في الثمانينات، كان هنالك جامعة أميركية اسمها «show university» يذهب اليها الطلبة الكويتيون خلال فصل الصيف ليأخذوا فيها كورسات ثم ينقلونها إلى جامعاتهم الأصلية، وكنا نتعجب أشد العجب ليس من هذه الجامعة فقط - والتي يستطيع الطالب ان يسجل فيها ثلاثين وحدة دراسية في الصيف - ولكن العجب الأكبر من سكوت الملحق الثقافي الكويتي عن ذلك التجاوز الخطير بالرغم من تنبيهنا عليه.أحد المسؤولين في جامعتي انتبه لتلك اللعبة فطلب من أحد الطلبة الكويتيين الذين رجعوا بعد الصيف بالغنائم الكثيرة ان يدرس مادة مسبقة للمادة التي نجح بها بدرجة (A) في show شرط لقبول المادة المنقولة، ولكن الطالب رسب في تلك المادة المسبقة في جامعته، فرفض المسؤول تحويل المادة التي نقلها من show.قبل اسبوعين زارنا وفد من جامعة بريطانية من الجامعات التي علمنا بأن أعداداً كبيرة من الطلبة تتوجه اليها لإكمال دراسة البكالوريوس في الهندسة بعد تخرجهم في كلية الدراسات التكنولوجية وفي معهد الكهرباء والماء، وعندما تناقشنا مع المسؤولين عن البرنامج الدراسي الذي يخضع له الطالب خلال دراسته للبكالوريوس علمنا بأنهم يقبلون له معظم ما يدرسه عندنا في الدبلوم ثم يستكمل بقية المواد خلال عام دراسي واحد (تسعة أشهر) ليحصل على البكالوريوس، ويمكنه بعدها استكمال عام دراسي آخر للحصول على الماجستير في الهندسة، سألناهم عن دراسة اللغة الانكليزية وهل يطلبون من الطالب التفرغ لها قبل البدء ببرنامج البكالوريوس، فقالوا إن الطالب يستطيع دراسة اللغة من ضمن مواد البكالوريوس التي يدرسها في التسعة أشهر ولا حاجة لمواد مستقلة في دراسة الانكليزي.اما المفارقة الكبيرة فهي ان المسؤولين عن تلك الجامعة لم يفرقوا بين شهادة كلية الدراسات التكنولوجية (باللغة الانكليزية) وشهادة معهد الكهرباء والماء (بالعربي) ويعتبرونهما بنفس المستوى.أنا لست في مجال انتقاد الجامعات البريطانية وتدريسها للبرامج التي تريدها، وقبولها للمستويات المختلفة من الطلبة، فهذا حق أصيل لهم ويخضع لنظامهم، ولكني أتساءل للمرة الثانية: كيف ترتكب وزارة التعليم العالي تلك الغلطة بالسماح لخريجي التطبيقي في الكويت باستكمال دراستهم في تلك الجامعات التي يغلب عليها الطابع التجاري ثم تساويهم بآخرين توجهوا إلى جامعات عريقة في بريطانيا والولايات المتحدة والدول العربية، وقضوا سنوات طويلة قد تصل إلى ثلاث سنوات للحصول على البكالوريوس بعد حصولهم على الدبلوم من الكويت؟!وماذا سيحدث للكويت ان تخرج لدينا مئات الطلبة من مثل ذلك النظام وبمستويات علمية متدنية؟!وإذا كان الشخص الأول المسؤول عن طلبتنا في بريطانيا د. بندر الرقاص، وهو المستشار الثقافي الكويتي قد رفض تلك الجامعات وأصرّ على بقاء الطالب ما لا يقل عن سنتين لاستكمال البكالوريوس، فكيف تضرب الوزارة برأيه عرض الحائط وتخضع للابتزاز السياسي من بعض الجهات الشعبية؟!في جامعة الكويت يشترطون على المبعوث لدراسة الماجستير والدكتوراه في الهندسة ان يحصل على القبول من الخمسين جامعة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية فقط، وفي الهيئة العامة للتعليم التطبيقي يسمحون بالدراسة في بريطانيا والولايات المتحدة من جامعات تحمل معدل (أربع وخمس نجوم فقط) أي أقوى الجامعات، فلماذا نكسر ذلك التطور التدريجي في تحسين مستويات التعليم في الكويت عن طريق فتح النوافذ لمن هبّ ودبّ من الجامعات العربية والغربية لتعليم أبنائنا؟!لقد آن الآوان لأن تستعين وزارة التعليم العالي بالمواصفات العالمية (standards) لجميع جامعات العالم، ومن ثم تحديد مستوى او مسمى الجامعات التي يستطيع الطالب الكويتي الدراسة فيها في جميع التخصصات، ثم رفض كل ما عداها، وآن الآوان لقفل أبواب الارتزاق باسم التعليم العالي قبل ان ينشأ جيل من الأميين الكويتيين من خريجي دكاكين التعليم العالي.
د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com