قرأت خبرا مفاده ان دولة كازاخستان قامت بمقاضاة منتج ومخرج فيلم «Borat» لسخريته من الشعب الكازاخستاني وطبيعة حياته، لكنها بعد 7 سنوات أرسلت برقية شكر للقائمين على الفيلم بسبب تضاعف أعداد السائحين هناك!تلعب وسائل الاعلام دورا غبيا في كثير من الأحيان في نشر ودعم من تريد محاربتهم واقصائهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا!وبصرف النظر عن صحة او بطلان ما تبثه تلك الوسائل فإن المتلقي قد يلتفت الى جوانب اخرى من الخبر ويبدأ بعقد المقارنات بين واقعه وما يبث من قضايا قد تكون من المسكوت عنه في الحديث العام.اليوم نشاهد ونسمع ربما بشكل يومي أخبارا وتقارير إعلامية عن حركات جهادية متطرفة كداعش في العراق والشام أو الحوثيين في اليمن وغيرهما والتي تخدم المشروعات الجهادية ونقل تطور عملهما في المناطق الجديدة التي وصلتا اليه.لقد تحولت بعض وسائل الاعلام العربي في منطقتنا الى مراسل اجنبي بين القوى المتصارعة.. ونقلت بصورة مشوهة ومزورة تلك الأحداث هنا وهناك بما يخدم مشروع الجهاديين الذين لو دفعوا الملايين لما حققوا مثل ذلك.سجل الاعلام تساؤلات كثيرة ومثيرة لا شعوريا في بعض لقطاته، وقدم بغباء بطولات ثورية وصيحات جهادية جعلت احساس بعض شعوب المنطقة بالفراغ والهزيمة النفسية واضحا والذي خلفته مواقف دول المنطقة، لتحل محله إجابات الموقف الأكثر عنفا عند تلك الحركات.ها هي تقنع المتلقي بالصوت والصورة وهي تعرض مجاهدي داعش رافعي لواء الخلافة والكرامة الانسانية ومحرري العراق من المد الصفوي واقتناع الشارع العراقي بهم والإيمان بعدالتهم وكأنهم منقذو الأمة وبيدهم خلاصها!وها هي في اليمن تقدم صورة ذهنية للمتلقي على ضعف الدولة وتشتت الشعب وانهزام الإرادة وتصوير الحوثيين على انهم مجاهدون ذوو بأس شديد لا تستطيع ان تقف إمكانيات الجيش اليمني الوقوف أمامه!ثم يتساءل بعد ذلك مراقبون كثر عن مساحات كبيرة من «التوهان» يعيشه الشباب الخليجي يتمثل في التطرف والخواء الروحي والغثاء الفكري وإقصاء صوت الاعتدال الوسطي من المسجد والاعلام.لكن مع ذلك لا تزال الأمة بخير وهي تدرك الوهم الذي تبيعه بعض وسائل الاعلام وبيعها لشرف المهنة.والدليل على ذلك ان العقل العام العربي والخليجي عاش عقودا من الزمن على قضايا مسلم بها بل أمن بها، لا تحتاج الى مزيد بيان واثبات في مشروعيتها كقضية فلسطين مثلا!فبمجرد ان تحول الاعلام الغبي عن قضية الأمة الاساسية، فضلا عن وقوفه ضد مشروعيتها، وجدنا تحولا من جماهير المنطقة باتجاه النسق الذي نشأوا على محبته طيلة تلك العقود. بل وفقد ثقته بهذا الاعلام المصنوع!الا يعد هذا النموذج مسيئا لعقول الأمة حين يشوه تاريخه ويزور إرادته بصورة مغايرة لنشأة قضاياه؟خذ مثالا اخر؛ ما تغطيه وسائل الاعلام مثلا من دور «داعش» الكبير في تحرير أراض كثيرة في العراق في الوقت الذي عجزت دول المنطقة بل فشلت في الوصول الى حلول وتسويات لحقوق أهل السنة هناك... الا يخدم هذا الاعلام حركات الجهاد تلك في بسط نفوذها بعد ان نشرت الرعب والخوف بين شعوب المنطقة؟ثم الا يعد هذا النموذج الإعلامي خير داعم لتهيئة التدخل الاميركي في شؤون المنطقة؟ان الدور الحقيقي والمهني الذي يجب ان تقوم به وسائل الاعلام هو تصوير الأحداث كما هي دون إفراط او تفريط، ثم تسعى الى تقديم مشروع اعلامي متكامل لمواجهة الفكر الهدام لقوى الجهاد المنحرف والمتطرف وتوجيه الشباب الى بدائل التدين الصحيح الذي يشبع احتياجات الفطرة ويوظف طاقاته الكامنة لخدمة وطنه وأمته.وبهذا ندرك ان تناول أفكار التنظيمات المخربة المتطرفة والتكفيرية لا يتم من خلال مراسلين وتقارير متلفزة او برامج مبسترة ومجتزأة تتجاهل الحوار الفكري والثقافي وتتعامى عن إشباع الحاجات الاساسية للإنسان من حرية وآمن وعمل...كما ان دعم أصوات الاعتدال والوقوف مع قضايا الأمة بشكل واعٍ ومنصف هو السبيل الأمثل لسحب البساط من أصوات النشاز والعودة بهم الى احضان أوطانهم عاملين وفاعلين...الاولى إذن من أعلامنا اذا كان الهدف حماية شبابنا وأبنائنا ان تسلط برامج الاعلام على مشكلات الشباب ومواجهتها واحترامها والسعي لحلها وتقديم نموذج الدولة الذي يحقق العدالة والحرية والتنمية.لا غرابة إذن من ان تشكر دولة كازاخستان الاعلام الاميركي الذي نشر ودعم من حيث لا يشعر السياحة فيها... ولا غرابة من هروب أبنائنا وشبابنا لتنظيمات تشبع احتياجاتهم النفـــــسية والفــــكرية ببركات ما يقدمه هذا الإعلام!
مقالات
د. مبارك الذروة / رواق الفكر
الإعلام الغبي
12:41 ص