في الوقت الذي بات سرطان الثدي يشكل هاجسا للملايين من النساء حول العالم، لا سيما بعد أن سجلت معدلات الإصابة به أعلى مستوياتها، وبات ينتشر في كل أنحاء المعمورة، وتم تشخيص أكثر من 1.2 مليون إصابة وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية كل عام، فضلا عن تسجيل أكثر من 500 ألف حالة وفاة بسببه ... وبينما دق تقرير صادر عن الوكالة العالمية لبحوث السرطان في العام 2012 ناقوس الخطر حين أشار إلى أنه و»منذ العام 2008 شهدت حالات الإصابة بسرطان الثدي زيادة بنسبة تجاوزت الـ20 في المئة، بينما ارتفعت حالات الوفيات بنسبة بلغت 14 في المئة»، وفي وقت صنف التقرير المرض على أنه «السبب الأكثر شيوعا للوفيات بين النساء علاوة على كونه الأكثر تشخيصاً في 140 دولة من بين 184 على مستوى العالم، وأن حالة واحدة من بين كل 4 حالات سرطان لدى النساء في العالم هي لسرطان الثدي»، هرع الباحثون والأطباء إلى دراسة الأسباب المؤدية للمرض وعوامل الخطورة، وعلى مدار سنوات نشرت العديد من الدراسات التي تجاوزت حدود العوامل الوراثية والحالة الصحية للمرأة التي تصاب بسرطان الثدي لتطول ظروف وأسلوب حياة النساء، وراحت «أصابع الاتهام» تشير بشكل يضاعف القلق إلى أشياء ليس بالإمكان بل يستحيل أن تتنازل عنها النساء، ومن هذه الأشياء»مشدّ الصدر»، وبعض أنواع «مضاد التعرق» ، و»حشوات السيلكون» والتي راح ينظر إليها كعوامل مسببة في الإصابة.وأشارت دراسة حول السرطان إلى أن 3 من بين كل 4 نساء مصابات بسرطان الثدي يرتدين بشكل منتظم مشدّ الصدر، بالمقابل فإن الإصابة بالمرض اقتصرت على امرأة واحدة من بين 168 لدى النساء اللواتي لا يرتدين المشد، فيما أثبتت دراسات علمية أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي تزداد كلما ارتدت المرأة مشدّ الصدر لفترات أطول، مرجعة السبب إلى إن «الضغط على الثدي يؤدي إلى منع المواد الموهنة السامة من الخروج من الجسم، وبالتالي إلى تكوين أورام غير حميدة»، ما يعني وجود علاقة وثيقة بين أسلوب ارتداء مشد الصدر وبين الإصابة بالمرض.وفي هذا الصدد قال مدير معهد الدراسات الطبية للأغراض العلمية في «هاواي» الدكتور سيدتي روس سينجر «إن مشد الصدر يؤثر على الجهاز الليمفاوي في الجسم، حيث يؤدي الضغط على الثدي لفترات طويلة إلى تكوين خراجات مسببة للسرطان».وأضاف سنجر إنه «من الثابت علمياً أن معظم المواد الموهنة السامة تتركز في الدهون الموجودة في الجسم، والثدي مكون أساساً من أنسجة دهنية، وإذا ارتدت المرأة مشدّ الصدر- خاصة الضيق الذي يضغط على الثدي بصورة شديدة- فإن ذلك يعمل على تقليص أنسجة الثدي، ولأن الأوعية الدموية الخاصة بالغدد الليمفاوية قريبة من سطح الجلد، فإنها تتأثر بضغط (السوتيان)، ما يعوق حركة الجهاز الليمفاوي عن تطهير الثدي من المواد الموهنة السامة، ما يعني بقاءها لفترات طويلة تتراوح بين 24 ساعة يومياً، وطوال هذه الساعات تقوم المواد الموهنة بدورها في تحويل الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية، ومع مرور السنين يكون الأمر قد تفاقم، ويحمل الثدي ما يفوق طاقته من مواد موهنة سامة، ما يؤثر على الجهاز المناعى، وهو ما يساعد على تكوين خلايا سرطانية خبيثة في الثدي».وأشارت أبحاث أجريت في خمس مدن أميركية واستعين فيها بنحو 2056 امرأة مصابات بسرطان الثدي، و2674 غير مصابات إلى أن النساء اللاتي يرتدين مشد الصدر لفترات طويلة تزيد على 12 ساعة تزيد الفرصة لديهن للإصابة بالمرض 113 مرة عن النساء اللاتي يرتدين مشد الصدر لفترة تقل عن 12 ساعة...كما ثبت أن معظم النساء اللاتي أجريت عليهن الدراسة واللاتي لا يرتدين مشد الصدر خلال فترة النوم، ولكنهن يرتدينه على مدة 12 ساعة يومياً، إن نسبة إصابتهن بسرطان الثدي تزيد 21 مرة على هؤلاء اللاتي تقل فترة ارتدائهن للمشدّ أقل من 12 ساعة يومياً، وحتى النساء اللاتي ترتدين مشد الصدر أقل من 12 ساعة يومياً تزيد لديهن نسبة الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 10 في المئة إذا ما قورن بهؤلاء اللاتي لا ترتدين مشد الصدر على الإطلاق.ومن النتائج الأخرى التي تمخضت عنها الأبحاث أن معظم النساء اللاتي أصبن بسرطان الثدي سبقت إصابتهن بالمرض ولوحظ وجود علامات حمراء، على سطح الجلد، مع الشعور بتهيج المنطقة والإصابة بأعراض تشبة الحساسية، والمعاناة من هذه الالتهابات، وذلك نتيجة لارتداء مشد للصدر ضاغط على الجسم، وهو ما لم يحدث للاتي لم تصبن بسرطان الثدي.وتبين الدراسة أيضاً أنه في مجموعة النساء المصابات بسرطان الثدي 18 في المئة منهن ترتدين مشد الصدر حتى خلال فترة النوم، في حين أن النسبة لا تزيد على 3 في المئة بين هؤلاء لم تصبن بسرطان الثدي !!وفي مقابل الدراسات التي اتهمت مشد الصدر بأنه قد يشكل أحد عوامل الخطورة في الإصابة بسرطان الثدي، هناك دراسة ألمانية تنفي ذلك، حيث توصل البروفيسور فولكر بارت من معهد تشخيص سرطان الثدي في اسلنغن في ألمانيا إلى أن «مشدات الصدر الضيقة التي ترتديها النساء لا تزيد مخاطر الإصابة بسرطان الثدي»، وقال بارت إن «هذه الحقيقة تسري على أثداء النساء بغض النظر عن حجم الثدي أو مقاس مشدات الصدر التي ترتديها النساء».وأجرى بارت دراسة مطولة شملت 200 امرأة عنوانها «تأثير الضغط الخارجي في نشوء سرطان الثدي عند النساء» نشرها في مجلة «طب العالم» الإلكترونية، وعمد من خلالها إلى فحص علاقة العديد من المؤثرات الخارجية على الثدي، مثل الضغط والصدمة والفرك، على أثداء النساء ولم يتوصل إلى علاقة بين الشدة الخارجية والسرطان.مضاد التعرقوكما هي الحال مع «مشد الصدر»، لفتت دراسات إلى علاقة بين سرطان الثدي وبعض أنواع مضادات التعرق، متهمة الألمنيوم «الموجود في هذه المضادات بأنه يسبب تحور الحمض النووي، ما يسمح للنمو غير المنضبط للخلايا، ومن ثم يتسبب في الإصابة بالسرطان».وذهبت الدراسات إلى أن «الجسم البشري لديه عدة مناطق يطهر نفسه من خلالها من السموم ويخرجها على شكل تعرق، وهذه المناطق هي خلف الركبة، خلف الأذن، بين الأفخاذ، وتحت الإبط»، مشيرة إلى إن «عمل مضادات التعرق هو منع خروج هذه السموم التي يحتفظ بها الجسم في العقد الليمفاوية تحت الإبط، ومن هنا تكون بداية سرطان الثدي، وبالتالي فإن الرجال أقل تعرضا لأن هذا المضاد يعلق بالشعر ولا يكون متموضعاً على الجلد مباشرةً، بينما يزيد خطر امتصاص مضاد التعرق لدى النساء وخاصةً بعد إزالة الشعر من تحت الإبط مباشرةً وبالتالي يصبح منعه للتعرق أقوى.في المقابل، نفت دراسات أخرى هذا الادعاء، ما يجعل الارتباط بين مضاد التعرق وسرطان الثدي أمرا غير محسوم، إلا أن ما يزيد القلق هو بطاقة التحذير المصاحبة لمضادات التعرق والتي تنصح باستشارة الطبيب قبل الاستخدام إذا كان الشخص يعاني من مرض الكلى، باعتبار أن جرعات كبيرة من الألمنيوم قد تكون قاتلة لمن يعانون ضعف وظائف الكلى.بريئة ... ولكن!ولم تجد دراسة حديثة صلة بين حشوات السيليكون وسرطان الثدي، ومع زيادة حدة النقاش حول سلامة حشوات السيليكون برأت الدراسة السويدية واسعة النطاق حشوات السيليكون من التهمة التي طالما لحقت بها بأنها تسبب سرطان الثدي.وقال معدّ الدراسة التي مولتها صناعة حشوات السيليكون وشملت 3500 سيدة لمدة 37 عاما، واعتبرت مميزة جداً رئيس المعهد الدولي للجلد في روكفيل، بالولايات المتحدة جوزيف ماكلوخلين: «يجب أن تشعر النساء اللواتي يملكن حشوات سيليكون بالراحة».وفي الدراسة قام الباحثون الأميركيون بفحص بيانات 3486 سيدة سويدية تلقت تكبيرا للثدي بواسطة حشوات السيليكون لأهداف تجميلية منذ العام 1965، وحتى 1993، وتابعت الدراسة النساء حتى نهاية 2002، بعد 18.4 عاما من تلقيهن الحشوات، وبينت النتائج ظهور 53 حالة سرطان فقط، مقارنة مع 71.9 حالة كما كان متوقعا، كما ظهرت 180 حالة سرطان لدى السيدات اللواتي خضعن لعملية تكبير بالسيليكون، أقل بقليل من الرقم المتوقع 193.1 حالة.وتوقع الباحثون أن «النساء لم يصبن بالسرطان بسبب نحولتهن، أو إنجابهن أو أنهن أنجبن في سن مبكرة تقريبا»، بينما تزيد السمنة المفرطة، وعدم الإنجاب، أو الإنجاب المتأخر من فرص الإصابة بسرطان الثدي، كما أشارت الدراسة إلى إمكانية إصابة النساء اللواتي تلقين حشوات السيليكون بسرطان الرئة أكثر من غيرهن، حيث أصيبت به 20 سيدة مقارنة مع 9.1 كان متوقعا أن تصبن به، وعزى الباحثون ذلك إلى أن النساء السويديات اللواتي تلقين حشوات السيليكون كن مدخنات.

صغر حجم الثدي لا يقلّل فرص الإصابة

تشيع العديد من المعتقدات الخاطئة حول سرطان الثدي والعوامل التي تزيد فرصة الإصابة به ومن بينها أن فرصة الإصابة تزداد لدى من ظهرت في عائلاتهن حالات إصابة، بينما الحقيقة أن نسبة من تم تشخيص إصابتهن بسرطان الثدي دون تاريخ عائلي للإصابة تقدر بـ 70 في المئة، الا أن ذلك لا يُلغي عامل التاريخ العائلي في زيادة فرصة الاصابة والتي تتضاعف بإصابة المُقربين من الدرجة الأولى «الأم، الأخت أو الابنة» .ومن المعتقدات الخاطئة أيضا أن معظم الكتل والنتوءات المحسوسة في الثدي سرطانية، بينما الحقيقة أن 80 في المئة من الكتل النسيجية والنتوءات المحسوسة في الثدي تنجم عن تغيرات ورمية غير سرطانية «حميدة»، ولذلك يُوصي الأطباء بضرورة استشارة الطبيب عند ملاحظة أي تغير مرتبط بشكل الثدي، أو إفرازاته أو بنيته التشريحية .كذلك من المعتقدات الخاطئة أن تعريض الورم للهواء أثناء الجراحة يتسبب في انتشار السرطان، بينما الحقيقة أن خضوع المُصابة بسرطان الثدي للجراحة لا يتسبب في انتشار الورم، إلا أن الطبيب قد يكتشف انتشار الورم أثناء الجراحة مما يتطلب استئصاله، كما أثبتت الدراسات أن استئصال الأنسجة الورمية الأولية يزيد فرصة انتشارها لمناطق أخرى بعيدة عن الثدي .ومن المعتقدات الخاطئة أن صغر حجم الثدي يُقلل من فرصة إصابته، والحقيقة أنه لا يوجد أي دليل طبي حول ارتباط حجم ثدي المرأة بزيادة أو نقصان فرصة إصابتها بالمرض، إلا أنه قد يصعب تشخيص إصابة ذوات الثدي الكبير سواء بالفحص السريري أو التشخيص الاشعاعي «ماموغرام» .ومن المعتقدات الخاطئة أيضا أن سرطان الثدي يظهر على شكل نتوءات أو تكتلات فقط، والحقيقة هي أن النتوءات أو التكتلات النسيجية في الثدي ترتبط بالأورام الخبيثة أو الحميدة، إلا أنه يُوصى بضرورة ملاحظة السيدة للتغيرات الأخرى في الثدي كالتورم، التهيج، الحكة الشديدة، والألم في حلمة الثدي، وزيادة سمك الحلمة، والإفرازات عدا الحليب .كذلك من المعتقدات الخاطئة أن تكرار الاصابة بسرطان الثدي مستحيلة بعد استئصاله، والحقيقة أنه قد تنشأ الخلايا الورمية في بعض الحالات بعد الخضوع لجراحة استئصال الثدي العلاجية أو الوقائية وبنسبة تصل إلى 10 في المئة .ومن الأخطاء الشائعة أيضا الاعتقاد أن التاريخ العائلي للأب في الاصابة بسرطان الثدي لا يؤثر على فرصة إصابة السيدة مقارنة بالتاريخ العائلي للأم، بينما الحقيقة أن أهمية التاريخ العائلي لحالات الاصابة بسرطان الثدي للسيدات تتماثل من جانب الأب مع التاريخ العائلي للاصابة بسرطان الثدي من جانب الأم .أما آخر الاعتقادات الخاطئة فهو أن تصوير الثدي الاشعاعي السنوي يُعرض للاشعاعات التي تزيد فرصة الإصابة بسرطان الثدي، بينما الحقيقة أن الاشعاعات تستخدم بكميات قليلة جداً أثناء تصوير الثدي الاشعاعي وبشكل لا يزيد من خطر الاصابة بسرطان الثدي، وتكمن أهمية تصوير الثدي وبشكل دوري في الكشف عن النتوءات والتكتلات قبل أن تكون محسوسة، ويُوصى بضرورة الخضوع لتصوير الماموغرام بمعدل مرة واحدة سنوياً بعد بلوغ السيدة سن الأربعين .

حشوات السيليكون

تم منع حشوات السيليكون في الولايات المتحدة بعد جدال طويل وعقيم حول مضارها عام 1992 مع بعض الاستثناءات لمن خضعن إلى استئصال الثدي، وذلك بعد أن ظهرت حالات متفرقة من الاصابات بأمراض مختلفة بعد استعمال الحشوات، وحينها قامت العديد من النساء برفع قضايا على شركات تصنيع الحشوات، والتي تغرمت الملايين من الدولارات كتعويضات، بينما تواصل الجدال، حيث كشفت العديد من الدراسات عن أن التسرب من الحشوات يسبب الأمراض .

سرطان الثدي سبب رئيسي للوفاة في البلدان الأقل تطوراً

أكد رئيس قسم معلومات السرطان التابع للوكالة العالمية لبحوث السرطان (IARC) الدكتور ديفيد فورمان أن سرطان الثدي «سبب رئيس من أسباب الوفاة في بلدان العالم الأقل تطورا»، مرجعا ذلك إلى «التحول في نمط الحياة الذي يتسبب في زيادة حالات الاصابة»، لافتا إلى أن «التطورات الإكلينيكية في مجال مكافحة المرض لا تصل إلى النساء اللواتي يعشن في تلك المناطق».

تاريخ نضالي ضد المشدات ومضادات التعرق

تم ابتداع مشدّ الصدر في فرنسا قبل نحو 100 عام لدعم الثدي من الأسفل وليس للضغط عليه، وتخلت عنه نساء السبعينات «المتحررات» رغبة في تحرير صدورهن من الضغط، فيما ابتدعت الموضة في السنوات الأخيرة المشدات المحتوية على «شماعة» من الأسفل لإسناد الثدي، ودارت الشكوك من جديد حول دور هذه الشماعة في نشوء سرطان الثدي.تعود الاشاعات حول علاقة مشدات الصدر بالسرطان إلى 35 سنة خلت من دون وجود أدلة حقيقية، وسبق لمجموعة من الرياضيات الألمانيات، بينهن نجمة التنس العالمية شتيفي غراف شن حملة ضد سرطان الثدي ووقعن على بعض مشداتهن بغية بيعها دعما لأبحاث سرطان الصدر.