شكّلت الاستحواذات الضخمة خلال العقد الماضي عنواناً لحضور الشركات الكويتية التي صالت وجالت يمنية ويسرة في الخارج، بعضلات القطاع الخاص الذاتية، ومن دون العضلات الحكومية التي كانت تساند استحواذات الشركات الخليجية المنافسة. لكن الحال تغيّر وباتت الشركات الكويتية محل اهتمام الشركات الخليجية للاستحواذ عليها. فكيف انتهى زمن الاستحواذات وحلّ زمن التخارجات؟اتكأت الشركات الكويتية في عمليات تمددها الخارجي في العديد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا قبل الأزمة على سيولتها العالية من جهة، وقدرة ورغبة البنوك الاستثنائية في تمويل مثل هذه التوسعات.بيد أن المعطيات الموضوعية تغيّرت بعد زلزل الأزمة المالية العالمية في العام 2008، والذي أدى إلى انهيار مؤسسات عالمية مرموقة وبنوك عريقة فضلاً عن تسبّبه بإفلاس دول بعينها.وبينما كانت الاستحواذات السمة البارزة لسنوات «الرخاء»، جاءت التخارجات لتفرض نفسها بقوة على سنوات «الشدة» ما بعد الأزمة.ولاشك أن شركة زين قادت عصر الاستحواذات الكويتية، فالشركة الرائدة في قطاع الاتصالات المتنقلة نفذت سلسلة عمليات ضخمة بدأت مع صفقة مع شراء أسهم «فاستلينك» في الأردن عام 2003 مقابل نصف مليار دولار تقريباً، تلتها صفقتان واحدة في نيجيريا مقابل مليار دولار، وأخرى لشراء أسهم ثالث أكبر مشغل للهاتف المحمول في أفريقيا (سلتل) مقابل 2.54 مليار دولار، ورابعة في السودان بلغت قيمتها 1.3 مليار دولار. نحو 5.5 مليار دولار أنفقتها «زين» في عمليات الاستحواذ التي نفذتها خلال 3 أعوام تقريباً، لتكون بذلك واحدة من كبرى شركات الهاتف المحمول في القارتين الصفراء والسمراء على حد سواء.من جهتها، نفذت شركة الوطنية للاتصالات (أوريدو لاحقا) استحواذات لا تقل أهمية عن تلك التي أجرتها زميلتها «زين»، فهي بادرت في العام 2003 إلى شراء 50 في المئة من أسهم «توينزيانا» التونسية مقابل 2.54 مليار دولار، إلى جانب صفقة الاستحواذ على 71 في المئة من أسهم «نجمة» الجزائرية مقابل ملياري دولار تقريباً.بدورها، استحوذت شركة دار الاستثمار على «أستون مارتن» البريطانية عام 2007، مقابل نحو نصف مليار جنيه إسترليني. واشترت «جروزفينر هاوس» في قلب العاصمة البريطانية لندن إلى جانب العديد من الصفقات الأخرى.غير أن ما قبل أزمة 2008 لم يكن كما بعدها على الإطلاق، لاسيما وأن غالبية الشركات الكويتية تكبّدت خسائر كبيرة لم تستطع تجاوزها حتى اللحظة، فيما حاولت الشركات (المعدودة) ذات الملاءة المالية العالية والأقل تأثراً بتداعيات هذه الأزمة، أن تحفظ وجودها وتدعّم موقفها تحسباً لأي هزات ارتدادية للزلازل المدمّر.ست أعوام مرت على أزمة 2008 ولا يزال السوق الكويتي بخلاف العديد من الأسواق الخليجية وتحديداً الإماراتية والسعودية والقطرية غير قادر على الخروج من كبوته.ولعل نهاية عهد الاستحواذات الكويتية على شركات في الخارج، مقابل نشاط الاستحواذات الخارجية وخصوصاً الخليجية على شركات محلية، يمثلان أحد أبرز سمات المرحلة الراهنة.الاستحواذات الخارجيةنفذت الشركات الكويتية خلال السنوات الأربع الماضية العديد من عمليات التخارج «الثقيلة»، فقد أتمت شركة «زين» قبل نحو 5 أعوام وتحديداً في يناير من العام 2010 تخارجها من «زين أفريقيا» لصالح شركة «بهارتي إيرتل» مقابل نحو 11 مليار دولار.«زين» أكدت حينذاك أن عوائد الصفقة ستستخدم في سداد قرض بقيمة 4 مليارات دولار كانت الشركة قد حصلت عليها عام 2006 من مصارف محلية وعالمية.كان واضحاً أن ظروف الأزمة المالية العالمية دفعت «زين» إلى بيع أصولها الأفريقية، خصوصاً بعدما تبين أن نمو الوحدات الأفريقية بطيء ومن شأنه أن يستنزف أرباح الشركة الأم.وقبل الأزمة، شهدت السوق الكويتية عملية استحواذ كبرى أيضاً، نفذتها شركة «أوريدو» القطرية (كيوتل سابقاً) على شركة الوطنية للاتصالات الكويتية («أوريدو» حالياً)، وقد تمت المرحلة الثانية من الصفقة بالاستحواذ على حصة الهيئة العامة للاستثمار وحصص أخرى صغيرة قبل عامين بقيمة 519 مليون دينار وبسعر 2.6 دينار للسهم الواحد.بيد أن الصفقة التي أحدثت ردود فعل إيجابية في البورصة الكويتية، لم تكن الوحيدة في قطاع الاتصالات تحديداً، فبعد أقل من عامين فقط وقعت شركة البحرين للاتصالات (بتلكو) اتفاقية للاستحواذ على 46 في المئة من أسهم شركة «كواليتي نت»، لترفع الشركة البحرينية حصتها في نظيرتها الكويتية إلى 90 في المئة.وبعيداً عن قطاع الاتصالات، تناقلت وسائل الإعلام الإماراتية في نهاية شهر فبراير الماضي أنباء مفادها أن مجموعة «أرابتك» القابضة تعتزم الاستحواذ على شركة مقاولات محليّة، لكن الأمر ظل في إطار التكهنات والتصريحات.وفي السياق نفسه، كشفت وكالة «بلومبرغ» قبل أسابيع أن مجموعة «صافولا» السعودية، التي تُعد من أكبر شركات الصناعات الغذائية في العالم العربي، تسعى للاستحواذ على الشركة الكويتية للأغذية (أمريكانا). وبحسب المعلومات «الشحيحة» التي رشحت عن الصفقة المحتملة، من المتوقع أن تتخطى قيمة صفقة بيع «أمريكانا» 4 مليارات دولار. وإن تمّت فستكون إحدى أكبر الصفقات في الشرق الأوسط حيث تشهد المنطقة نشاطاً في نشاط الأسهم الخاصة على خلفية النمو الاقتصادي وتحسن الأسواق المالية.الشريعانيرى الرئيس التنفيذي لشركة «كي آي سي» للوساطة فهد الشريعان أن «الخلل الواضح الذي يعتري الاقتصاد الكويتي برمته، إنما يعكس خللاً عاماً في منظومة متكاملة تبدأ بالحكومة وأدواتها من أنظمة وقوانين وآليات معقدة، وتمتد لتطال الشركات الخاصة التي لم تعمل بدورها في وقت «الرخاء» (قبيل الأزمة المالية) على بناء هياكل مالية وإدارية تقوم على قواعد وأسس صحيحة وسليمة، وهو ما انعكس بما رأينه إثر نشوب الأزمة العالمية».ويفند الشريعان في تصريحات لـ «الراي» رؤيته من خلال التشديد على أن كافة العوامل تلعب دوراً مؤثراً في الواقع الاقتصادي المتردي، بدءاً من الحكومة ومجلس الأمة، مروراً بالمحفظة الوطنية وهيئة الاستثمار وصولاً إلى غياب قانون الإفلاس وقانون المصارف وغيرها من القوانين الأساسية التي لا يستقيم العمل الاقتصادي بدونها.ويعتبر الشريعان أن هيئة الاستثمار تحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية كونها تبادر إلى الاستثمار في الخارج من دون أن تعير السوق الكويتي الاهتمام الكافي، لافتاً إلى أنها تستطيع أن تخصص جزءاً من استثماراتها للسوق المحلي، لاسيما وأن هناك العديد من الفرص الحقيقة في الكويت، وضرب الشريعان مثالاً على ذلك ما تفعله الصناديق السيادية في الدول الخليجية المجاورة.من ناحية ثانية، لفت الشريعان إلى أن إنعاش الوضع الاقتصادي يستدعي اتخاذ قرارات استراتيجية سريعة من شأنها العمل على تحسيّن البيئة الاقتصادية، لجعلها أكثر جذباً للاستثمارات، مبيناً في هذا السياق أن هناك غياباً واضحاً للسيولة في ظل ضعف الاقتراض وقلة الدعم الحكومي من جهة، وقلة العوائد التي يجنيها المستثمر في السوق المحلية من جهة ثانية.واعتبر الشريعان أن «لا أزمة في الكويت، بل ما نراه ونعيشه في الوقت الراهن هو تداعيات الأزمة لأن ما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي فإن القطاع الاقتصادي يدفع ثمن «تفريخ» وإنشاء العديد من الشركات الشكلية أو الوهمية والتي لم تقم بالأصل على أسس اقتصادية سليمة».الثامرمن جهته، أكد خبير أسواق المال محمد الثامر أن لا وجه للمقارنة بين ما قبل الأزمة وما بعدها، فأوضاع الشركات اختلفت وكذا واقع المنافسة بين هذه الشركات.وأوضح الثامر في تصريحات خاصة لـ «الراي» أن سعي الشركات الخليجية للاستحواذ على شركات كويتية يعود إلى سبيبن رئيسيين، أولهما أن العديد من الشركات الكويتية تعاني مشاكل مالية واضحة، وثانيها أن هذه الشركات (الكويتية) يمكن أن تشكل إضافة نوعية ومهمة للشركات الخليجية الساعية إلى دخول السوق المحلي نظراً للعوائد الجيدة التي تحققها. واعتبر الثامر أن البنوك تبدو أكثر الأطراف حماسة لإتمام مثل هذه الاستحواذات كونها تشكل لها فرصة كبيرة لتسوية ديونها مع الشركات المتعثرة.وتقاطع موقف الثامر مع زميله الشريعان لجهة ضعف الإنفاق الرأسمالي والبيئة الاستثمارية الطاردة وغير المشجعة للمستثمرين المحليين، مستشهداً في هذا الإطار بالإنفاق الحكومي الضخم في المملكة العربية السعودية التي اتخذت سلسلة من القرارات وآخرها فتح البورصة أمام الأجانب لتطوير وتحسين بيئتها الاستثمارية، ناهيك عن سن قوانين جديدة لتنظيم إقامة مصانع الإسمنت والبتركيماويات بالإضافة إلى مصانع التجميع وغيرها من القطاعات الاقتصادية التي تؤمن فرص عمل للسعوديين وتعزز المناخ الاستثماري في البلاد. كما أشار الثامر إلى تجربتي قطر ودبي اللتين فازتا على التوالي بتنظيم كأس العالم 2022، ومعرض «إكسبو 2020»، وهذا المشروعان كفيلان من وجهة نظر الثامر بإشعال المشاريع والحركة الاقتصادية في كلا البلدين، فيما الكويت تكتفي بمراقبة ما يجري حولها فقط.وبين الثامر أن البيئة الاقتصادية في الكويت غير صحية، بدليل أن البورصة والمتداولين يتفاعلون مع أي أنباء قد ترد في شأن إجراء أي صفقة استحواذ على أي شركة، نظراً لأن مفهوم البورصة قائم على فكرة المضاربة بعيداً عن مفهوم الاستثمار الحقيقي.
اقتصاد
صعوبة التمويل وضعف الاقتصاد وتردّي حال السوق أسباب لتراجع حضور الشركات الكويتية في الخارج
كيف انتهى زمن الاستحواذات... وحلّت التخارجات؟
11:45 م