السوريين عبر الحدود من دون أن يلغيها، الى أن باشرت الحكومة بتطبيق استراتيجيتها المتعلقة بالنازحين قبل شهرين تقريباً من إقرارها رسمياً على طاولة مجلس الوزراء والتي أدت الى تراجع أرقام النزوح بمعدل يفوق أربعين ألفا في سبتمبر في سجلات المفوضية العليا للاجئين.والأمر لا يتعلق بقفل الحدود بحسب وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس «بل بانتفاء صفة النازح عن الكثير من السوريين بعد مرور وقت طويل على اندلاع الحرب السورية، وبالتالي فإن مَن يمكن أن يأتي إلينا سيكون من المقاتلين، ونحن لسنا مستعدين لاستقبال أحد من هؤلاء».في افتتاح المؤتمر الدولي المخصص للبحث في مساعدة لبنان ودول الجوار السوري على احتواء ازمة النازحين الذي انعقد في برلين اخيراً، اعتبر رئيس الحكومة تمام سلام أن «النازحين السوريين يؤثرون على الاقتصاد والأمن اللبنانيين، ويشكلون عامل عدم استقرار»، داعياً «إلى المزيد من التمويل للبنان لمواجهة تداعيات هذه الأزمة. فهم يشكلون منافسة غير مشروعة، والحكومة وضعت سياسة جديدة تتعلق بالنزوح (...) ملفهم ليس عابراً، وهو يزداد في ظل الأجواء المتلبدة في سورية والمنطقة، وعلى الدول أن تعي ما يحتاج إليه لبنان من دعم مادي كبير، لتخطي ومواجهة أزمة النازحين».وهذا الملف بُحث من كل زواياه سابقاً وذلك من لجنة وزارية انشئت لهذا الغرض طرحت في البدء إقامة مخيمات تجريبية، في العبودية (شمالاً) وفي المصنع (بقاعاً)، وذلك بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، على أن يتم توسيعها لاحقاً اذا نجحت الخطوة، أما تمويل هذه الخطة فيكون عبر الدول المانحة. الا ان اقامة هذه المخيمات التي كان الوزير درباس اعتبرها «أكثر من ضرورية، لانه لم يعد مقبولاً هذا الانتشار الواسع للنازحين في الجسم اللبناني، مع ما يسبّبه ذلك من حساسيات أمنية واجتماعية»، قوبلت برفْض أطراف سياسية ممثّلة في الحكومة، لا سيما العماد ميشال عون و«حزب الله» إما بحجة تشجيع التوطين او تحوّل المخيمات بؤراً امنية.عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري عليا جبور علقت في حديث مع «الراي» على قرار الحكومة اللبنانية بوقف استقبال النازحين معتبرة اياه «محرجاً جداً، ونحن نتمنى ان تعيد النظر فيه، مع تفهمنا للضغوط التي يتعرض لها لبنان باستقبال هذا العدد الكبير من النازحين».واذ طالبت جبور المجتمع الدولي بـ «تقديم مساعدات الى النازحين والحكومة اللبنانية كي تتمكن من استقبال المزيد منهم»، قالت رداً على سؤال حول اذا تم اطلاع الائتلاف على القرار قبل اتخاذه: «الحكومة اللبنانية تنأى بنفسها عن الأزمة السورية، ولذلك لا يوجد تواصل رسمي معها بل تواصل على مستوى شخصي مع بعض الوزراء». واستطردت: «هذا القرار تم التداول به قبل فترة من إصداره حيث كنا في صورة الوضع لكننا كنا نأمل أن تتروى الحكومة قبل اتخاذ مثل هكذا قرار»، لافتة الى ان الائتلاف طالب بالحصول على نسخة منه «لكنها لم تصله الى الآن».من جهتها أوضحت المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان دانا سليمان في اتصال مع الـ «الراي» أن «قرار الحكومة بمنع استقبال النازحين لم يكن مفاجئاً، بل تحدثت عنه بصراحة عدة مرات قبل اتخاذه رسمياً، نظراً الى كون لبنان يستقبل العدد الأكبر منهم مقارنة مع حجمه وقدراته»، وأضافت: «سنتابع العمل مع الحكومة التي اعلنت عن وجود استثناءات انسانية لبعض الأفراد الذين هم بحاجة ماسة لحماية دولية، لنرى المعايير التي سيتم تطبيقها من أجل معرفة مَن هم الأشخاص الذين بإمكانهم الحصول على هذه الحماية الدولية وبالتالي إمكان دخولهم لبنان».وعما اذا كان تم التشاور مع مفوضية اللاجئين قبل اتخاذ لبنان قراره، أجابت سليمان: «نعم تم التشاور معنا عدة مرات، لكننا لم نطلع الى الآن على تفاصيل القرار الرسمي الذي نتفهمه، فالضغط الذي تحمّله لبنان نتيجة الأزمة السورية كبير لا سيما أن الحل النهائي هو سياسي في الداخل السوري ولا يمكن وضع العبء بكامله على بلد صغير لديه امكانات محدودة كلبنان».
متفرقات - قضايا
«الراي» استطلعت الأسباب الموجبة للخطوة غير المفاجئة
قرار لبنان بوقف استقبال النازحين السوريين: مفوضية اللاجئين تتفهّم والائتلاف السوري لإعادة النظر فيه
09:39 م