بعد 32 يوما على اندلاع أحداث عرسال التي «استولدت» ملف العسكريين الأسرى لدى «داعش» و»جبهة النصرة» والذي باتت «فتائله» متداخلة مع «الصواعق» السياسية والأمنية التي تتحكّم بالواقع اللبناني وتتشابك مع الوضع الاقليمي «اللاهب»، صارت هذه القضية عالقة بين «مطرقة» فيتو صريح تضعه قوى سياسية وازنة وتحديداً فريق 8 آذار مدعوماً من النائب وليد جنبلاط على مبدأ مقايضة المخطوفين بموقوفين في السجون اللبنانية، و»سندان» عدم قدرة رئاسة الحكومة والفريق السياسي المؤيد لبتّ هذا الملف ولو «بالتبادل» ( ولا سيما تيار المستقبل ) على السير بالشروط والمطالب «التعجيزية» لتنظيم «الدولة الاسلامية» خصوصاً في هذا الشأن، فيما يسود ما يشبه «الرعب» من ان تطلق «داعش» جولة جديدة من التفاوض «على حد السيف» بتصفية احد الجنود الذين تحتجزهم مع ما يمكن ان يفضي اليه ذلك من تداعيات خطيرة ولا سيما اذا صحّت التوقعات بأن «قرار الإعدام» صدر بحق العسكري علي الحاج حسن (شيعي ) وان الأخير صار بمثابة Dead man walking.وبدا واضحاً ان هذا الملف صار الشغل الشاغل لبيروت بعدما وجدت نفسها امام «كرة ملتهبة» يصعب إطفاؤها ولا سيما في ظل الانطباع بأن الطرف الثاني من «خيط النار» يرتبط بمعركة القلمون وآفاقها والدور «المرغوب» من بعض الاطراف المحليين للجيش اللبناني فيها، وهو ما يجعل هذه القضية امام تعقيدات على طريقة لعبة «الماتريوشكا» الروسية مع توقعات متضاربة حيال مآل الحلول فيها.وازدحمت التطورات المتصلة بهذا الملف، امس، وظهّرت الصعوبات التي تعترض وضعه على سكة الانفراج والتي تتصل في شقّ منها بالتفاوض على خطين منفصليْن الجاري مع كل من النصرة (عبر الشيخ مصطفى الحجيري) و»داعش (عبر قنوات سرية قطرية وربما تركية) اللذين يبدو وكأنهما يخوضان سقفين متفاوتين للتفاوض على طريقة «الشرطي السيء والشرطي الجيد، وفي شقّ آخر بالهامش المتاح امام السلطات اللبنانية لملاقاة مطالب التنظيمين.وفيما شكّل الموقف الصادر عن اجتماع المطارنة الموارنة الشهري برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي تنديداً ضمنياً بحرق راية «داعش» في محلة الاشرفية في خطوة نددت بها «النصرة» واعتبرتها مساً براية المسلمين (التوحيد)، ساد الترقب اذا كانت الجبهة ستعتبر اعلان المطارنة «في سياق الوحدة الداخلية وميزة العيش المشترك اننا نشجب الأعمال اللامسؤولة التي يرتكبها البعض بخفة، إبتغاء لفتنة طائفية عبر المس بالرموز الدينية، ونطالب بضبطها، بمثابة الاعتذار الذي كانت طالبت به والذي أكده الشيخ مصطفى الحجيري عبر «الراي» اول من امس، واذا كان ذلك سيدفعها الى الافراج عن العسكرييْن المسيحييْن اللذين كانت علّقت إطلاقهما يوم السبت (مع العسكريين الخمسة الذين افرجت عنهم) احتجاجاً على حرق الراية في الاشرفية، ام انها ستصرّ على ربط تخليتهما بالشرط الثاني المستجدّ الذي بات ينطبق على كل مَن تحتجزهم وهو مبادلة كل منهم بعشرة موقوفين.وفي موازاة ذلك، يُنتظر ان يحضر مجمل ملف الاسرى على طاولة مجلس الوزراء اليوم وسط تقارير تحدثت حساسية وصعوبة اثارة ورقة الشروط التي طرحتها «داعش» والتي تتضمن صقفاً عالياً جداً يقوم على اطلاق سراح الأشخاص المتورطين اما بتفجيرات ارهابية في العامين الماضييْن أو باشتباكات ويخضعون للمحاكمة او حوكموا بدءاً بموقوفي فتح الاسلام، بالإضافة إلى الطلب بضمانات مالية وحمل الدولة اللبنانية على الضغط على حزب الله للانسحاب من سورية.وعلى وقع الـ «لا» الحاسمة من 8 آذار وجنبلاط لمبدأ المقايضة، فان هذا الفريق يبدي مرونة في قضية تسريع المحاكمات للموقوفين الاسلاميين وهو ما يعتبره في الاساس تطوراً بديهياً، الا ان ذلك لا يُعتبر كافياً لإحداث اختراق في المفاوضات.وتبعاً لذلك، وفي حين يعترض طريق إطلاق موقوفين محكوم عليهم ضرورة صدور إما عفو عام عن مجلس النواب (لا يلتئم اصلاً هذه الايام) وإما عفو خاص عن رئيس الجمهورية (تنوب عنه الحكومة مجتمعة ويكفي اعتراض وزير واحد لمنع صدوره)، تتركز الانظار على امكانات إطلاق موقوفين لم تصدر بحقهم أحكام وذلك عبر التقدم بطلبات إخلاء سبيل لمَن لا يزال ذلك ممكناً في ملفه، او اعتماد القضاء سلطته الاستنسابية في اختصار مدة بعض العقوبات الخفيفة بحق بعض المحكومين أو أولئك الذين شارفت مدة محكوميتهم على نهايتها.ونُقل امس، عن مصادر قضائية استعدادها لدرس أي طلبات إخلاء سبيل جديدة ولكن بمعزل عن قضية العسكريين المخطوفين ووفق ما يقتضيه القانون والملفات الملاحقين فيها.وأشارت المصادر الى تلفزيون LBCI إلى ان مَن كان يتوجب إخلاء سبيله في ملف الموقوفين الاسلاميين قد أخلي قبل أن تستجد قضية العسكريين المحتجزين لدى الجماعات المسلحة.في موازاة ذلك، وعلى وقع اتساع رقعة الاتصالات، امس، في محاولة لفرْملة تهديد «داعش» بقتل أحد العسكريين لفرض تنفيذ المطالب التي يطرحها التنظيم، برزت التقارير ان «داعش» قام بتنحية امير التنظيم في القلمون «أبو طلال» عن المفاوضات في قضية العسكريين وتكليف «أبو حسن السوري» مكانه، علماً ان هذا الامر ترافق مع معلومات لم تتأكد عن تكليف رأس التنظيم ابو بكر البغدادي عبر القيادة الهرمية لـ «داعش» في منطقة ريف دمشق الغربية ابو الحسن السوري ببسط سيطرته على منطقة جرود القلمون.ولم تحجب هذه التطورات الانظار عن وداع بلدة فنيدق (عكار) الرقيب علي السيد الذي كان «داعش» اعلن قبل اسبوع عن ذبحه وسلّم جثته الاثنين الماضي، وسط «عرس غصب» بالرصاص والزهور والتكبيرات عمّ مناطق واسعة في شمال لبنان ولا سيما عكار والقلمون التي شهدت قطع طرق اعتراضاً على السياسيين الرافضين لمبدأ التفاوض لاطلاق بقية العسكريين ومعلنين « لا يمكن لنا السكوت واولادنا يعودون الينا مقطوعي الرؤوس »، وفي ظلّ مخاوف من ردات فعل قد تطاول النازحين السوريين او توتّرات في مناطق مختلطة مذهبياً.
خارجيات
ملف العسكريين المخطوفين بين «الشروط المستحيلة» والمخارج... الصعبة
الراعي اعتذر ضمناً عبر مجلس المطارنة عن حرق راية «داعش»
مشيعون يحملون نعش الجندي اللبناني علي السيد الذي قطع مسلحون من «داعش» رأسه أخيراً في بلدة عرسال (رويترز)
04:01 م