شكا الفنان كاظم الزامل من تحول الناس عنه بعدما فقد بصره وابتعد عن الفن، بالرغم من أنهم في السابق كانوا يلتفون حوله، معبراً عن استيائه مما وصفها بـ «الحال المتردية التي آل إليها الفن، بعدما تحول إلى وسيلة لتحقيق المصلحة بدلاً من قيم الفن الباقية».وبيّن الزامل، في حوار أجرته معه «الراي»، أن ما يقال اليوم على خشبة المسرح ما هو إلا «تهريج ورذيلة ورخص أخلاقي وغلاء مادي»، مؤكداً أن ما يُعرض اليوم على خشبة المسرح يعجل بإسدال الستار على قيمة المسرح ومتعته.كاظم الزامل، المؤلف والمنتج والمخرج، صبّ جام غضبه على المسرح الحالي، معتبراً «أن معظم ما يعُرض هو تهريج ورخص أخلاقي»، ومنحياً باللائمة على «الشللية التي صارت تسود الوسط الفني وتدمر الروح الواحدة».الزامل فتح قلبه كي يبوح لـ «الراي» بانطباعاته وهواجسه عن الفن والمسرح، في سياق هذا الحوار:• بدايةً ما سبب ابتعادك عن الشاشة والمسرح؟- كممثل ابتعدت طوعاً، وذلك لانشغالي في دراسة الماستر، وكنت في ذاك الوقت مخرجاً لبرنامج الأمن والمواطن الذي استمر تقديمه 12 عاماً، فلم يكن باستطاعتي التفكير في نشاط آخر وسط انشغالي في تلك الأمور، ثم بعد ذلك افتتحت شركة إنتاج وأصبحت أقدّم من خلالها مسرحيات للأطفال كوني متخصص «ماستر» في مسرح الطفل. فهذا ما جعلني أنسى التمثيل طوعا منّي. ومن أسباب ابتعادي أيضاً، انتشار «الشللية» في الوسط الفني، وهي دمرت الروح الواحدة، حيث تشرذم الوسط إلى «غروبات»، كل واحد وشلته سين وصاد وياء، وربما تجد سين ممثلاً جيداً وصاد لا يليق له الدور، ولكن مادام هذا الممثل من شلتي مثلاً أعطيه الدور!• كيف ترى الوسط الفني اليوم؟- المسرح أصبح يبحث عن «الدينار»، وبالتالي ممكن أن يقوم شخص «ميكانيكي» بإنتاج أعمال مسرحية، أو يأتيك شخص لا علاقة له في الإنتاج، وبمجرد أن يكون لديه الجانب المادي، تجده ذهب لمؤلف أو مخرج ليبحث له عن فنانين كي يقدم مسرحية وتجد المخرج أو المؤلف يذهب لتلك الشللية التي تحدثنا عنها منذ قليل لتقديم عمل بهدف المادة من دون هدف أو رسالة أو حتى معلومة يستفيد منها الحضور، لأن مثل تلك الأعمال هي ضحك على الذقون بأخذ أموالهم فقط. بل ليس هذا فحسب، إذ أصبح المسرح وسيلة للانحطاط الخلقي، بدليل أن أولادنا أصبحوا يلتقطون الكلمة السيئة التي يرددها الفنان على خشبة المسرح ويتداولونها في الشارع، والكبار أصبحوا يأخذون الكلمة التي ينتقصون بها من قدرك حتى تصبح تلك الكلمة عادة، والمفروض من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أن يراقب الأعمال التي تقدم ويضعها في الاعتبار بشكل جدي.• هل تقصد أن نظرة الفنان إلى المسرح تغيرت؟- سأضرب لك مثلاً... في السابق عملت مع «بوعدنان» في أعمال مسرحية عدة، وهذا الإنسان تعلمت منه الكثير، حيث علمنا كيف «نمسح المسرح» وكيف «نبني النكتة». إذا كان القارئ يتذكر مشهداً في مسرحية «فرسان المناخ: عبارة «بيض الخعفق وفرخ الخعنفق» لم تكن موجودة في النص. أتذكر قبل عشر دقائق من تقديمنا للمشهد اجتمع بنا عبدالحسين عبدالرضا في الكواليس أنا وداوود حسين وقال لنا تلك العبارة، ووجدت نجاحاً بدليل أن الجمهور ما زال يتذكرها ويرددها. الآن مع الأسف القذف والإهانة وضرب الفنانين هي وسيلتهم لرسم البسمة على شفاة الجمهور، وهذا خطأ، لم تكن الكوميديا في يوم هي الضرب والمهانة، المسرح رسالة صرنا نفتقدها اليوم مع الأسف.• هل الجيل الحالي يمكن أن يحمل رسالة إيجابية لمن سيأتي؟- وهل هناك من يأخذ بيد هذا الجيل ويسير به إلى الطريق السليم؟ توجد لدينا في الكويت طاقات وخامات جيدة من الفنانين والفنانات الشباب، لكن لا يوجد من يأخذ بيدهم، مع الأسف. هناك من يقتل فناناً مكافحاً يملك كفاءة عالية من أجل فتاة أتته بلباس فاضح، وهذا هو الحاصل الآن للأسف الشديد. والمغريات والتنازلات أصبحت تقدم في مقابل دور وعمل، وهذه خيانة ليست فقط للعمل، بل هي خيانة للجمهور، فالمؤلف والمخرج والمنتج الجيد يجب أن يتميز بأخلاقياته ويحافظ عليها من ناحية احترام الوقت والحضور وانتقاء الدور المناسب الذي لا تعرقله الوساطة.• هل ترضيك الأعمال التلفزيونية التي تقدم الآن؟- في مجملها لا... ولكن ،هناك أعمال وجدت نجاحاً وحققت نقلة جيدة، مثل عمل «ثريا» الذي قدمته الفنانة سعاد عبدالله، فهو من أجمل الأعمال التي تم عرضها في رمضان من ناحية القصة والمضمون، إذ طرح قضية منتشرة في الكويت. فهذا العمل نجح في إبراز أمور مهمة تحدث في صلب المجتمع، عكس الأعمال الأخرى التي تشد المشاهد من خلال تقديم عمل لا أخلاقي يحمل عبارات مسيئة تشوه المجتمع الكويتي في الخارج. فلماذا لا يتحدثون عن الهندسة، الطب، الاقتصاد، الدراسة والفلسفة؟ لماذا أعمالهم تصب على السلبيات بتقديم الطلاق والخدش وما شابه ذلك.موجة الأعمال تنتقل من السيئ إلى الأسوأ، فقبل ثلاث سنوات غالبية الأعمال كانت تتحدث عن السحر والشعوذة، بدليل أن هناك منتجاً وفناناً قدما ثلاثة أعمال تتحدث عن السحر، ووصل التقليد بتقديم المنتجين ما قدمه هذا المنتج فأصبحت الأعمال قضيتها السحر، والآن أتت موجة اللاأخلاقيات بتقديم التحرش الجنسي، والطلاق وغيرهما.• الأعمال المسرحية، هل ما زالت تحمل لذة الماضي أم أصبحت تجارة وتكسبات مادية فقط؟- انتهت اللذة وانتهت قيمة المسرح، انتهت القيمة النفسية والفكرية والحسية، وقيمة بناء المجتمع، وما يقال اليوم على خشبة المسرح «تهريج ورذيلة ورخص أخلاقي وغلاء مادي».وللأمانة، من المفترض أن أعود إلى هذا العالم لأقف وأنتج أعمالاً مسرحية، ولكن تم تأجيل الأمر للموسم المقبل بإذن الله، لأن الطفل يحتاج إلى ما كنا نقدمه سابقاً، وليس الإسفاف الحاصل حالياً، ولذلك سأعود من منطلق حبي للمسرح، وسأعمل مع أبنائي، خصوصاً أن ابنتي ستتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية (قسم الديكور)، وسنعمل معاً في القريب العاجل.• هل الزخم الذي تبديه شركات الإنتاج يعود بفائدة للفن؟- هناك مقولة فلسفية تقول «إن أردت أن تعرف مدى تقدم المجتمع فانظر إلى مسرحه». الآن من خلال هذه الشركات إذا أردت أن تعرف مدى سوء هذا المجتمع فانظر إلى مسرحه، فزخم الشركات أفسد وأطاح بنكهة الأعمال التي لم تعد لها قيمة.• هل صحيح أن الجيل الحالي هدم ما بناه الرواد؟• للأسف الشديد يتهموننا بالغباء وأننا لم نعرف كيف نكسب من هذا المسرح ولم نضع لنا مكانة، وهم الآن يستطيعون الوقوف على الماء لأنهم لا ثقل لهم، فأصبح الفنان اليوم مثل الفقاعة التي تأتي وتختفي. أنا لدي أعمال كثيرة، قمت ببيع أحدها ولكن لم يبدأ العمل به من قبل المشتري، فتلك الأعمال لو تم عرضها فستعود بالفائدة والقيمة التي غابت بسبب النصوص الهابطة التي يتم عرضها على الخشبة اليوم.• ما الذي نحتاج إليه لتطوير الفن بشكل إيجابي؟- أولاً حب الوطن، فبمجرد أن تحب وطنك بشكل حقيقي ستخلص في عملك. ثانياً، أن يكون لديك خلق، وثالثاً أن تكون لديك قيمة ذاتية لنفسك، بمعنى ،حينما تكون لديك الرقابة الذاتية وحب الوطن ستجد نفسك قدمت عملاً يضع بصمة لك في ما تقدم.• ما تقييمك للفنانين الذين ظهروا في الوقت الحالي؟- نحن تخرجنا على أيدي أساتذة لم يأت مثلهم ولن يأتي حتى بالأجيال القادمة، مثل زكي طليمات، أحمد عبدالحليم، سعد أردش، كرم مطاوع، رشوان توفيق وجلال الشرقاوي الذي أخرج مسرحية مدرسة المشاغبين، فلا تنتظر تكرار مثل هؤلاء الفطاحل في جيل حالي أو قادم، فحينما تسأل عن التقييم ممكن أن نجد هناك من هو أفضل، ولكن يحتاج لمن يوجهه إلى الطريق الصحيح. ومن هذا الجانب بكل صراحة ومن دون رياء من أفضل الفنانات اللاتي التقيت بهم «خلقا وأخلاقا» الفنانة سماح، فهي رائعة في أخلاقها وتعاملها وأتمنى لها كل التوفيق في عودتها واستمرارها.• هل تعتقد أن فناني اليوم يقدمون الفن حباً للفن أم لكسب المادة والمصالح التجارية؟- لكسب المادة والمصالح الشخصية فقط، من دون مراعاة لقيم الفن.• وما النقاط التي تجد فيها أن الفن تغيّر؟- الكل يسعى إلى الرزق حتى يعيش، ولكن علينا أن ننتقي ولا نجعل المادة تسيطر على أهدافنا، فحينما تسيطر عليك المادة فلن ترى غيرها، بمعنى أنك إذا سيطرت عليك الرغبة في تحقيق المصلحة فقط ويأتيك عرض لا أخلاقي فستقول: ليس مهماً مادام هناك مبلغ مقابل الدور. يجب أن يكون هناك توازن بين النظرة المادية والأخلاقية، بين ما يجب أن يكون وما يجب ألا يكون.• هل تجد إجحافاً بحق الفنان السابق عن الحالي؟- لا يوجد إجحاف، فحين تكون نشطاً وفعالاً تجد الجميع يحلقون من حولك، وعندما تتوقف لمرض أو حالة أخرى أو ظرف معيّن مع الأسف الشديد أن الكل يتناساك عمداً وطوعاً وليس نسياناً. بدليل أن مكتبي أيام النشاط لم تكن لتجد فيه كرسياً لتجلس عليه، والآن حينما فقدت البصر لا أحد يسأل عني إلا طارق العلي وجمال الردهان اللذان ما زالا يتواصلان معي ولم ينقطعا عني، إلى جانب قلة من الأصدقاء الخاصين لدي.
فنون - مشاهير
حوار / شكا من ابتعاد الناس عنه بعدما فقد بصره وتوقف عن الفن
كاظم الزامل لـ «الراي»: تهريج و«رذيلة» ورخص أخلاقي وغلاء مادي ... ما يُعرَض على المسرح
12:59 م