ارتفع منسوب «حبْس الأنفاس» في لبنان مع دخول ملفّ العسكريين الأسرى لدى تنظيميْ «داعش» و»جبهة النصرة» مرحلة حاسمة و»بالساعات»، فإما يحصل الانفراج الكامل باستعادة مَن بقي من المخطوفين (عددهم بين 23 و 28) وفق آلية تفاوض ترعاها الحكومة وتقوم على المبادلة بموقوفين اسلاميين (غير محكومين) في سجن رومية، او تتفاعل «الرياح الساخنة» التي هبّت على خلفية هذه القضية وتَداخل فيها السياسي بالأمني والطائفي والمذهبي والمناطقي منذراً بانزلاق البلاد الى أتون توترات تحمل «بصمات» الحرب الاهلية اللبنانية وتطلّ على «عواصف» المنطقة وتحديداً الواقعيْن السوري والعراقي.ومع إطلاق «جبهة النصرة» ليل السبت اربعة جنود لبنانيين وعنصراً من قوى الامن الداخلي كانت تحتجزهم لديها منذ 2 اغسطس الماضي، وما ادّت اليه هذه الخطوة من «تنفيس» الاحتقان نسبياً في الشارع الذي كان «يغلي» مع تحركات اهالي المخطوفين المتواصلة في اكثر من منطقة، زاد مستوى التفاؤل بامكان بلوغ هذا الملف خواتيم سعيدة تساهم في سحب فتائل تعقيداتٍ لبنان بغنى عن الوقوع فيها ولا سيما في ظل مخاطر «مذْهبة» الخاطفين للملف وهو ما تجلى بتعمُّد «النصرة» إطلاق الأسرى «السنّة» وربْط الافراج عن المسيحييْن لديها بتبرؤ أهلهما من احراق «راية المسلمين» (داعش في الاشرفية) والتزام الحياد بينها وبين «حزب الله»، ومهددة بتصفية الاسرى «الشيعة» اذا شارك «حزب الله» في معركة «تحرير قرى القلمون» التي اعلنت انها تستعدّ لها.وبدا واضحاً ان رئاسة الحكومة اللبنانية تسعى الى احتواء «نار الفتنة» الطائفية والمذهبية وملامح «الغضب» الشعبي حيال نحو مليون ونصف نازح سوري في لبنان التي حملتها تطورات ملف الأسرى ولا سيما منذ إعلان «داعش» عن ذبْح الجندي علي السيّد وتوزيع صور ثم شريط فيديو عن العمليّة التي لم تؤكدها بعد قيادة الجيش، وصولاً الى اثارة حساسية طائفية خطيرة بعد بث صور لحرق راية «داعش» في الاشرفية (بعد ثلاثة اسابيع على حصول الواقعة) والردّ على ذلك بحرق صلبان في طرابلس وكتابة عبارة «الدولة الاسلامية قادمة» على جدران كنيستين فيها.وتبعاً لذلك، تفعّلت الوساطة التي يضطلع بها الشيخ مصطفى الحجيري مع «النصرة» وايضاً تلك التي تقوم بها قطر عبر قنوات سرية مع «داعش» في محاولة لإسدال الستار على هذه القضية من ضمن «سلّة واحدة» اذا أمكن، وهو ما جعل «الدولة الاسلامية» تمدّد المهلة التي كانت منحتها لتلبية شروطها بإطلاق موقوفين من رومية وإلا تصفية الاسرى العسكريين لديها (عددهم 10) الواحد تلو الآخر. علماً ان تقارير كانت تتوقع ان يشهد يوم امس الافراج عن مزيد من الاسرى في إطار التمهيد لإنهاء الملف.وفي حين تتحدث معلومات عن ان الخاطفين سلّموا السلطات اللبنانية مطالب واضحة لناحية أسماء المطلوب الإفراج عنهم وغالبيّتهم من موقوفي فتح الإسلام (اوقفوا العام 2007)، ومَن بقي مسجوناً من ملف خطف الأستونيين، إضافة إلى من أوقفتهم الأجهزة الأمنية بجرائم متصلة بعمليات التفجير الإرهابية التي وقعت في لبنان، بدا ان مقاربة لبنان لملف الموقوفين تراوح بين حدّيْ التسريع في المحاكمات للاسلاميين الموقوفين باعتبار ان قسماً كبيراً منهم لم يُحاكم بعد، والافراج عن بعض مَن ليس عليهم أحكام وضمن شروط وذلك لقاء إطلاق الاسرى. علماً أن معوقات قانونية تحول دون إطلاق محكومين، لان هذا لا يحصل الا بعفو يصدره رئيس الجمهورية (منصبه شاغر) أو بقانون يصدره مجلس النواب (عمله معطّل).وكان الاجتماع الامني الذي عقده الرئيس تمام سلام اول من امس تميّز بمشاركة رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر بالتزامن مع معلومات تحدثت عن وجود استعداد رسمي للبحث في إمكان إطلاق سراح موقوفين في رومية مقابل الإفراج عن جميع العسكريين المخطوفين في صفقة متكاملة وايضاً مقابل ضمانات باستكمال المحاكمات بالسرعة المطلوبة وفي معزل عن ملف العسكريين المخطوفين.ونُقل عن مصادر لبنانية مطلعة على تفاصيل الاجتماع الامني ان «مبدأ التبادل» أُقر، ولكن لبنان ليس في وارد إطلاق محكومين او موقوفين في ملفات نهر البارد وفتح الاسلام او ممن اتُهموا بالقيام بتفجيرات ارهابية في البلاد في العامين الماضيين، موضحة ان امكان التفاوض قائم على بعض مَن اوقفوا خلال أحداث عرسال الأخيرة او ممّن لم تصدر بعد بحقّهم أحكام قضائية.وبحسب هذه المصادر، فان جبهة «النصرة» تطلب إطلاق عماد جمعة الذي كان توقيفه اشعل أحداث عرسال في 2 اغسطس الماضي، وجمانة حميد التي كان ألقي القبض عليها أثناء قيادتها سيارة مفخخة في جرود عرسال، ونحو 15 سورياً مسلحاً معارضاً.وقد اعلن الرئيس سلام امس أن «الحكومة تتعامل مع قضية الأسرى باعتبارها أولوية قصوى لا يتقدم عليها أي هم آخر. وهي تبذل أقصى الجهود، وتسعى بكل السبل، من أجل الإفراج عنهم وإعادتهم سالمين إلى عائلاتهم. وسنقف جميعا، يدا بيد، وسنقدم كل ما نملك، من أجل أن نحررهم ونوفيهم بعض حقهم علينا». واضاف إن «الوصول الى النتيجة التي نريدها جميعاً لهذا الملف الإنساني الشائك، يتطلب أقصى درجات التضامن، ومساندة الدولة ومؤسساتها ودعم الجهود التي تقوم بها. كما يتطلب صبرا وحكمة، وابتعادا عن الاثارة والاستعراضات الإعلامية التي تجلب الضرر ولا تحقق منفعة (...)».
خارجيات
«حبس أنفاس» ومفاوضات حاسمة على خطي «النصرة» و«داعش»
بيروت تقرّ مبدأ مبادلة العسكريين الأسرى بموقوفين
اقارب الجنود اللبنانيين الذين خطفوا في عرسال يقطعون طريقاً في طرابلس (رويترز)
04:01 م