بدت الحكومة اللبنانية امس في مواجهة أحد أشدّ اختباراتها إحراجاً وخطورة منذ تشكيلها بما يضعها أمام مرحلة مصيرية بالكامل أسوة بالوضع المتفاقم لقضية الرهائن العسكريين اللبنانيين لدى تنظيميْ «جبهة النصرة» و«داعش».ذلك ان المشهد المأزوم على خلفية هذا الملف اتخذ أبعاده المتوهّجة خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء قبل ظهر امس في السرايا الحكومية حيث واكبه اعتصام لجموع من أهالي العسكريين المحتجزين لدى التنظيمات الإرهابية من مناطق البقاع الشمالي والأوسط والغربي ومن الشمال.وبدا واضحاً طغيان حضور الأهالي من البقاع الشمالي خصوصاً الذين أطلقوا كلاماً شديد الانفعال وذهب بعضهم إلى اعلان «طفح الكيل» مع التلويح بخطر حصول فتنة مذهبية في حال قتْل رهائن آخرين من أبنائهم، كما هدّد بعضهم الآخر مباشرة عرسال والنازحين السوريين في حال لم يُطلق أبناؤهم.ومع ان الفترة التي سبقت انعقاد جلسة مجلس الوزراء أفسحت المجال للمعتصمين للتعبير عن سخطهم ومخاوفهم، فان المقلب الآخر من هذا الاعتصام بدا بمثابة دفْع قوي لتشكيل حافز للحكومة للمضي في عملية التفاوض وحتى المبادلة مع سجناء إسلاميين في سجن رومية إنقاذاً للرهائن العسكريين وهو ما يشترطه «داعش» و«جبهة النصرة».والواقع ان الأجواء التي واكبت انعقاد جلسة مجلس الوزراء وسبقتْه عكست تصاعُد الاستياء والغضب لدى رئيس الحكومة تمام سلام تحديداً من المواقف التي تتخذها قوى 8 آذار خصوصاً من مسألة التفاوض لإطلاق الرهائن العسكريين. اذ أطلق قريبون من سلام ولا سيما منهم وزير البيئة محمد المشنوق، الأقرب إلى رئيس الحكومة، عشية الجلسة موقفاً غير مألوف حمل فيه بشدّة على ما وصفه بالازدواجية والمزايدات التي تطبع مواقف قوى سياسية من هذه القضية. وبدا موقفه بمثابة رسالة استباقية لموقف رئيس الوزراء نفسه.وقالت مصادر وزارية مطلعة لـ «الراي» ان سلام بدا في الأيام الأخيرة كأنه قرر وضع حد حاسم لاختبار وحدة الحكومة في هذا المأزق الخطير من خلال تحميل سائر القوى المشارِكة في الحكومة مسؤولياتها في القرار الذي يجب المضي فيه للتعامل مع تهديدات التنظيمات الخاطفة للعسكريين، فإما تكون الحكومة وحدة متراصة وراء اي قرار يُتخذ، وإما فان رئيس الحكومة لن يقبل بان تستمر حملة المزايدات عليه في وسائل إعلام تابعة لقوى معينة ومعروفة (8 آذار والتيار الوطني الحر بقيادة العماد ميشال عون).وأشارت المصادر إلى ان ملامح بارزة ظهرت في الساعات الأخيرة انبرى معها وزراء حزب «الكتائب» إلى التضامن مع سلام بعدما كان الحزب اتخذ سابقاً موقفاً متشدداً من مبدأ المقايضة لإنقاذ العسكريين كما ان احد النواب في «التيار الوطني الحر» سارع إلى الإعلان ان التيار لن يقف في وجه اي قرار تتخذه الحكومة لهذا الهدف.وتضيف المصادر الوزارية ان الموقف الحكومي من هذه المسألة وضع جميع القوى السياسية امام لحظة الحقيقة ليس في شأن مأزق الرهائن العسكريين فحسب، بل ايضا في شأن كل الاحتمالات الأمنية الشديدة الخطورة التي يرتّبها هذا الملف على أوضاع المناطق الحدودية في البقاع الشمالي خصوصاً وامتداداً إلى مناطق اخرى على الحدود الشرقية والشمالية مع سورية.وتبعاً لذلك فان الساعات المقبلة تتسم بأهمية كبيرة لجهة بلورة الاتجاهات التي ستعتمدها الحكومة بتوافق أعضائها والتي يرجح ان يبقى بعضها طي الكتمان تجنباً لأي امر يمكن ان يعرّض حياة الرهائن لمزيد من الأخطار. ولكن المصادر لمحت إلى ان قنوات الوساطات اتسعت في الأيام الأخيرة في اتجاه دول اقليمية ولو ان وساطة هيئة العلماء المسلمين لا تزال قائمة على ما يبدو بعيداً عن الاضواء.وبحذر شديد أشارت المصادر إلى ان الساعات الاخيرة ربما شكلت اختباراً معقولاً لنجاعة التحرك السري الذي تتولاه خلية الأزمة التي شكلها الرئيس سلام واطلع مجلس الوزراء على نتائج تحركها الذي كان من علاماته تمديد التنظيمات الخاطفة لمهل التهديدات بقتل عسكريين آخرين او بأمور اخرى.  غير ان المصادر آثرت التريث في انتظار الساعات القليلة المقبلة التي لم تستبعد ان تحمل معطيات مهمة وجديدة. علماً ان سيف المخاوف على الرهائن يبقى مصلتاً على مجمل الوضع ولا يملك احد ان يتكهن مسبقاً بما يمكن ان يطرأ من تطورات.وبدا واضحاً ان الحكومة تسعى إلى مقاربة تضمن الحفاظ على التضامن الوزاري واتخاذ ما هو مناسب لانهاء قضية المخطوفين بما «يحفظ هيبة الدولة» كما عبّر سلام نفسه في مستهلّ جلسة الحكومة وكما تؤيده في ذلك 14 آذار مع البحث عن صيغة تجمع بين رفض 8 آذار تكريس سوابق تتيح تكرار عمليات الخطف للمبادلة بسجناء وبين دعوة هذا الفريق إلى مطالبة قطر وتركيا بالضغط على الجماعات المسلحة لإخلاء سبيل العسكريين.

«موقف المطارنة الموارنة هدّأ الوضع»

الحجيري لـ «الراي»: الباب لم يغلق بوجه إطلاق العسكريين

| بيروت - من ليندا عازار |رفض الشيخ مصطفى الحجيري الذي يقود وساطة مع «جبهة النصرة» في ملف العسكريين المخطوفين لديها التعليق على التقارير التي تحدثت عن ان الجبهة لن تفرج عن اي عسكريين جدد الا في اطار عملية تبادل وفق معادلة 15 موقوفاً اسلامياً مقابل كل اسير.واكد الشيخ الحجيري لـ «الراي» ان «هذا الملف دقيق وحساس ويجب ان يتم إبعاده عن الاعلام، لان بعض الاعلام يستغلّ بعض المعطيات للنفخ فيها بما لا يخدم هذه القضية والهدف الرئيسي الذي نعمل عليه اي إعادة كل العسكريين سالمين الى ذويهم».وسألناه: «بعدما ابلغتم عبر «الراي» قبل يومين ان النصرة باتت تشترط اعتذار البطريرك الماروني الكادرينال مار بشارة بطرس الراعي عن حرق راية داعش (راية التوحيد) في الاشرفية قبل البحث في اي افراج عن العسكريين المسيحيين لديها، كيف تلقفت النصرة الاعتذار الضمني لمجلس المطارنة الموارنة يوم الاربعاء وهل يساهم ذلك في إحداث اختراق في هذا الملف؟ فأجاب: «مشي الحال، الموقف (المطلوب) صدر، ويمكن القول ان هذا التطور هدأ الوضع، واذا تحقق مطلب فهذا لا يعني ازالة كل التعقيدات».ورداً على سؤال آخر عما اذا كانت «النصرة» متمسكة رغم اعتذار المطارنة بمطلب اطلاق 10 سجناء مقابل كل اسير، رفض التعليق حرصاً على الملف، ومكتفياً بالاشارة الى ان «لا قول نهائياً في المطلق. فالامور أخْذ وعطاء، وانا متفائل في موضوع العسكريين، ويجب ألا ننتظر ان يكون كل شيء مجانياً، فأحياناً تأتي امور مجاناً وأحياناً اخرى تكون شبه مجانية ومرات تكون لقاء دفْع ثمن ما».وشدد على ان «الباب لم يغلق ونرفض قول ان المنافذ سُدت، والامور ما زالت تسير ونأمل خيراً وان يعود العسكريون سالمين في اقرب وقت، وليس بالضرورة ان يعودوا دفعة واحدة».