تفكرت في الاعتياد، له وجه إيجابي لكن وجهه الآخر مرعب، إنه يعمل على تحجيم الضخم الكبير حتى نراه صغيراً أو ربما لا نراه! أتذكر أول حادثة قتل سمعت عنها في الكويت، أسترجع كمية الذعر التي أصابتني ومَن حولي، حينها تجنّد المجتمع كله لمتابعة تفاصيل الحدث، والكل انتفض وبدأ يتحدث، يغضب، يدعو، وكلٌّ يعبر بطريقته عن استيائه، إلا أن تكرار مثل هذه الحوادث فتحت باب الاعتياد على مصراعيه، بات الخبر يمر علينا مرور الكرام، نقرأ بدايته -هذا إن كان الاهتمام في قمته- ثم نتذمر بكلمتين، نغلق الجهاز وانتهى! ما كأن روحاً زُهِقَت .. الشعور بالألم ربما موجود إلا أنه لا يوازي عِظَم الحدث، في الحقيقة أن مثل هذه الأمور إن اعتاد عليها الإنسان يُصاب بالخدر فلا يصحو إلا عندما تلسعه حرارة الموقف عن قرب، وهذا أخشى ما أخشاه، لذلك لا بد أن نتحرك!مثل هذه الأخبار تحتاج مني وقفة، لن أكون تقليدية لأخاطب فيها مسؤولاً أو جهة معينة لتطبّق القانون ردعاً لما نلمسه من تمادٍ في إزهاق الأرواح، وإن كان هذا مطلباً ضروريا إلا أن الحناجر لمثل ذلك قد بُحّت والأصوات انقطعت، أبدأ مخاطبةً الأمهات والآباء ‘أشد على الأيادي مواسيةً ومشجِّعة لأن مهمتهم جليلة وليست سهلة أبداً، أصبحت التربية في هذا الزمان الصعب مثله صعبة، ولا خير في إنكار هذه الحقيقة ولا نفع في التملّص من أداء هذا الدور التربوي العظيم، احتاج الأبناء من آبائهم وقتاً نوعياً تُغرَس فيه القِيَم غرساً، وتُزرع الأخلاق زرعاً، أقصد بالوقت النوعي أن سويعات يومية يخصصها الوالدان لممارسة التربية بوعي وفطنة خير من قضاء اليوم كله مع الأبناء دون تفعيل الدور التربوي، حاور أبنائك، عرفهم على خُلُق كظم الغيظ ونُبلِه، دربهم على مهارة ضبط الانفعال، عزز دور العقل فيهم وبيّن مثالب الانسياق العاطفي وراء الانفعال، خرّج أبناءً متزنين انفعالياً لا يُستثارون بسهولة لدرجة الشروع بالقتل أو القتل تحت وطأة الانفعال!، أكرر إنها المهمة الأطول والأصعب ثمارها بعيدة المدى ومجهودها يومي، فشدّوا المئزر.أنتقل لمخاطبة الشباب وأحسبهم على قدر من الوعي والفهم والإدراك، لكم أمد ساعِدي فمدّوا سواعدكم، إن أخطر شيء على الإطلاق أن يتصرف المرء انطلاقاً من العاطفة لأن ذلك في الغالب يورث الندم الشديد، عندما يستثير شخص شخصاً آخر بطريقة استفزازية، ليس بالضرورة أن تكون الاستجابة لذلك الاستفزاز شرسة، إن التعامل ببرود أحد سُبُل الاستجابة، ضروري جداً أن يُترك مجالاً يتنفّس العقل من خلاله ليعطي قراراً صحيحاً، أنا أجزم وبلا أدنى شك أن من ثار وانفعل وقَتَل أَكَله الندم، إنه ليس مجرماً ولم يُضمر نية القتل، هو فقط اسْتُفِز في موقف ما فثار غضباً ثم قَتَل أثناء غيبوبته الانفعالية، وهنا تكمن كل الخطورة، ليس بالسهل ذلك الضبط الانفعالي الذي طلبت منك ممارسته ولكنه متاح وراقٍ وآمِن، لذلك استحق منا مجهوداً نبذله تربيةً لنفوسنا على الاتزان وصيانةً لها من خطورة الغضب والانفعال فشدّوا المئزر.Twitter: @3ysha_85A.alawadhi-85@hotmail.com
مقالات
عائشة عبدالمجيد العوضي / في العمق
شدّوا المئزر !
12:30 م