لا يعيب الرجل أن يبكي، فلقد بكى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على وفاة ولده ابراهيم، وبكى على استشهاد بعض أصحابه، كما بكى الصحابة على رحيل نبيهم.وبكى عمر بن عبدالعزيز من خشية الله حتى سالت دموعه على وسادته وكان ينتفض من فراشه خوفا من ربه كانتفاضة العصفور.وبكى فقراء الصحابة لما اعتذر الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن حملهم معه في غزوة تبوك، فوصف الله تعالى حالهم بقوله (تولّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون).وفي زماننا يحق للمرء أن يبكي على ما حل في ديار المسلمين، فدماء الشهداء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء تتساقط يوميا على أرض الشام والعراق، وقبل فترة رأيناها تتساقط في غزة.والأخبار والصور التي تنقل عن مأساة المسلمين الروهينجا، ومسلمي أفريقيا الوسطى لتدمع العين وتدمي القلب.لقد تكالب الأعداء على أمتنا وتداعوا عليها كتداعي الأكلة على قصعتها، وصار يصدق عليها قول الشاعر:أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد... تجده كالطير مقصوصا جناحاهالبكاء لفقد عزيز لا يعني الاعتراض على قضاء الله وقدره، والحزن على حال المسلمين لا يعني اليأس والقنوط والاستسلام، بل ينبغي أن يكون ذلك دافعا للعمل على تخليص الأمة من عدوها الذي تسلط عليها، حتى يأتي نصر الله الذي وعد به (ألا إن نصر الله قريب) كلٌ بحسب استطاعته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.من المحزن أن ترى دموع البعض تسقط على حبيبة هجرته، أو هزيمة فريق رياضي يشجعه، في الوقت الذي لا تتحرك فيه مشاعره على مآسي أمته فضلا على أن تسقط دموعه!!اليوم هو يوم عرفة وهو من أعظم الأيام التي تتساقط فيها الدموع والعبرات، تنهمر دموع الحجيج انكسارا بين يدي الله، في هذا اليوم الذي يباهي الله بأهل الأرض أهل السماء، ويُشهد ملائكته على مغفرته لضيوفه الذين لبوا نداءه، فهنيئا لهم.وهو يوم يبكي فيه من حالت ظروفهم عن اللحاق بركب الحجيج برغم شوقهم ليكونوا معهم، ومن أروع ما ذكر عن شوق المتخلّفين عن اللحاق بركب الحجيج ما نقل عن البرعي. فقد ذكروا أن الشيخ البرعي في حجه الأخير أُخذ محمولا على بعير، فلما قطع الصحراء مع الحجيج وأصبح على بعد خمسين ميلا من المدينة أصابه المرض فأعاقه عن إكمال المسير فأنشأ قصيدة لفظ مع آخر بيت منها نفسه الأخير يقول فيها:يا راحلين إلـى منـى بقيـاديهيّجتموا يوم الرحيـل فـؤاديسرتم وسار دليلكم يا وحشتـيالشوق أقلقني وصوت الحـاديحرمتموا جفني المنام ببعدكـم يـاساكنين المنحنـى والـواديويلوح لي ما بين زمزم والصفـاعند المقام سمعت صوت مناديويقول لي يا نائما جـد السُّـرىعرفات تجلو كل قلب صـاديمن نال من عرفات نظرة ساعةنال السرور ونال كل مـراديتالله ما أحلى المبيت على منـىفي ليل عيد أبـرك الأعيـاديضحوا ضحاياهم وسال دماؤهاوأنا المتيّم قد نحـرت فـؤاديلبسوا ثياب البيض شارات اللقاءوأنا الملوّع قد لبسـت سـواديفإذا وصلتـم سالميـن فبلغـوامني السلام أُهيـل ذاك الـواديقولوا لهم عبـد الرحيـم متيـمومفـارق الأحـبـاب والأولادصلى عليك الله يا علـم الهـدىما سار ركب أو ترنـم حـادياللهم احفظ حجاج بيتك، وتقبل سعيهم، واغفر ذنبهم، وارجعهم إلى ديارهم سالمين غانمين غير خزايا ولا محرومينtwitter :@abdulaziz2002‏??