بدت الأنظار مشدودة في لبنان امس، الى معرفة حقيقة ما يجري في معارك القلمون السورية امتداداً الى مشارف الجرود اللبنانية الشرقية أكثر من سائر التطورات الداخلية التي تَعاقبت على مسرح سياسي وأمني منهك بعناوين لم تعد تثير ايّ اهتمام فعلي مثل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي لم تنعقد للمرة 14 بفعل عدم تأمين النصاب.ولعلّ ما أملى هذا الانشداد الى مجريات المعارك الدائرة في القلمون السورية عوامل عدة من أبرزها التضارب الواسع في المعطيات والمعلومات الناجم عن المعركة الاعلامية بين «حزب الله» و»جبهة النصرة» وخصوصاً حول حقيقة ما حصل في اليومين الاخيرين اللذين أعقبا هجوم «النصرة» على مواقع الحزب في جرود بريتال داخل الأراضي اللبنانية يوم الأحد، اذ تحدثت وسائل إعلام قريبة من الحزب عن تسديده ضربة قاسية لـ «النصرة»، فيما تحدثت «الجبهة» عن مزيد من مكاسب حققتها على الارض.وزاد هذا العامل من حدة الغموض والمخاوف في لبنان حيال الواقع الميداني الذي يسود الحدود الشرقية امتداداً الى الجنوب بعدما اعتُبرت عملية «حزب الله» في مزارع شبعا بمثابة استدراج لنقاط خطورة اضافية من شأنها ان تزجّ بالعامل الاسرائيلي في أخطار المواجهات الدائرية الواسعة التي يخوضها الحزب والتي يرى خصومه الداخليون انها «تعبير عن عرض عضلات ايراني واطلاق لرسائل متفجرة من جانب طهران في اتجاهات مختلفة».ووسط هذا المناخ الشديد التوتر والسخونة سياسياً وميدانياً، بدأ المشهد الداخلي يطلّ على متغيرات يصعب التكهن بمسارها، وقد عادت قضية العسكريين المخطوفين لدى تنظيميْ «داعش» و»النصرة» لتتصدر الواجهة امس، اذ انعقدت الجلسة الرابعة عشرة لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية والتي لم تتغير نتائجها عن الجلسات السابقة على وقع اعتصام جديد لأهالي العسكريين في وسط بيروت وتحديداً في شارع المصارف الرئيسي وساحة رياض الصلح المواجهة للسرايا الحكومية.كما انعقد بعد الظهر مجلس الوزراء وسط ترتيبات أمنية مشددة بوشر باتخاذها منذ بعد ظهر أول من امس، بعدما نقل ذوو العسكريين اعتصامهم من نقطة ضهر البيدر البقاعية الى وسط بيروت.ولعل اللافت في هذا السياق ان الحكومة بدأت تُبرِز نبرة مختلفة في التعامل مع هذه الاعتصامات المتنقلة، اذ تقول أوساط وزارية لـ «الراي» انه لن يكون مسموحاً اطلاقاً ان يعطى مَن يتلاعب بمشاعر أهالي العسكريين ويديرهم بالتخويف ورقة التعطيل الشامل لدورة الحياة في العاصمة وقفل طرقٍ رئيسية فيها على ما بدا من ملامح في الساعات الاخيرة، ذلك ان الحكومة المستنفرة لكل الوسائل والقنوات والاتصالات سعياً الى دفع المفاوضات قدماً لإنقاذ العسكريين لن تقبل بما تناهى اليها من معلومات عن طلب المجهولين (المعلومين من جانب الخاطفين) من أهالي العسكريين ان يطوّروا اعتصامهم في بيروت الى حدود شلّ وتعطيل شرايين الحركة فيها.ويبدو ان الحكومة أبلغت المعتصمين بوضوح وتكراراً في الساعات الاخيرة انه «لن يكون هناك تساهُل حيال اي محاولة لمحاصرة السرايا الحكومية او قطع طريق المطار او شلّ الحركة في وسط بيروت مع كل التفهم للاعتصام بالخيم في ساحة رياض الصلح».ولكن الاوساط الوزارية نفسها أشارت الى ان «أهالي العسكريين كانوا يعوّلون على نتائج الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء مساء امس لجهة ترقب موقف مختلف هذه المرة للحكومة من شأنه ان يشكل خطوة متقدمة جداً نحو المقايضة سواء بإعلان واضح لهذه الناحية او إبقاء الامر مكتوماً ولكن مع ابلاغه الى الوسيط القطري الذي يتولى الاتصال بالجهتين الخاطفتين».وتلمح الأوساط هنا، الى ان كثيراً من الاتصالات البعيدة عن الأضواء في الايام التي أعقبت معركة جرود بريتال تمحورتْ حول تطوير آلية المفاوضات لمنْع الخاطفين من الإقدام على قتل اي رهينة لديهم وان ثمة تشدداً قوياً ضرب على نتائج الاتصالات والمساعي الجارية ومن غير المستبعد ان تكون نتائج معيّنة برسْم البلورة في الايام القليلة المقبلة.وقرأت دوائر مراقبة المناخ الشديد السلبية الذي خلّفه إعلان بعض أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» انهم تلقوا اتصالات من التنظيم هددت بذبح كل الأسرى خلال 24 ساعة ما لم تُحل مشكلة التفاوض على انها في سياق رفع السقوف، من دون ان تُسقِط المخاوف من امكان تعثر المفاوضات المتعلقة في شكل رئيسي بمقايضة العسكريين بموقوفين في سجن رومية وتالياً العودة الى «مسلسل تصفية الأسرى».وكان أهالي العسكريين المخطوفين واصلوا اعتصامهم في ساحة رياض الصلح، وسط إجراءات أمنية مشددة وإقفال تام في محيط مجلس النواب والسرايا الحكومية، باستنثاء منْفذ واحد لجهة الجامع العمري.وأعلن وزير الصحة وائل ابو فاعور باسم النائب وليد جنبلاط بعد لقائه أهالي العسكريين في نقطة الاعتصام ان «المقايضة هي العلاج الوحيد للإفراج عن العسكريين، وقد استخدمنا المقايضة من قبل والدولة اللبنانية تريد مفاوضات جدية ولا تريد ان تراوغ».وقال: «لا أحمل اي رسالة بل اقوم بزيارة تضامن وشكر لاهالي العسكريين المخطوفين على فتح طريق ضهر البيدر. فالأهالي لا يريدون ازعاج احد او تعطيل المؤسسات او اي اعمال تجارية، بل لتكون الصرخة مسموعة»، مؤكداً ان «ذبح المخطوفين سيؤدي الى تدمير المفاوضات والمساعي لحلحلة الملف»، ومعلناً «ان الدولة اللبنانية جدية بالتفاوض لكن هناك حلقة مفقودة يجري علاجها».
خارجيات
الأول هدد بذبح كل المحتجزين لديه خلال 24 ساعة
لبنان تحت رحمة ابتزاز «داعش» و«النصرة» لأهالي العسكريين المخطوفين لديهما
05:21 م