من منطقة إلى أخرى يتنقلون، حاملين خيمهم وبعض حاجياتهم معهم، والطرق يقطعون. هم ليسوا لاجئين أو مشردين، بل عائلات صبرت لشهرين ونصف الشهر على خطف أبنائها العسكريين وما زالت تنتظر وعوداً من حكومة تبدو وكأنها بين «مطرقة» كطالب الخاطفين و«سندان» الضغط التصاعدي لذوي الاسرى.بعد ضهر البيدر (البقاع) والقلمون (الشمال)، ها هم أهالي المخطوفين العسكريين يحطون رحالاهم في ساحة رياض الصلح قرب السرايا الحكومية في وسط بيروت وعلى مشارف مقر البرلمان، علّ الوزراء والنواب يتذكرون قضية أبنائهم كلما مروا من هناك.لم يعد لديهم اقتناع بـ «المهدئات الكلامية» التي تعطى لهم من حكومة «اعتادت تقليب الزواية في كل لقاء معنا»، بحسب رنا الفليطي زوجة العسكري علي البزال التي أكدت لـ «الراي» أن «بقاءنا في الشارع هو السبيل الوحيد لإبعاد سكين الذبح عن رقاب المخطوفين». وشرحت كيف كان زوجها منهاراً أثناء حديثها معه على الهاتف قبل أيام، حيث طلب منها «عدم الخروج من الشارع والتواصل مع قيادة الجيش كي ترفع يدها عن النازحين السوريين وتوقف اعتقالهم وإهانتهم».وعن سبب نقل الاعتصام من ضهر البيدر، أجابت: «ارتأينا أنه وبدل قطع الطرق على ابن البقاع المزارع «المسكين»، من الأفضل أن نكون قرب الحكومة علّ وعسى أن يصل صوتنا، ونؤكد أن على رئيس الوزراء الاسراع في انهاء هذا الملف، فلم تعد ابرة المخدّر تنفع معنا، وهذه المرة إذا جُرح أحد من المخطوفين ستكون ردة فعلنا جنونية».رنا المتأملة خيراً بعد «المنحى الايجابي والجدي» الذي تسلكه المفاوضات وفق ما تم ابلاغه الى الأهالي، وبعد مناشدة رئيس الحكومة تمام سلام خلال اجتماع مجلس الوزراء أهالي المخطوفين والرأي العام الوقوف الى جانب الحكومة في مساعيها الدؤوبة لتحرير الأسرى، اعتبرت أن الحكومة بإمكانها أن تخفف من معاناة الأهالي وأن تتفاوض مع الخاطفين وتطلق سراح الموقوفين الاسلاميين بحسب ما تراه مناسباً.على الرصيف جلست تتبادل أطراف الحديث مع أقاربها علّ الوقت يمر اسرع، فساعات الانتظار طويلة تحت الشمس الحارقة. ومن اعتصام القلمون (شمال لبنان) انتقلت شقيقة الأسير خالد حسن الى وسط بيروت وشرحت لـ «الراي» عجز الأهالي عن تحقيق مطالب «الدولة الاسلامية» بالاعتصام أمام طريق سجن رومية. وعن سبب هذا العجز، قالت بعينين يغمرهما حنين ومآسي أيام مرت عليها تبدو وكأنها سنين: «لا تعليق».قرب خيمة نصبت في الساحة جلست والدة الرقيب جورج خوري على كرسي بلاستيكي، حاملة صورة ولدها الذي لم يُقدّر له رؤية مولوده الجديد «اندرو» الذي أبصر النور من دون أن يبصر والده. لا تقوى الوالدة على الكلام، وتقول وكأن الروح تغادر جسدها رويداً رويداً: «لا يذهب صوته من أذني، فبعد مهاتفتي مطالباً بالتشديد على الحكومة ان تدخل في مفاوضات جدية مع الخاطفين حتى لا يلجأوا إلى اغلاق ملفهم فنعلّق صورهم على حائط الذكريات».وطالبت الوالدة المفجوعة الحكومة اللبنانية بأن تنقذ «أولاد الدولة»، مستطردة: «إذا أرادت الدولة أن تستعيد هيبتها عليها العمل على اعادة أبنائها إلى حضن عائلاتهم ودولتهم».ابن جورج خوري، مايكل البالغ من العمر أربع سنوات لا ينفك عن السؤال على أبيه. وعند سماعه هدير سيارة يصرخ: «اجا بابا»، بل وصل الأمر أن يبصر كوابيس في منامه حيث يستيقظ مرعوباً منتصف كل ليل ويصرخ: «بابا كتبلي على ورقة انو جاي».مختار الفنيدق خضر السيد أكد لـ «الراي» انه «بعد قطعنا لطريق القلمون من دون أي نتيجة، ومن دون أن تتأثر الحكومة ويكلف الوزراء أنفسهم بزيارتنا وسماع مطالبنا، أتينا نحن إليهم، لكن هذه المرة ليست كسابقاتها، اذ ان تعامُلنا بسلمية سيتوقف خلال الايام المقبلة، وتحطيم بيوتهم وسياراتهم سيكون ردة فعلنا. اكتفينا انتظاراً واتضح لنا أنهم لا يحركون ساكناً ما دامت تحركاتنا سلمية، لذلك سنريهم نوعاً جديداً من التحرك».داخل خيمة وضعت على رصيف احدى الطرق المواجهة لمبنى السرايا، جلست جدة محمد حسين يوسف. كبر سنهّا لم يمنعها من الانتقال من ضهر البيدر إلى وسط بيروت، فالمخطوف هو «روحي وما نفع الجسد من دون روح؟ ليعيدوا لنا أرواحنا، فنحن إلى بيوتنا لن نعود قبل عودة من يجعل الحياة تنبض فيها». وكباقي أهالي المخطوفين تحدّث صهر حسين عمار وخالته وكذلك شقيقة عبد الرحيم دياب، حيث تمنوا جميعاً أن تصل قضية المخطوفين إلى خواتيم سعيدة وبالقريب العاجل «فصبرنا بدأ ينفذ وأولادنا على حد السكين الذي ذبح فيه علي السيد وعباس مدلج والرصاص الذي اقتنص محمد حمية، فلا السكين ولا «الكلاشين» سقطا من أيدي الخاطفين ولا تهديداتهم توقفت، وهم لن ينتظروا أكثر من بضعة أيام حتى يعاودوا اشهار سكينهم متوعدين بعملية نحر جديدة ستطول ضحية أخرى».
خارجيات
«الراي» قصدتهم في خيمة وسط بيروت على وقع «مد وجزر» المفاوضات
أهالي العسكريين المخطوفين يئنّون... بصوت عالٍ
صورتان للأسيرين جورج خوري وعبد الرحيم دياب
05:51 م