شكّلت المواجهات التي اندلعت في عاصمة الشمال طرابلس بين الجيش اللبناني ومجموعات مسلّحة «جرس إنذار» من المخاطر المتعاظمة التي يواجهها الواقع اللبناني ولا سيما مع الاشارات المتزايدة الى ان التنظيمات العسكرية المنخرطة في الحرب السورية جعلت لبنان «هدفاً» لعمليات يراد منها نقل المعارك مع «حزب الله» من سورية الى «عقر داره» من دون توفير حلفائه المحليين.وعكست المعارك التي دارت منذ ليل الجمعة الماضية بين الجيش اللبناني والمسلحين في طرابلس والتي تم احتواؤها، عصر امس، حساسية المواجهة التي تخوضها المؤسسة العسكرية ضد الإرهاب، لاسيما وان اشتعال الوضع في عاصمة الشمال بدا مرتبطاً بتداعيات العملية العسكرية - الامنية التي نفذها الجيش في بلدة عاصون بقضاء الضنية (عكار - الشمال) وأوقف خلالها أحمد سليم ميقاتي الذي يُعتبر أحد المطلوبين الأشد خطورة بين الارهابيين المرتبطين بتنظيم «داعش».وراوحت التقارير عن ملابسات انفجار جبهة عاصمة الشمال بين تأكيد انه حصل على خلفية محاولة الجيش توقيف مطلوبين بناء على اعترافات ميقاتي وبين الاشارة الى انه وقع نتيجة رغبة مسلحين محسوبين على الاخير في «الانتقام» للقبض عليه، علماً ان كل المعلومات تحدثت عن ان ابن ميقاتي المدعو «أبو هريرة» وابن شقيقه بلال عمر ميقاتي الملقّب «أبو عمر» (متهم بذبح الرقيب في الجيش علي أحمد السيّد) قادا المواجهات ضد الجيش التي تركّزت في الاسواق القديمة في المدينة.وعاشت طرابلس، امس، ساعات عصيبة وسط سباق بين الاتصالات لحصْر المعارك التي أسفرت عن مقتل مدنيين اثنين وجرح ما لا يقل عن سبعة اضافة الى جرْح نحو 8 عسكريين ومقتل وجرح العديد من المسلحين، وبين محاولة «تفكيك هذا اللغم» بما يجنّب المدينة تداعيات أمنية كبرى أنذرت بالتمدُّد الى مناطق شمالية اخرى حيث تم التعرض لآلية تابعة للجيش في محلّة المحمرة (عكار) من قبل مسلحين حاولوا خطف عسكريين ما ادى الى جرح 3 جنود علماً ان تقارير غير مؤكدة تحدثت عن مقتل احد العسكريين.ورغم مسارعة كل القوى السياسية في طرابلس، وعلى رأسها «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) الى تأكيد الوقوف خلف الجيش ورفض اي مظاهر خروج على الشرعية، فان المخاوف في أوساط قوى « 14 مارس» كانت قائمة من وجود «فخ» يُنصب لعاصمة الشمال لجرّها الى مواجهة كبرى مع الجيش بعد التقارير التي سادت في وسائل اعلام« 8 مارس» قبل فترة عن ان المدينة ستتحوّل «إمارة للمجموعات الإرهابية» وعن شيء ما تحضّره المجموعات التكفيرية في الشمال من عكار الى طرابلس.وقد انصبّت مساعي معالجة الوضع الطارئ في طرابلس، التي اضطرت الى إرجاء المؤتمر الاسلامي - المسيحي الذي كان مقرراً فيها، امس، على تحييد المدنيين عن المعارك التي تركّزت في الاسواق القديمة التي لم يسبق ان امتدت اليها نيران «حرب الستّ سنوات» (2008 و 2014) بين باب التبانة (السنية) وجبل محسن (العلوية) والتي أنهتها الخطة الامنية التي كان بدأ تنفيذها بعيد تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وهي الخطة التي تعرّضت للاهتزاز مرات عدة في الفترة الاخيرة مع تزايُد وتيرة الاعتداءات على الجيش في عاصمة الشمال (اتهم وزير العدل اشرف ريفي عناصر محسوبة على «8 مارس» بالوقوف وراءها) وصولاً الى اختبار التعاطي «على البارد» مع مجموعة شادي المولوي - اسامة منصور قبل ايام وتفكيك مربّعهما الامني في التبانة.علماً ان الاخيرين دخلا على خط مواجهات الساعات الاخيرة وسط معلومات عن اصابة الاول جراء كمين نصبه له الجيش في منطقة سوق الخضار حيث جرح شخص آخر كان برفقته.وبدا الجيش اللبناني، امس امام خياريْن: إما الحسم حتى النهاية رغم الأثمان التي قد تترتب على المدنيين وعلى «تاريخ» الاسواق القديمة (مدرجة من منظمة اليونيسكو باعتبارها من مناطق التراث العالمي) وإما محاولة معالجة الوضع وفق سيناريو يشبه ما اعتُمد في توفير «ممرآمن» لفرار القيادييْن العلويين من جبل محسن (علي ورفعت عيد) قبل اشهر، وهو ما عبّرت عنه الوقائع الآتية:* المعلومات عن مساع جدية بُذلت مع المسلحين عبر «هيئة العلماء المسلمين» ومشايخ وفاعليات منطقة الاسواق (التي تم إخراج المدنيين منها) لتأمين دخول القوى الامنية الى داخل الاسواق وخروج المسلحين منها، وهو ما بدأ يحصل، بعد ظهرامس، وسط تقارير نقلت عن مصادر أمنية ان تعهدات أُعطيت بسحب المسلحين وتسليم مَن اطلق النار مباشرة على الجيش واعادة الاعتبار الى الخطة الامنية في المدينة.* تأكيد قيادة الجيش لـ «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية ان «المعركة في ملاحقة المسلحين الارهابيين في طرابلس مستمرة ولا تراجع الا بعد القضاء على الارهابيين».وكان بارزاً في موازاة ذلك 3 مواقف:الاول للوزير اشرف ريفي عقب اجتماع في دارته في طرابلس حضره عدد من نواب «المستقبل» والوزراء (من المدينة) اذ اعلن ان «طرابلس هي مدينة للعيش المشترك، وهي ليست ساحة صدى لما يحصل في سورية والعراق ولا صندوق بريد، ونحن الى جانب الشرعية، واي تحرك مسلح خارج اطار الشرعية لا نغطّيه، ونحن بيئة حاضنة للجيش وسنفكك هذا (اللغم) ولن ننجر الى حالة فلتان امني».والثاني لرئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة اعلن فيه ان «ما حصل في طرابلس والشمال من اعتداءات على الجيش اللبناني مرفوض رفضاً تاماً»، مشدداً على ان «المطلوب هوعودة طرابلس الى ذاتها وطبيعتها مدينة الانفتاح والاعتدال الحريصة على السلم الاهلي وبالتالي ضرورة المسارعة الى تنفيذ الخطة الامنية توصلا الى تحقيق شعار طرابلس مدينة منزوعة السلاح الا السلاح الشرعي، واخراج جميع المسلحين والعودة الى تطبيق القانون على الجميع من دون تمييز او استثناء، مع التنبه للثغرات والاخطاء السابقة المعروفة التي لم يعد مسموحاً استمرار التغاضي عنها».والثالث للرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي بعد اجتماع برئاسة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار اكد فيه أن «طرابلس لا ترعى اي فئة ارهابية وتدعم كل خطوات الجيش مع المحافظة على المواطنين والتراث التاريخي في الاسواق».وكانت الاشتباكات التي اندلعت، ليل الجمعة الماضية، وانخرط فيها ما بين خمسين ومئة مسلح، انفجرت عقب حصول اعتداء على دورية للجيش ذكر انها كانت تدهم منطقة التربية التي كان يقيم فيها الموقوف احمد سليم ميقاتي، قبل ان تتمدد في عدد من أحياء طرابلس وسط عمليات كرّ وفرّ مع الجيش بلغت حد لجوء مجموعة مسلحة الى التحصن لبعض الوقت داخل احدى الكنائس الامر الذي اكتسب دلالة خطيرة، قبل ان يتحصن المقاتلون في الاسواق القديمة التي حاصرها الجيش.يُذكر ان تقارير اشارت الى أّنّ «التحرّك المسلّح في طرابلس بدأ بعد صلاة الجمعة» في اعقاب دعوة الشيخ خالد حبلص والشيخ طارق الخياط الى العصيان المسلح ضد الجيش اللبناني، وإلقائهما خطباً نارية تضمّنت تحريضاً على الجيش واتهامه بأنه ينفّذ الخطة الامنية على السُنّة فقط.ومساء، صادر الجيش 4 بنادق من غرفة حرس منزل النائب خالد الضاهر في طرابلس.
خارجيات
مقتل مدنيين وجرْح آخرين وإصابات في صفوف عسكريين... و مصادرة أسلحة من حرس منزل النائب الضاهر
مواجهات عنيفة بين الجيش ومسلّحين في شمال لبنان
جنديان لبنانيان خلال المواجهات في طرابلس أمس (رويترز)
06:30 م