تشير الأجواء الحكومية إلى وجود توافق ضمني على «طبخة» جديدة لتعديل قانون هيئة أسواق المال، وفق قواعد جديدة تتيح لهيئة أسواق المال الإمساك بزمام المبادرة وممارسة دورها في اقتراح التعديلات، كما ينص عليه القانون.وأشارت مصادر حكومية لـ«الراي» إلى أن «تعيين الدكتور نايف الحجرف رئيساً لمجلس المفوّضين الجديد يتيح إطلاق ديناميّة جديدة لبحث التعديلات، التي لم يعد هناك شك في الحاجة إليها، من دون تسييس او مواقف شخصية من النوّاب، ومن دون عناد من الهيئة».وبينت المصادر أن «المسار الأفضل لتعديل القانون أن تاتي المقترحات من الهيئة نفسها، وفقاً للصلاحية المعطاة لها في القانون، لتُقرّها الحكومة بمشروع قانون، وتتم إحالتها إلى مجلس الأمة، ولا مانع من الاستئناس بما هو مفيد من الاقتراحات النيابيّة وآراء الجهات ذات الاختصاص التي تم عرضها أمام اللجنة المالية البرلمانية في دور الانعقاد الماضي».ومعلوم أن مجلس الأمة ناقش في يونيو الماضي مقترحات نيابية عدّة تناولت تعديل 45 مادة في القانون، واستدعت اللجنة المالية البرلمانية الجهات ذات الصلة للاستماع إلى رأيها، مثل غرفة التجارة والصناعة واتحاد مصارف الكويت واتحاد الشركات الاستثمارية ولحجنة سوق الكويت للأوراق المالية وغيرها.وأظهرت تقرير اللجنة المالية في ختام تلك المناقشات وجود شيء من التوافق على نقاط عدة، منها فصل عمل مجلس المفوّضين عن العمل التنفيذي في الهيئة من خلال استحداث منصب الرئيس التنفيذي أو المدير التنفيذي، وتعديل قواعد الاستحواذ الإلزامي، وإعادة النظر بالاستقلالية المالية المطلقة للهيئة التي تتيح لها وضع ميزانيتها وتنفيذها من دون إشراف أو رقابة من وزارة المالية، وكذلك بالمبالغة في الاستقلالية الإدارية التي تجعلها فوق أي نقد أو محاسبة.وشكل اجتماع لجنة التحقيق النيابية في تجاوزات هيئة سوق المال أمس أول اختبار للعلاقة بين النواب والهيئة بعد تعيين الحجرف، الذي لا يزال مسافراً خارج البلاد. وأكد رئيس مجلس مفوضين هيئة سوق المال بالوكالة الدكتور فيصل الفهد في تصريح للصحافيين في مجلس الامة عقب حضوره اجتماع اللجنة انه ابلغ لجنة التحقيق البرلمانية في تجاوزات هيئة سوق المال «استعداد الهيئة التام التعاون مع اللجنة في كل ما تطلبه من معلومات، بما يتوافق مع الدستور والقانون».وقال الفهد «اجتمعنا مع لجنة التحقيق البرلمانية واكدنا لها ايماننا التام باهمية الدور الرقابي لمجلس الأمة، كما اكدنا لها التعاون التام معها في كل ما تطلبه من بيانات او معلومات، بما يتوافق مع الدستور والقانون واحكام المحكمة الدستورية».وشدد الفهد على انه «ليس لدى هيئة سوق المال ما تخفيه عن لجنة التحقيق البرلمانية، وكل المعلومات متاحة امام الاخوان في اللجنة طالما جاءت ضمن اطار الدستور والقانون». وأضاف «نؤكد على اهمية الدور الذي يقوم به مجلس الامة ولجان التحقيق البرلمانية، وهو في الحقيقة مكمل لدورنا ومساند له، والوصول للحقيقة هدف الجميع».عمل استباقيويعوّل كثيرون على تعيين الحجرف لردم الهوة بين الهيئة والمستثمرين وزيادة التواصل معهم لايجاد بيئة صحية لمعالجة جاذبية سوق الاوراق المالية بدرجة كبيرة.ودعا مدير مركز الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون في تصريح لوكالة «رويترز» الحجرف الى القيام «بعمل استباقي» اذا أراد أن ينتقل بالهيئة لوضع أفضل. وقال «عليه أن يقترح تعديلات مهنية على قانون هيئة أسواق المال.. تعديلات تنبع من الخبرة المتراكمة في تطبيقه. تعديل محترف بدلا من التعديل السياسي المقبل من مجلس الامة».وأكد أن على الحجرف أيضا «إعداد معايير التعيين (في وظائف الهيئة) لان أكبر مدخل يضعف الهيئة ويغري السياسيين بالتدخل فيها هو عمليات التوظيف.. لذلك عليه أن يضع جدارا مثل جدار الصين بين التعيينات والتدخل السياسي أو المصلحي». وحذر مدير أول ادارة الاصول الاستثمارية في شركة الدار لادارة الاصول الاستثمارية (أدام) فؤاد عبدالرحمن الهدلق من المساس باستقلالية الهيئة في أي تعديل مقبل لان هذا الامر سيضر بالسمعة الدولية لبورصة الكويت ويضع عقبات أمام تعاملها مع المنظمات الدولية.وقال «إن أي تعديل في القانون باتجاه جعل الهيئة غير مستقلة سيحرم بورصة الكويت من الوصول لمستوى الاسواق الناشئة.. لان هيئة أسواق المال عندئذ لن تكون متمتعة بالاهلية الكافية».الحوكمةوتشكل قواعد الحوكمة التي ترغب الهيئة في تطبيقها على الشركات المدرجة احد أهم الملفات الساخنة التي تنتظر الرئيس الجديد حيث يعارضها كثير من المستثمرين قائلين انها غير متدرجة وتحمل الشركات تكاليف اضافية ولا تفرق بين الشركات الصغيرة والكبيرة كما أنها تدخل في كثير من تفاصيل العمل ولا تكتفي فقط بوضع القواعد العامة والخطوط العريضة.وتتضمن القواعد فصل منصب رئيس مجلس الادارة عن الرئيس التنفيذي والافصاح الفوري عن المعلومات للسوق واقامة نظام للرقابة الداخلية وادارة المخاطر.وأدى تزايد الانتقادات الى تراجع الهيئة في ابريل عن تطبيقها وتأجيل الموعد النهائي لالزام الشركات بقواعدها الى 30 يونيو 2016 بدلا من 31 ديسمبر 2014. وقالت الهيئة في حينها ان قرار التأجيل جاء «حرصا منها على التيسير والتسهيل على تلك الشركات لتطبيق هذه القواعد.. واستشعارا من الهيئة للمعوقات التي تعترض بعض الشركات المعنية بتطبيق قواعد الحوكمة وبغية قيام الشركات بالوصول الى التطبيق الكامل لقواعد الحوكمة».وأعرب مدير المجموعة المحاسبية في شركة الصالحية العقارية الكويتية محمد المصيبيح عن تفاؤله بتعيين الحجرف رئيسا لهيئة المفوضين والعصيمي نائبا له لانهما محاسبان وهو ما كانت تفتقده الهيئة لاسيما في تطبيق قواعد الحوكمة والافصاح.وقال المصيبيح «جاء الوقت الذي يجب فيه تغيير القرارات التي قللت التداولات وأشاعت التخوف في السوق... لابد أن ينظروا نظرة شاملة لقواعد الحوكمة.. لا يكفي تأجيلها بل لابد من تغييرها... وأن تكون أكثر مرونة».وأظهر استطلاع لرويترز شمل 12 مديرا لصناديق دولية في فبراير أنهم وضعوا الكويت في المركز الاخير بين خمس أسواق كبيرة في الشرق الاوسط في ما يتعلق بافصاح الشركات وتفعيل القواعد التنظيمية في مواجهة التعاملات غير المشروعة.لكن الهدلق اعتبر أن «نهج الادارة الجديدة لن يختلف كثيرا عن الادارة السابقة.. فكلاهما يستهدف تحقيق الشفافية ومحاربة السلوكيات الخاطئة ومنع تسريب المعلومات الداخلية».وعن التشدد في تطبيق القواعد على التداولات قال الهدلق «التشدد لم يكن قرار شخص وانما هو سياسة مؤسسة... أي مرونة يمكن أن تبديها الهيئة لن تكون بنفس الدرجة التي يريدها المضاربون».ويرى مدير شركة العربي للوساطة المالية ميثم الشخص أن التكلفة العالية التي تفرضها قواعد الحوكمة على الشركات كانت أحد الاسباب الرئيسية لعزوف الشركات عن سوق الكويت للاوراق المالية الذي شهد هذا العام انسحاب عدد من الشركات منه.وقال الشخص «الاقتناع بتأجيل قواعد الحوكمة هو في حد ذاته اقتناع بوجود عوائق.. قواعد الحوكمة الهدف الرئيسي منها هو تقليل التكلفة والممارسة السليمة في الادارة.. اذا كان تطبيقها ينتج عكس هذا الامر اذا أنا أسير في الاتجاه المعاكس».ويلوم كثير من المستثمرين على هيئة أسواق المال فرض رسوم يصفونها بالمبالغ فيها على الشركات المتعاملة مع البورصة ومنها شركات الوساطة المالية اضافة للغرامات والمخالفات التي تحصلها الهيئة لصالحها. وأكد الشخص أن الادارة الجديدة تحتاج لان تعيد النظر في الرسوم المفروضة على شركات الوساطة المالية والبالغة 100 الف دينار لكل شركة سنويا والتي جعلت قطاع شركات الوساطة المالية غير جاذب للمستثمرين ويهدد هذه الشركات بالخطر. وستكون شركات الوساطة المالية ملزمة خلال السنتين المقبلتين برفع رأسمالها الى 10 ملايين دينار طبقا للقواعد التي تفرضها الهيئة.وقال الشخص ان 11 شركة وساطة مالية رأسمالها أقل عشرة ملايين دينار من أصل 14 شركة تعمل في السوق الكويتي معتبرا أن شركات الوساطة «ليست بحاجة لمثل هذا الرقم (10 ملايين دينار).. بل ان ثلاثة ملايين دينار أكثر من الحاجة حاليا.. والهيئة تعلم هذا الامر».خصخصة البورصةومن المقرر أن تتحول بورصة الكويت الى شركة خاصة بعد أن تنتهي الاجراءات القانونية لذلك والتي تجري حاليا. وتملك هيئة أسواق المال الكويتية شركة البورصة بالكامل خلال المرحلة الانتقالية التي يجري فيها تهيئة الشركة لطرح أسهمها للمواطنين والشركات المسجلة في البورصة.يبلغ رأس المال المصرح به للشركة الجديدة 60 مليون دينار. ومن المقرر أن تطرح أسهم شركة البورصة بنسبة 50 في المئة للاكتتاب العام للمواطنين و50 في المئة للطرح في مزاد علني على عشر شرائح متساوية للشركات المسجلة في سوق الكويت للاوراق المالية. وقال السعدون «على الحجرف أن يعرف كيف يحمي البورصة خلال الفترة الانتقالية من القطاع العام الى القطاع الخاص. انها مرحلة حساسة.. ادارة هذه المرحلة تعتبر اختبارا رئيسيا». وأضاف أن عليه أيضا أن «يرتقي بالسوق الى مرتبة الاسواق الناشئة كما فعلت قطر والامارات وهذا له متطلبات فنية كثيرة منها.. مستوى السيولة ونوعية البيانات الصادرة (من الشركات المدرجة).. لسنا بالضرورة بحاجة للاستثمار الاجنبي وانما نحن بحاجة أن تكون المعايير والمقاييس لدينا متقدمة».
اقتصاد
المبادرة تعود إلى مجلس المفوّضين والحكومة... مع «الاستئناس» بالمفيد من مقترحات النواب
«طبخة» جديدة لتعديل قانون «هيئة الأسواق»
باب موارب للتفاهم بين النواب وهيئة الأسواق (تصوير أسعد عبدالله)
12:53 م