اختيار التخصص من أهم المسائل التي تشغل ذهن الطالب الذي دخل الى الحياة الجامعية، فعند هذه المسألة، في الغالب، يتوقف المرء كثيراً من الوقت للتفكر، والبحث عما يناسبه من تخصص علمي سيرسم فيه خطته المستقبلية، ولكن، غالبا ايضا، ما يرتطم مع صخرة الواقع المتمثلة في قلة الجامعات والمؤسسات الاكاديمية الحكومية، وقلة الشعب التي تتيح له التخصص داخل الكليات.والتفكير يبدأ بالنفس ورغباتها، ثم ينتقل إلى ما هو موجود من تخصصات يمكن الوصول إليها، ليحاول بعد ذلك إيجاد شيء من التوافق ما بين هذه الرغبات، وبين ما هو موجود على أرض الواقع من تخصصات، فإن أمكن إيجاد هذا التوافق فهذا ما يبتغيه المرء، وإن لم يكن كذلك، فلا مناص من الاضطرار على اختيار أي تخصص... وإن لم يعجبه.ولأن الطالب سيقضي ما يقارب 4 أو 5 سنوات دراسية في الجامعة كمعدل زمني دراسي طبيعي، فإن الاهتمام والعناية في اختيار التخصص المناسب أمر لا مفر منه، لاسيما مع صعوبة العودة بالزمن إلى الوراء في ما لو لم يعجبه هذا التخصص في الوقت الذي وصل فيه إلى مرحلة يصعب الرجوع فيها، لأن الرجوع إذا تم في هذه الحالة يكون ذا تكلفة ثقيلة زمنياً ومالياً.وفي مسألة اختيار التخصص المناسب، توجد هناك عوامل كثيرة تلعب دوراً أساسياً في تشكيل رؤية الطالب لمستقبله العلمي، منها ميوله ورغباته، وأثر وجهة نظر الوالدين عليه، أو نصيحة الأصدقاء، وغيرها من الأمور، إلا أن المسألة الأهم تبقى في معرفة الطالب الشاملة بطبيعة التخصص وإمكانية المضي قدماً فيه نحو تحقيق النجاح، فليس كل ما ترغب وتميل إليه يكون مناسباً لك في الحقيقة، فكم من طلاب كانوا شغوفين بدراسة تخصصات معينة، لكنهم بعد التجربة وجدوا أنها غير مناسبة لهم، وإن كانت تخصصات أكاديمية ذات أهمية كبيرة في سوق العمل، كالطب والهندسة مثلاً... والى آراء عدد من الطلبة الجامعيين في طريقة اختيار تخصصهم، وهل هو «إجبار أم اختيار؟».قالت دانة فيصل الشدوخي، «الطالب الجامعي يجب أن يختار تخصصه عن طريق معرفة ميوله، وماذا يريد أن يكون بعد التخرج؟»، مبينة أن «المرحلة الثانوية تساعده بشكل كبير على معرفة ميوله ورغباته، لاسيما وأن الطالب يدرس خلالها العديد من المواد في مجالات مختلفة يعرف مستواها وصعوبتها، وحتماً سينجذب إلى أحد المجالات الدراسية التي تناسبه، وسيكون أكثر استعداداً للدراسة الجامعية»، مشددة على أن «الطالب يجب أن يكون مقتنعاً في اختيار تخصصه لأنه سيبذل وقتا وجهداً كبيرين في سبيل تحصيل الدرجة العلمية، وبالتالي يجب أن يبتعد عن ضغوط الوالدين في مثل هذه المسألة، لأنه بالنهاية سيحقق هدفاً خاصاً به».واضافت، «لا بأس في أن يراعي الطالب ميوله في اختيار التخصص، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم غض الطرف عن متطلبات سوق العمل، فربما يكون هناك مجال مهم لم يكن منتبهاً له يفتح له آفاقاً رحبة من التميز والنجاح».واكدت الشدوخي، على «أفضلية التعليم المشترك لحل مشكلة قلة عدد المقاعد في تخصصات معينة كالطب والهندسة، أو حتى بعض التخصصات الأدبية في بعض الجامعات الخاصة، في الوقت الذي يتوجب على الجامعات أن تضع سياسات تمكن الطالب من دخول التخصص الذي يرغبه كعمل امتحان معين أو دراسة مواد تمهيدية على إثرها يحدد الطالب الدخول في أي تخصص يناسبه»، معبرة عن رضاها التام على اختيارها لتخصصها الجامعي رغم بعض الصعوبات التي تواجهها.وقالت الطالبة سوزان الجاروش، إن «الطالب يقوم باختيار تخصصه إما بناء على ميوله وهواياته، أو بناء على التأثرات المحيطة به منذ الصغر، فخلال سنوات الدراسة في المدرسة يتأثر الطالب بمن حوله من أقران ومدرسين وأولياء أمور، وبالتالي يجب على الأهل أن يتركوا للطالب حرية التفكير والخيال إلى أن يصل إلى السنة الأخيرة من المدرسة، عندها يجب أن يقوم الأهل بتقديم المساعدة في اتخاذ القرار والتوجيه في حال كان الطالب في حيرة من أمره».وتابعت، «بالإرادة نصنع المستحيل، فإذا عزم الطالب على النجاح، فسيكون النجاح مصيره بإذن الله، حتى وإن كان التخصص في بادئ الأمر لم يعجبه»، مبينة ان «العالم في تقدم مستمر، وجميع مجالات العمل في تطور دائم وازدياد، وعلى ذلك فإن سوق العمل مفتوح لجميع التخصصات».وحول رأيها في تدخل الوالدين في اختيار تخصص أبنائهم، رأت سوزان أن «هذه المسألة نسبية، ففي بعض الأحيان يكون الطالب عديم المسؤولية أو قليل الخبرة، ويستدعي الأمر لمن يتدخل في اتخاذ هذا القرار المصيري عنه، وأحياناً أخرى، يكون إجبار الوالدين للطالب على تخصص معين نوعاً من أنواع الإنجاز الذي لم يستطيعوا تحقيقه في شبابهم، مهملين حقيقة أن لدى الطالب كيانا مستقلا وميولا قد تتنافى مع حلمه الضائع».وفي ما لو كانت سياسات الجامعة تؤثر على اختيار الطالب لتخصصه قالت سوزان، «أعتقد أن عدم توافر المقاعد لجميع الطلبة هو سوء تنظيم وإدارة من الجامعة، ولو خضعت الجامعات لرقابة صارمة، لما احتج الطلبة على التخصصات والجامعات المتوافرة».من جانبه، قال الخريج علي الأشقر، «يجب على الطالب أن يختار التخصص الذي يميل إليه والذي يعتبر أنه سوف يبدع فيه ويكون راضياً نفسياً عنه، وليس بالضرورة أن يكون التخصص متوافقاً مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، لأن الإنسان دائماً يحب ما يميل إليه والذي يجد نفسه فيه».واضاف «أنا خريج كلية التمريض وكنت راضياً عن دراستي ومرتاحا فيها، وأنوي في ما بعد أن أكمل دراستي في التخصص نفسه».واشار الأشقر، إلى أن «المعدل الدراسي أحياناً يحرم الطالب من دخول التخصص المتميز فيه، وبالتالي لا يجب أن يكون المعدل العام في الثانوية بالضرورة مرتبطاً في اختيارات الطالب»، معبراً من جانب آخر عن «رفضه لتدخل الأهل في فرض اختيار التخصص على ابنهم لأن الطالب بالنهاية هو من يجب أن يختار مستقبله».من جهتها، قالت سمارة شبلي، «يكون اختيار التخصص تبعاً لرغبة الطالب، ولكن من الممكن أن يتجه الطالب إلى الاختيار بين عدة تخصصات تبعاً لما يتواجد في الجامعة من تخصصات، وكما تجري العادة حينما يقترب الطالب من التخرج من المدرسة والذي يأتي عادة في السنتين الأخيرتين يتم النقاش حول اختياره لتخصصه، وذلك بين أهله و زملائه، لكن غالباً ما يتجه الطالب إلى تخصص آخر بعد تخرجه، وبالتالي يجب أن يبدأ التفكير في السنة الأخيرة من المدرسة ويضع عدة احتمالات أو عدة تخصصات من المتوقع أن يتجه لها، وذلك تبعاً للظروف التي ستتوافر بعد تخرجه».وتابعت، «ليس لدى جميع الطلبة القدرة على النجاح في حياتهم الجامعية إذا كانوا قد أجبروا على اختيار تخصصاتهم، ولكن يبقى حب العلم لدى الطالب هو الحافز الأول لنجاحه بأي تخصص جامعي حتى لو أجبر على اختياره، ورغم ذلك فإن الطالب يجب أن يراعي ميوله أولاً في اختيار تخصصه لأن هذا سيؤثر على مستوى نجاحه في دراسته الجامعية»، مشددة في الوقت عينه على ضرورة أن تتاح فرص أكبر للطالب للالتحاق بالتخصص الذي يرغبه.واختتمت بان «صعوبة توافر الجامعات والتخصصات كان سبباً رئيساً لاختياري لتخصصي الهندسة المدنية الذي لم أكن أرغبه في البداية، ولكن بعد ما اعتدت عليه وبدأت الدراسة وجدت نفسي راضية عن هذا التخصص، وبالفعل وجدته مناسباً لي».وقال أحمد الفضلي، «هناك عوامل كثيرة تقف في وجه الطلبة وتمنعهم من تحقيق رغباتهم في اختيار التخصص الذي يريدونه، مثل المعدل التراكمي العام بعد التخرج من الثانوية، ووجهة نظر الآباء في فرض تخصص معين عليهم»، مبيناً أنه «من الأفضل على الطالب أن يفكر في مستقبلة الجامعي في مرحلة مبكرة قبل تخرجه في المدرسة الثانوية ليتسنى له اتخاذ القرار المناسب، ومشاورة الأهل في الانضمام للجامعة التي توافق ميوله والتخصص الذي يرغبه».وزاد، «? ننكر أن سوق العمل له تأثير على اختيار الطالب لتخصصه الدراسي، فالوظائف والرواتب التي يقدمونها لتخصصات معينة تجعل الطلبة يفكرون في اختيار هذه التخصصات، لكن من وجهة نظري أجد أن الطالب يجب عليه اتباع ميوله ورغباته في اختيار تخصصه، فمتى ما أتقن الإنسان وتخصص بالشيء الذي يرغبه سيبدع به حتما».وبين الفضلي، أنه «من الصعب الجزم بأن الطلبة الذين أجبروا على تخصصات لايرغبونها سيفشلون فيها، فقد يجتهد الطالب في تخصص لايرغبه وينجح فيه، لكنه لن يبدع أبداً في مجال العمل لأنه سيقوم بشيء ?يرغبه وغير مقتنع فيه»، مشيرا في اتجاه آخر إلى حاجة الطالب إلى فرصة لاختيار التخصص الذي يريده وبالتالي على الجامعات منح هذه الفرصة للطلبة لأن الدراسة الجامعية هي بداية الطالب لخلق مستقبله، وبإعطاء الفرصة للطلبة باختيار تخصصاتهم حتى لو لم تسعفهم معدلاتهم، لافتاً إلى أن عدم توافر التخصص المطلوب وعدم توافر المقاعد الكافية هي أكبر المشاكل التي قد يواجهها الطالب، لكن الدولة «مو مقصرة» في هذا الجانب بمنح الطلبة البعثات الدراسية سواءً كان داخلياً لعدم توافر المقاعد في جامعة الكويت أو خارجياً لعدم توافر التخصص المطلوب.ورفض الفضلي، وبشدة تدخل الوالدين في اختيار تخصصات أبنائهم، «فعلى الطلبة اختيار تخصصاتهم بأنفسهم وتحديد مستقبلهم سواء الدراسي أو المهني»، مبيناً أن «دور الوالدين يجب أن يكون في الإرشاد والنصح فقط وليس الاختيار، وبالنسبة لتخصصي علوم الكمبيوتر، لله الحمد أنا راض كل الرضا عن اختياري له وقد لقيت الدعم التام من الوالدين».من جانبه، شدد سليمان أبو عبدو، على ضرورة أن يهتم الطالب بالتفكير والبحث عن التخصص المناسب له قبل التخرج من المدرسة، وبإمكانه الاستعانة بالإنترنت الذي يوفر له إمكانية الاطلاع على كافة التخصصات ووصفها وأهميتها في سوق العمل، وعلى إثر هذا الإطلاع بالإمكان اختيار التخصص المناسب الذي من خلاله يحقق التميز والتفوق على المستوى الأكاديمي والعملي، مع ضرورة مراعاة ميوله، لأنه إذا دخل تخصص لايحبه فلن يبدع فيه ولن ينجز أو ينتج أشياء جديدة تفيد مجتمعه.وتابع، «يجب أن توفر الدولة عدداً كافياً من الجامعات في مختلف التخصصات، على أن تكون هذه الجامعات ذات جودة عالية، حتى لا يظلم الطلبة بتعليم غير مناسب لمستقبلهم».وأردف «تم إجباري من قبل والدي على اختيار تخصص علوم الكمبيوتر، ففي البداية كنت رافضاً لهذا التخصص، ولكني الآن راضِ عنه تماماً بعد أن تعمقت فيه وفهمت محتواه المميز عن بقية التخصصات الأخرى، وبالتالي أحببت هذا التخصص وأرى فيه مستقبلاً زاهراً».بدوره، فضل حسين مصطفوي، أن «يضع الطالب في باله فكرة اختيار التخصص في مرحلة مبكرة من عمره، حتى يبدأ مبكرا في بناء رؤيته وهدفه من دخول هذا التخصص والسعي الجاد في التعرف عليه بشكل أكبر»، مبينا أنه من الصعب مراعاة سوق العمل في اختيار الطالب لتخصصه، فاليوم سوق العمل يطلب في الغالب تخصصين هما: الهندسة والإدارة»، متسائلا «ماذا عن التخصصات الأخرى المهمة والتي يحتاجها المجتمع؟، وهل مسألة اختيار التخصص مبنية فقط على العائد المالي من الوظيفة في الكادر الهندسي أو كادر المحاسبين؟»، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن تقدم المجتمعات مرهون بتوافر تخصصات مختلفة ومتنوعة تترابط فيما بينها وتتكامل حتى يمكننا من إيجاد حياة متقدمة.وتابع، «في حال ما إذا أجبر الطالب على دراسة تخصص لايرغبه فإنه سيواجه بعض الصعوبات أثناء الدراسة حتى يتأقلم مع التخصص وإن كان الطالب كارها للتخصص فمن المستحيل أن يبدع ويتفوق».واشار الى ان «هناك بعض الجامعات في الدراسات العليا تمنح الطالب فرصة ليثبت قدرته وإمكاناته في التخصص كدخوله في الجامعة كطالب غير مقيد أو أن يأخذ مواد مسبقة مثل المواد التمهيدية، وإن كان أداؤه جيدا، يحصل على درجات معينة، ويتمكن من أن يكمل في التخصص الذي يريده»، متمنيا أن يتم توفير هذه الفرصة لطلبة البكالوريوس، علما بأن هناك طريقة أخرى لدخول طالب البكالوريوس لتخصص آخر، وهو أن يرفع معدله الجامعي لنسبة معينة ويجتاز عدداً من الوحدات الدراسية، لكن هذا قد يؤدي إلى التأخير في خطة التخرج.واختتم، «الحمد لله، أنا راض عن تخصصي علوم الكمبيوتر، وأجده التخصص المناسب لي، على الرغم من أنه في البداية كانت الرؤية محجوبة بعض الشيء لاختيار التخصص، لكن بعد التقدم في مجال البرمجة وعلوم الكمبيوتر اكتشفت أن هذا التخصص هو الذي أميل إليه».وقالت الأستاذة المساعدة في كلية التربية الأساسية، تخصص معلومات ومكتبات، الدكتورة إقبال العثيمين أن «اختيار التخصص الجامعي يعتبر من أصعب الخطوات التي يتخذها الطالب والتي تحدد حياته المستقبلية، فالطالب في المرحلة الثانوية يتأثر كثيراً بالجو المحيط به، وهناك من يرى والده قدوة له ويود أن يصبح مثله، وهناك من يخضع لضغوطات أسرية، لاسيما وأن التخصصات ذات الصيت والسمعة الكبيرة بين أفراد المجتمع تعد على الأصابع، فيدفع الآباء بأبنائهم لاختيار تخصص بعيد عن ميولهم الشخصية ما ينتج عنه الفشل أو الرسوب أو تغيير التخصص بعد أن أضاع سنين من عمرهم في تخصص لا يرغبون به».واضافت العثيمين، «على العائلة وبالأخص الوالدان اكتشاف نقاط الضعف والقوة عند أبنائهم وتشجيعهم على اختيار التخصصات التي تناسب ميولهم ونقاط قوتهم، فعملية الاختيار السليم للطالب يجب أن تبنى على الرغبة والميول وليس احتراماً لرأي الأهل أو قرارهم».وتابعت «عندما يكون اختيار التخصص مبنياً على أسس سليمة وأهمها الرغبة الشخصية وشغف الطالب بالمهنة التي يسعى إليها فإنه سيبدع في تخصصه، مشيرة إلى أن دراسة التخصص الذي يحبه الشخص كفيلة بخلق سوق للمهنة، ونحن في الحقيقة بحاجة لأشخاص يحبون عملهم ويبدعون فيه بغض النظر عن طبيعته».