على وقع الضربات الجوية الاولى التي فاجأت بها الولايات المتحدة ودول التحالف العربي معها مواقع ومراكز تنظيمي «داعش» و»القاعدة» في الرقة السورية، لم يكن لبنان بعيداً عن ترقُّب المعطيات والأصداء والتداعيات التي يمكن ان يثيرها هذا التطور ذو الملامح الاستراتيجية في المواجهة المتصاعدة في المنطقة.وإذا كان لبنان يبدو معنياً بقوّة بكل ما يؤثّر على المواجهة المفتوحة بين الجيش اللبناني والتنظيمات الإرهابية على جبهة جرود عرسال، فانه بدا من المبكّر الحكم سلباً او إيجاباً على ما يمكن ان تتركه تداعيات الضربات الأميركية - العربية الاولى لتنظيم «داعش» في سورية من تداعيات على قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «الدولة الاسلامية» و»النصرة»، علماً ان الانطباعات الاولية لدى بعض الجهات المتابعة لهذه القضية بدت كأنها تستبعد حصول تأثيرات فورية إلا في حال حصول تطورات عسكرية جديدة من نوع تكرار الغارات وتوسيع إطارها في المقلب السوري نفسه.ذلك ان الساعات التي سبقت حصول الضربات على الرقة شهدت وصول توازن الرعب بين الجيش اللبناني والتنظيمات الارهابية الى مستوى كبير من الدقة والخطورة في ظلّ مجموعة عوامل هي:* مضي الجيش في إفهام التنظيمات الارهابية انه اتخذ موقع الهجوم ولن يبقى في موقع الدفاع بدليل معاودة مدفعية الجيش قصف مواقع للمسلحين في جرود عرسال بعد توجيهه قبل ايام ضربة موجعة لهم بقصف دقيق وكثيف أوقع في صفوفهم عشرات الإصابات بين قتلى وجرحى ودمّر لهم مستشفى ميدانياً يبدو انه الوحيد لديهم بعدما عزل الجيش عرسال عن منطقة الجرود.* اتسام سلوك التنظيمات الارهابية بتوزيع الأدوار على الارجح في التناوب على تهديد الجانب اللبناني. ذلك ان جبهة «النصرة» تولّت إرسال مطالب بدت اقلّ تصلباً من المطالب السابقة مع زوجة العسكري علي بزال الذي كانت الجبهة هددت بقتله والتي تمكّنت من مقابلة احد قياديي «النصرة» وأخذت منه وعداً قاطعاً بتأخير «تدفيع زوجها الثمن» اسبوعاً كاملاً، من دون ان تتمكن من رؤيته، وفقاً لما صرحت به، مضيفة انها حملت مطالب «الجبهة» التي تتلخص بفتح ممر انساني الى عرسال وعدم التعرض للاجئين السوريين بالضرب والاهانات ولأهل السنة كافة والافراج عن الذين اوقفهم الجيش منذ معارك عرسال حتى اليوم.وفي الوقت نفسه انبرى المتحدث الاعلامي باسم كتائب «عبدالله عزام» الذي دخل للمرة الاولى على خط هذا الملف الى تهديد العسكريين الرهائن باستهداف بيروت، متوجهاً اليهم وفق ما جاء في تسجيل صوتي نشر على موقع «تويتر»: «(...) هل نحن من بدأنا معركة في لبنان؟أنحن وضعنا سيارات مفخخة أمام جامعي التقوى والسلام في طرابلس؟ نحن قتلنا كم نائب وكم وزير؟؟ نحن لم نقتلهم. كل هؤلاء، الشيعة قتلوهم، وليس الشيعة بل حزب الله في الشيعة»، مؤكداً «ان المجاهدين أخذوا مناطق في العراق في غضون أيام، ويصلون إلى نصف بيروت في غضون أيام».* اعلان «هيئة العلماء المسلمين» التي تردد انها استعادت دورها في ملف العسكريين أن عملية «ذبح عرسال» ما هي «إلا حلقة من حلقات العقاب الجماعي للمناطق ذات الغالبية السنية»، موضحة أن «عرسال كشفت حقيقة أن فريقاً سياسياً انغمست يداه إلى ما فوق الكتفين، في الدماء المحلية والاقليمية يستدرج الجيش إلى مواجهات مع الشعب، قد حرم نفسه شرف المقاومة، وهو المتسبب الرئيس في كل ما يجري في لبنان من خلال ارسال ميليشياته المسلحة لقتل الناس في سورية»، مطلقة على يوم الجمعة المقبل في جميع المساجد وفي كل المحافظات اسم «لا لذبح عرسال».وفي ظل هذا الواقع المشدود قالت المصادر المواكبة لقضية العسكريين المخطوفين انه لا يمكن التكهن اطلاقاً مسبقاً بأي تطورات محتملة لان المشهد ما بعد الضربات الأميركية - العربية في سورية لن يكون كما قبله، لكن لبنان ذهب في المواجهة الى استعمال كل السبل والأوراق المتاحة. ففي موازاة المواجهة العسكرية سيقوم رئيس الحكومة تمام سلام خلال وجوده في نيويورك» للمشاركة في اعمال افتتاح الدورة العادية للأمم المتحدة وعقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان» باستنفار الدعم الدولي للبنان الى أقصى درجة ممكنة سواء في قضية العسكريين المخطوفين او في قضية تخفيف أعباء النازحين السوريين على ارضه.وتقول مصادر مطلعة لـ «الراي» ان سلام سيطلب من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بشكل خاص تولي وساطة فعالة لإنقاذ العسكريين وحلّ قضيتهم وان لا صحة للكلام الذي تردد في بيروت عن تخلي تركيا عن وساطتها التي كان لبنان طلبها سابقاً. لكن أنقرة كانت منشغلة بإنقاذ رهائنها لدى «داعش» وبعد نجاحها في ذلك تَشجّع الجانب اللبناني بإمكان ان تعاود تركيا مساعدته على حل قضية عسكرييه الرهائن.وكشفت المصادر ان اتصالات كثيفة لم تنقطع منذ يومين بين وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق وأهالي العسكريين المخطوفين دارت حول محاولة إقناع الأهالي بوقف تصعيد تحركاتهم في الشارع عبر قطع طرق رئيسية في مناطق البقاع والشمال لئلا تعطي هذه التحركات انطباعات خاطئة للخاطفين تمكّنهم من الاستمرار في التلاعب بالواقع الداخلي اللبناني وتوظيف معاناة الأهالي لزرع الفتنة المذهبية.في اي حال يبدو المشهد على جانب كبير من الضبابية والقلق ولو ان بعض الاوساط يتحدث عن امكان فتح باب التفاوض مجدداً عبر جهات ثالثة من ابرزها قطر (وصل موفدها السوري الى لبنان) وتركيا لتبريد قضية العسكريين اولا ومن ثم تولي مشاريع مقايضة لا بد منها لحلّ الأزمة. علماً ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع طالب، امس، الحكومة بحل هذا الملف إما باتخاذ قرار بانسحاب «حزب الله» من سورية وإما بالذهاب بالمواجهة حتى النهاية مع المجموعات الارهابية عبر ربط غرفة عمليات الجيش اللبناني بالتحالف الدولي وهو ما يتيح ايضاً كما قال التحسب لأي طارىء على الحدود.
خارجيات
«توازن الرعب» بين الجيش اللبناني والخاطفين بلغ أدق مستوياته
دويّ الضربات الجوية يتردّد في لبنان ترقباً لتداعياتها على ملف العسكريين الأسرى
04:28 م