أبرزت مجموعة تطوّرات أمنية وسياسية وديبلوماسية متلاحقة في الأيام الأخيرة ان لبنان مقبل على تصاعُد السباق المحموم بين أخطار الاستهدافات الأمنية ومساعي الاحتواء السياسية، وسط صعوبة التكهن بأيّ سيناريو محدّد من شأنه ان يرسم مصير هذا السباق ونتائجه.وتمثلت الدلالة الأبرز لهذا السباق في حركة دولية نشطة تجاه الوضع اللبناني بدت كأنها نتيجة تخوّفات واضحة من هشاشة هذا الوضع وما يمكن ان يستتبعه من تداعيات على استقرار لبنان. اذ تزامن الوصول المفاجئ للموفد الأممي الخاص الى سورية ستيفان دي ميستورا الى بيروت امس في زيارة خاطفة سبقت توجهه الى دمشق، مع تحذيرات أطلقها معاون الأمين العام للأمم المتحدة المكلف متابعة تنفيذ القرار 1559 (المتعلق بلبنان) تيري رود - لارسن في شأن احتمالات تعرُّض لبنان لتداعيات مماثلة لما جرى في العراق وسورية على أيدي تنظيم «داعش» والتنظيمات الاخرى.وفيما ترصد في بيروت الأصداء وردود الفعل التي يمكن ان تثيرها تحذيرات لارسن خصوصا لجهة تخوفه من مواجهات بين خلايا لـ «داعش» و»النصرة» في لبنان مع «حزب الله»، غلب على الاوساط اللبنانية الرسمية والسياسية الانطباع بان الامم المتحدة ترفع صوتها بالانذار الاستباقي لممارسة أقصى ما يمكنها من ضغوط على الدول المؤثرة في الوضع اللبناني سعياً الى منْع انزلاق لبنان نهائياً الى متاهة زعزعة ما تبقى من استقراره. كما ان هذا الضغط الدولي يهدف الى حض القوى الداخلية اللبنانية على المسارعة الى الخروج من أزمة الفراغ الرئاسي التي في حال إنهائها بانتخاب رئيس جديد للبلاد قد تشكل مدخلاً متقدماً لإعادة احتواء الأخطار المحدقة بلبنان.ولكن ذلك لا يقلل خطورة المؤشرات الأمنية التي تكمن وراء التحذيرات الدولية وسواها في وقت تتكرر على نحو شبه يومي محاولات التسلل الى مناطق متاخمة للحدود اللبنانية - السورية وتحصل مواجهات تنذر بالاتساع.وتضاربت المعلومات في الساعات الاخيرة حول احتمالات تطور المواجهات على جبهتيْ عرسال وجرودها وجرود بريتال في البقاع الشمالي. اذ تحدثت معلومات عن تحسُّب الجيش و»حزب الله» لمحاولات خرق كبيرة بعدما ساءت أحوال الطقس كثيراً في جرود عرسال والقلمون السورية حيث يتجمع المسلحون بكثافة مما سيدفع بهم الى المضي في محاولات متواصلة لخرق الحدود مع لبنان بحثاً عن ملاذ دافئ يتأمن لهم معه طرق الإمداد. وفي المقابل تحدثت معلومات اخرى عن استعدادات واسعة النطاق يقوم بها «حزب الله» في محاولة لحسْم الموقف في جرود القلمون السورية لقطع دابر محاولات التسلل الى مواقعه والى الداخل اللبناني.وسط هذه المناخات الامنية الخطيرة، تتوقع مصادر سياسية واسعة الاطلاع حركة سياسية داخلية تتسم بطابع استثنائي اعتباراً من مطلع الاسبوع المقبل بعد عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من سويسرا في الساعات المقبلة. وستتركز هذه الحركة على استكمال سيناريو التمديد لمجلس النواب والتوافق على الصيغة التي ستكفل مروره بغالبية نيابية قد لا تكون كبيرة ولكنها ستأتي تعبيراً عن تفاهم بين قوى اساسية مثل كتل «المستقبل» و»حزب الله» وكتلة النائب وليد جنبلاط في حين ان رفض او تحفظ قوى اخرى ولا سيما منها الكتل المسيحية لن يحول دون تفاهمات ضمنية بين الجميع على تمرير هذه الخطوة الإلزامية التي باتت شبه مبتوتة.وتعتقد المصادر ان العودة المنتظرة في وقت غير بعيد للرئيس سعد الحريري الى بيروت ستحمل مؤشرات مهمة لجهة الدفع بمناخ سياسي قد يغدو مفتوحاً على مفاجآت تتصل خصوصاً بأزمة الفراغ الرئاسي، ذلك انه رغم ان الحريري لم يفصح عن موعد عودته ثمة معطيات ترجح ان تكون العودة قبل نهاية الشهر الجاري، وبعد إتمام التوافق على التمديد لمجلس النواب بحيث سيفتح الباب عملياً على محاولات متقدمة في الأزمة الرئاسية.وكان لارسن حذّر خلال جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن اول من أمس واستمع خلالها الى احاطة في شأن التقرير العشرين للأمين العام حول تنفيذ الـ 1559 من خطورة تمدد «داعش» و»النصرة» الى لبنان، موضحاً أن لديه أدلة على وجود «داعش» في لبنان، ومعرباً عن «القلق من إخفاق البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس جديد»، ومحذراً من «الأثر الضار» لترك هذا المنصب شاغراً.واذ لفت الى تزايد هجمات «داعش» و»النصرة» على الجيش اللبناني، حض على ايصال المساعدات العسكرية التي وُعد بها لبنان «في أسرع ما يمكن»، مرحّباً بالمليارات الثلاثة التي قدمتها السعودية والعمل الذي بدأ مع فرنسا لتسليح الجيش.من جهته بدا ديميستورا من بيروت «على الموجة» نفسها من القلق، اذ اعلن «ان المجتمع الدولي قلق جداً حيال استقرار لبنان الذي يدفع ثمناً باهظاً على حدوده نتيجة الصراع المستمر في سورية»، مؤكداً «ان المجتمع الدولي يقف بشدّة الى جانب لبنان وننظر بقلق الى ما حصل أخيراً على الحدود (الشرقية) وفي الوقت عينه نحن واثقون ان لبنان سيستطيع تجاوز هذه المرحلة».
خارجيات
سباق محموم بين الاستهدافات الأمنية ومساعي الاحتواء السياسية
الأمم المتحدة تحذّر من تمدُّد «داعش» إلى لبنان
09:13 م