إن كانت طرابلس قلبت صفحة سوداء، وبدأت باستعادة حياتها الطبيعية بعد يومين من توقف الاشتباكات العنيفة، التي انتهت بنجاح الجيش اللبناني في استئصال المجموعات المسلحة من المناطق التي تحصنت فيها ولا سيما باب التبانة، فإن ترددات المعركة لم تهدأ، وظلت تتقدم الواجهة الامنية والسياسية للمشهد الداخلي.واذ تستبعد أوساط وزارية عبر «الراي» ان تؤدي التطورات الأمنية الأخيرة الى اي تغيير في «الستاتيكو السياسي الداخلي» فإنها لا تغفل في المقابل اهمية التطور الذي برز مع نجاح الجيش في تخليص طرابلس من عبء مسلح مزمن، ومضي الجيش في تعقب الخلايا المسلحة في مختلف المناطق، رافضة التوقف عند محاولات التقليل من أهمية ما حققته المؤسسة العسكرية والالتفاف الشعبي حولها لدى البيئة السنية من خلال كلام البعض عن تسوية أفضت الى فرار قادة المسلحين ولا سيما شادي المولوي واسامة منصور والملقب «ابو هريرة» (من طرابلس) والشيخ خالد حبلص (من المنية)، ومعتبرة ان ما تحقق في عاصمة الشمال بالغ الاهمية، رغم الخسائر البشرية التي رست على 19 قتيلاً بينهم 11 عسكرياً و8 مدنيين، فيما رجحت مصادر امنية مقتل 22 مسلحاً بالحد الادنى، علماً ان قيادة الجيش اعلنت انه «القي القبض على 162 شخصاً ضبطوا بأسلحتهم الكاملة».ولفتت الاوساط الوزارية في هذا السياق، الى ان «الموقف الحكومي الحازم من دعم الجيش بلا تحفظ، أدى هذه المرة الى اطلاق يده تماماً في العمليات العسكرية والأمنية، وهو تطور ينبغي التوقف عنده والبناء عليه، خصوصاً ان رئيس الحكومة تمام سلام تعمّد اطلاق سلسلة مواقف اتصفت بالحزم المطلق في تأكيد مضي الحكومة والجيش في الحرب على الارهاب بلا اي تراجع».وذكرت ان «هذه الوقفة الحكومية المتزامنة مع انعقاد مؤتمر برلين، امس، للبحث في مساعدة لبنان ودول الجوار السوري على تحمل أعباء اللاجئين السوريين أثّرت إيجاباً في نظرة العالم الغربي والعربي الداعم للبنان وجيشه في أوضاعه الحالية، متوقّعة انعكاسات ايجابية لها على مستويات مضاعفة أوجه الدعم الاقتصادي والعسكري».كما ان واشنطن اشادت بلسان الناطقة باسم الخارجية الاميركية جنيفر ساكي «بشجاعة الجيش اللبناني الذي يواجه مسلحين اسلاميين في طرابلس شمال البلاد»، مبدية دعمها للبنان «الذي يبكي جنودا وضباطا سقطوا وهم يدافعون عن لبنان من مجموعات ارهابية»، ومؤكدة «تأييدها للحكومة والجيش وقوى الامن اللبنانية، وهي الوحيدة التي يجب ان تضطلع بمسؤولية حماية لبنان من خطر الارهاب».واعتبرت الاوساط الوزارية، ان «الحقبة المقبلة ستتسم بالكثير من الترقب نظراً الى تزاحم استحقاقات داهمة قد يجري، غدا، استعراضها في جلسة مجلس الوزراء اللبناني»، ذلك انه لا يخفى تعاظم المخاوف من اعمال إرهابية جديدة بعد معركة طرابلس التي مني فيها المتطرفون بهزيمة موجعة قوّضت مخططاً لربط القلمون السورية بالساحل اللبناني، وهي مخاوف أذكاها اكتشاف خلية للشيخ الفار احمد الأسير في صيدا القديمة وكلام عن مخطط كان يهدف الى تفجير مزدوج كان سيحصل فجر الإثنين وفي توقيت واحد لمكان ديني للشيعة (مجمع فاطمة الزهراء) في ايام عاشوراء ومركز مخابرات الجيش عند ميناء صيدا مقابل المدينة القديمة.كما ان الوضع في بعض مناطق الشمال كجرود الضنية وعكار عاد يثير مخاوف جديدة وسط ترجيح فرار مسلحين اليها، دون اغفال ما كُشف عن معلومات وردت الى قيادة الجيش تفيد عن «تحرّك عدد من السيارات المفخّخة المعدّة للتفجير»، وقد عمّمت أوصافها على كلّ المراكز الأمنية، وهي موضع مراقبة، اضافة الى التقارير عن «توقيف خديجة حميد»، وهي إحدى النساء اللواتي جُنّدن لقيادة سيارة مفخخة والدخول الى مجالس عاشورائية بهدف تفجيرها.وبحسب الاوساط الوزارية نفسها، فان «التطورات الامنية حجبت الكلام عن استحقاق التمديد لمجلس النواب» الذي سيعود بقوة الى الواجهة بعد الثالث من نوفمبر المقبل، وبداية العد العكسي لانتهاء ولاية المجلس في 20 من الشهر نفسه.وتعتقد الاوساط ان «طريق التمديد قد تكون أصبحت اقل صعوبة بعد التطورات الاخيرة لكنها آثرت التريث لمعرفة كيف ستتم معالجة التحفظات المسيحية عن التمديد» وهو الامر الذي سيعاد وضعه على طاولة المشاورات السياسية والنيابية بعد انقشاع عاصفة طرابلس التي تداخلت مع ملف المخطوفين العسكريين لدى تنظيميْ «النصرة» و«داعش» اللذين عادا الى تهديداتهما بقتل أسرى من ضمن ما بدا انه توزيع ادوار بينهما.اذ بعدما اعلنت «النصرة» تراجعها عن إعدام الجندي علي البزال وجورج خوري بعد عودة الهدوء الى عاصمة الشمال مشيرة الى أن «المجاهدين» انتقلوا الى مكان بعيد عن المدنيين، انبرى «داعش» الى التهديد بقتل الجندي المخطوف خالد مقبل حسن وزميله سيف ذبيان، صباح امس، (وهو ما لم يحصل) ما لم ينفذ «امر غير صعب» طلبوا تنفيذه من الوزير وائل ابو فاعور ولم يفصحوا عنه.وزار ابو فاعور أهالي الاسرى في مكان اعتصامهم وسط بيروت بهدف طمأنتهم، مؤكداً انه تلقى كتابا يتضمن مطالب الخاطفين من الحكومة، ولم يفصح عن المزيد.