تراقب بيروت بـ «اهتمام يساور القلق» المسار الجديد في المنطقة في ضوء «الحرب العالمية» المعلنة ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» في سورية والعراق و«أينما كان»، وما قد ينطوي عليه هذا التحول من تداعيات تطال لبنان «المستوطن» عين العاصفة وقلبها.وقرّر لبنان مع توقيع وزير خارجيته جبران باسل على بيان «لقاء جدة» الأميركي - العربي - التركي، ان يكون شريكا في هذا الاصطفاف القائم على «المواجهة الشاملة» مع الارهاب في العراق وسورية وليبيا واليمن، ولبنان أيضاً، رغم تحفظات روسيا والصين وإيران.ويجعل هذا الواقع الجديد لبنان أمام اختبار صعب، وخصوصاً إذا أفضت الحرب على «داعش» في بعض جوانبها الى مواجهة سياسية بين السعودية التي تتصدّر المحور الجديد، وايران التي ابدت شكوكاً حيال الأهداف الاميركية - الخليجية من هذه الحرب.وتخضع المقاربة اللبنانية لهذا الواقع المستجدّ لمعاينة دقيقة، وسط استمرار «التدافع» بين ملفات بالغة الخطورة والحساسية كالعمل على ضمان اطلاق العسكريين المحتجزين لدى «داعش» و«النصرة»، ومحاولة عزْل عرسال عن جبهة القلمون، والعمل على كسر مأزق الفراغ الرئاسي، اضافة الى المعركة الجديدة التي يفرضها استحقاق الانتخابات النيابية.وفيما ينُتظر ان يزور بيروت اليوم مبعوث الأمم المتحدة الى سورية ستفيان دي ميستورا في طريق عودته من دمشق حيث سيلتقي عدداً من المسؤولين اللبنانيين، ترتفع الخشية داخلياً من انهيار الواقع اللبناني الذي يطلّ على المشهد «العاصِف» اقليمياً من دون «شبكة أمان» تتيح له تلقي تشظيات التحولات المرتقبة.وبدا الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط أكثر المعبّرين عن دقة الوضع اللبناني، اذ دعا الى عدم التقليل من خطر «داعش»، محذراً من انه «إذا استطاع هذا التنظيم الربط بين عكار وعرسال، كما كان يخطط، فسنكون أمام مشكلة كبرى».واذ أكد وجوب دعم الجيش وتأمين الحماية السياسية له «وخصوصاً وانه بات يشكل بارقة الامل الوحيدة في هذا الظلام»، دعا الى صوغ «معادلة داخلية جديدة، تكون مؤهلة للتعامل مع التحديات التي يفرضها التهديد التكفيري وخطر الفتنة المذهبية»، معتبراً أن «المطلوب عقد لقاء سريع بين الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري، فهما قادران على حياكة شبكة أمان نسبي للبنان، تقيه شرور هذه المرحلة الصعبة».وإذا كان تبنّي وزير الخارجية اللبناني للبيان الذي صدر عن لقاء جدة أثار بلبلة في الكواليس السياسية لجهة انه جعل لبنان سياسياً في قلب معركة ستحصل من خارج مجلس الامن ومن دون روسيا وايران ومع رفع السعودية وواشنطن شعار «إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد» من بوابة التصدي لـ «إرهاب التنظيمات المتطرفة» و«الأنظمة الارهابية» وصولاً الى انتقاد بعض وسائل اعلام «8 آذار» «توريط لبنان في استراتيجية اميركية - سعودية تُدخله نهائياً في هذا المحور»، فان الاهتمام بمؤتمر جدة وتداعياته بدا مركزاً في جانب آخر على تداعياته المحتملة على ملف العسكريين الأسرى لدى «داعش» و«جبهة النصرة»، حيث استحضرت دوائر مراقبة سلوك تركيا التي لم توقّع البيان الختامي متذرعة بالخوف على مصير 40 رهينة من ديبلوماسييها في قنصلية الموصل هم بيد «داعش».والمفارقة ان موقف لبنان في جدّة، ترافق في بيروت مع اول كلام علني عن دور تركي مع القطري على خط إنهاء ملف العسكريين الاسرى، اذ كشف الرئيس تمام سلام خلال جلسة مجلس الوزراء اول من امس انه «يواصل التفاوض مع قطر وتركيا سعياً لتحرير العسكريين المخطوفين» متحدثاً عن «بعض التقدم في هذا الشأن، غير ان لا شيء يضمن التوصل الى نتيجة مرضية في وقت قريب، لكن الموضوع هو موضع متابعة يشارك فيها المدير العام للامن العام، ولن ندخر جهدا في سعينا لتحرير العسكريين المخطوفين».وجاء موقف سلام عشية توجّهه غداً الى الدوحة لبحث هذا الملف للمرة الاولى على هذا المستوى وذلك في ضوء اضطلاع قطر بوساطة مع الخاطفين عبر شخصية سورية (ج.ح)، على وقع تقارير عن تقدُّم حصل على صعيد معالجة قضية الاسرى شجع رئيس الحكومة على اتخاذ قراره بزيارة الدوحة، وتوقعات بأن تحدد نتائج الزيارة اتجاهات هذا الملف عبر انفراجات ملموسة قد تبدأ بالافراج عن المحتجزين لدى «النصرة».ولم يُعرف اذا كان سلوك الوساطة القطرية طريقها هو السبب وراء انسحاب الشيخ مصطفى الحجيري من الدور الذي كان يضطلع به في هذا الملف واتاح منذ 2 اغسطس الماضي (اضافة الى الدور السابق لهيئة العلماء المسلمين) الافراج عن 13 عسكرياً، الى جانب تأمين التواصل بين عسكريين مخطوفين لدى «النصرة» وبين ذويهم عبر الهاتف كما بالتواصل المباشر على غرار ما حصل مع عائلة جورج خوري التي وفّر لها الحجيري لقاءه شخصياً.وقد اعلن الحجيري توقف مساعيه لاطلاق العسكريين، وقال انه قرر ملازمة منزله وعدم التدخل في القضية بعد تعرضه لاطلاق نار قبل ايام لدى عودته «من زيارة الجنود الرهائن». وأضاف: «لم يعد لي أي شأن بهذه القضية. انا مهدد بالاغتيال من جماعات معروفة. وبعد محاولة اغتيالي الاخيرة لم يتصل احد للاطمئنان عني بمن فيهم اهل الجندي الذين اصطحبتهم لزيارة ابنهم والاطمئنان اليه».