لا شيء يعلو فوق صوت «القنابل الموقوتة» في الأمن والسياسة التي «تقبض» على الواقع اللبناني القابع في «عنق زجاجة» أزمة مؤسسات يشكل الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية أبرز تجلياتها، وفي «فوهة البركان» السوري الذي بدأت «حممه» تنذر بتداعيات مرعبة ولا سيما من بوابة عرسال ما لم يتم تدارُك الوضع بقفل الثغر التي يمكن ان تَنفذ منها المفاجآت... غير السعيدة.وشكّلت أحداث عرسال التي وقعت اول من امس بين الجيش اللبناني ومسلحين في جرود البلدة البقاعية أقوى «جرس إنذار» إلى ان «صاعق عرسال» الذي كان فجّر في 2 اغسطس مواجهات ضارية مع تنظيميْ «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» لم يُعطّل بعد، بل انه مرشّح لمزيد من التفاعلات و«الجولات» ربطاً بـ «ألغام» أخرى يُخشى ان تتشابك لتُدخل لبنان في «النفق المخيف».ففيما لا يشي المناخ المتصل بالاستحقاق الرئاسي بأي تبدُّل في معادلات التعطيل التي تحكمه، بدا لبنان امام مخاوف كبرى من انزلاق البلاد إلى الأتون السوري من بوابة «مثلثة الضلع» هي:* ان تتحوّل عرسال وامتدادها نحو القلمون السورية «ملعب نار» للأزمة السورية ولا سيما مع التقارير التي تلقاها مجلس الوزراء من ان آلافاً من مسلحي «الدولة الاسلامية» يرابطون عند الحدود اللبنانية - السورية لجهة القلمون التي يبدو انها تتحضّر لمواجهات حاسمة بين النظام السوري مدعوماً من «حزب الله» وبين التنظيمات الارهابية وخصوصاً في ضوء نشوة انتصارها عقب سقوط مطار الطبقة بأيديها، وهو ما ترافق مع مخاوف من تدفق المزيد من المسلحين إلى جرود عرسال وأفواج جديدة من النازحين. وهذا الامر حدا بوزير الداخلية نهاد المشنوق إلى التحذير من «ان أي توسع داعشي على الأرض السورية، من شأنه أن يؤدي إلى موجة نزوح غير مسبوقة باتجاه لبنان، كما سيزيد المخاطر الأمنية عبر الحدود»، وتالياً لم يستبعد احتمال قفل الحدود اللبنانية ـ السورية في حال بلوغ الأمور حد تهديد الأمن الوطني».* الارتدادت المحتملة في حال تأكّد ان «الدولة الاسلامية» عمدت إلى ذبح احد الجنود اللبنانيين الأسرى لديها، ولا سيما في ظل المخاوف من امكان ان يجرّ ذلك إلى صدامات «انتقامية» مع نازحين سوريين، وهو ما كانت اولى مؤشراته لاحت بعد معركة عرسال حيث برزت ملامح نقمة ضد النازحين.* الغموض الذي يلفّ ملف العسكريين الاسرى والذي سيكون اذا ثبت إعدام الجندي اللبناني علي السيّد انتقل إلى مرحلة اخرى كلياً محفوفة بالكثير من المخاطر وسط الحضور القوي للسياسة والشارع في هذه القضية التي تبذل رئاسة الحكومة مساعي حثيثة لتحقيق إجماع وطني على سبل مقاربتها (عبر التفاوض مع الخاطفين)، وهو ما حمل الوزير المشنوق إلى زيارة العماد ميشال عون حيث حضر هذا العنوان إلى جانب ملف عرسال والنازحين في شكل رئيسي.وفيما ساد الهدوء الحذر امس جرود عرسال وسط تضارُب روايات حول ملابسات مواجهات اول من امس التي أسفرت عن فقدان جندي، ارسل الجيش المزيد من التعزيزات لدعم اللواء الثامن المنتشر في المنطقة تحسباً لأي مفاجآت عسكرية.ولم تحجب تطورات عرسال مصادفة الدعوة رقم 11 لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية الثلاثاء المقبل، مع مرور مئة يوم ويوم على الفراغ الذي تربع على كرسي الرئاسة في لبنان منذ 25 مايو الماضي.ورغم الانطباع السائد بان ما من شيء يوحي بإمكان كسر المأزق الرئاسي في وقت قريب، فان دوائر مراقبة في بيروت تتحدث عن تطور مزدوج قد يؤدي إلى احداث كوة في جدار الازمة، يمكن من خلاله امرار عملية انتخاب رئيس للجمهورية في غضون الشهرين المقبلين، وهو التطور الذي يرتبط بالمناخ المستجد بين ايران والسعودية من جهة، وتعاظم خطر الارهاب من جهة اخرى.قيادي بارز في «14 آذار» بدا اكثر ميلاً للتشاؤم وهو يناقش سبل كسر المراوحة في الملف الرئاسي، وقال لزواره ان موفديه في باريس وواشنطن لم يلمسوا اي تغيير في الموقف الدولي الذي يولي الاستقرار الاولوية من دون اي مبادرة في اتجاه تشكيل قوة ضغط لانتخاب رئيس جديد.وأعرب هذا القيادي المعني بالملف الرئاسي عن اعتقاده ان «14 آذار» استهلكت ما في جعبتها من مبادرات لانقاذ رئاسة الجمهورية من الفراغ، ولم تؤد مرونتها وانفتاحها إلى دفع الطرف الاخر لملاقاتها في منتصف الطريق، مشيراً إلى ان «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بزعامة العماد عون يتشاركان في تعطيل انتخاب الرئيس، الاول لحسابات استراتيجية والآخر لاعتبارات شخصية.والاكثر اثارة للانتباه في كلام هذا القيادي كان «تفكيره بصوت عالٍ» عما اذا كان في الامكان اللجوء إلى تحركات ما للضغط في اتجاه «تعطيل» التعطيل الذي يمارسه الطرف الاخر... ربما الدعوة لاضراب شامل او ما شابه من تحركات، خصوصاً في ضوء غضب البطريركية المارونية المتعاظم من استمرار الفراغ في الموقع المسيحي الاول في البلاد.غير ان اوساطاً بارزة في «8 آذار» بدت وكأنها تعول على عودة الحرارة إلى الحوار السعودي - الايراني وامكان انعكاسه التلقائي على مواقف اطراف الصراع المحلي لجهة تنفيس الاحتقان لا سيما بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، ما من شأنه تسهيل التوافق على مرشح تسوية للرئاسة.وتحدثت هذه الاوساط عن «ملامح مشجعة» في هذا الاتجاه «فالتعاون القائم بين الوزير المشنوق وحزب الله لا ينطوي على مزاج شخصي للمشنوق بقدر ما هو ينبع من توجه لدى الرئيس سعد الحريري، الذي شكلت عودته السياسية إلى بيروت فرصة لكسر الجليد مع الآخرين».ولفتت هذه الاوساط، في سياق حشدها الادلة على المناخ الاقل توتراً بين «المستقبل» و«حزب الله»، إلى ما اعتبرته اشارة ذات مغزى اطلقها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة عندما تحدث عن «انتصار المقاومة في حرب يوليو 2006 مع اسرائيل»، خصوصاً ان «8 آذار» غالباً ما تتعاطى مع السنيورة وكأنه «عدوها اللدود».تحت هذا السقف من القراءات المتعددة لـ «اللحظة» التي سيتصاعد منها الدخان الابيض في الملف الرئاسي، يستمر التداول باسماء المرشحين المحتملين كـ «تسوية»، وفي مقدمها «جين - جين»، أي (قائد الجيش) جان قهوجي و(الوزير السابق) جان عبيد، إضافة إلى آخرين كحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والوزير السابق زياد بارود والنائب السابق روبير غانم وسواهم.