«صرخة» أطلقها أقرب المقربين إلى زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، ابن شقيقه نعيم عون، منذرة بوجود تصدُّع في «البيت العوني» بحاجة إلى معالجة قبل فوات الأوان ولاسيما انه يعكس أزمة ثقة متمادية.عبارات نعيم عون ليست عابرة، ففي ثنايا الكتاب المفتوح الذي وجّهه عبر احدى الصحف اللبنانية بعنوان «التيار الحر وتحديات المستقبل»، ملامح «ثورة» على سلوك استمر أعوام، وهو لم يتوان عن كشف بعض «المستور» مما يعيشه «التيار الحر» اذ قال: «اليوم، إن جيلاً جديداً بكامله في التيار يعيش أزمة ثقة بالذات وبالقيم والمبادئ، بعد ما قدّم «فلس الأرملة» في مسيرة نضالية طويلة على مدى ربع قرن، حتى أننا صرنا نسمع كثيرين يجاهرون بعدم استعدادهم للقيام بأي جهد نضالي بعدما أدركوا أن الشعارات الكبيرة هي مجرد خدمة لمصالح صغيرة، ووجدوا أنفسهم غرباء في زحمة متسلقي كل العهود ممن باعوا أنفسهم وكانوا مستعدين لبيع وطنهم لأجل المنصب والثروة والسلطة والنفوذ، بينما قدّم غيرهم كل شيء دفاعاً عن قيم وأفكار اعتنقها بملء إرادته»، منهياً كتابه «بالدعوة الى عدم الاستسلام».وبعد أسبوع على هذه الرسالة ظهرت مجموعة تطلق على نفسها اسم «ثوّار لبنان»، استحدثت صفحة على الفايسبوك كتب عليها واحد من أبرز الناشطين في «التيّار الوطني الحر» أنطون حرب أسئلة عدّة تصب جميعها في وحول عدم الثقة بمستقبل تيار طالما دعمه ومشى معه لا عكسه.المطلب الأساسي لنعيم عون وللمعارضة التي أطلقت على نفسها «ثوار لبنان» هو تحويل «التيار الحر» إلى «مؤسسة حزبية ديموقراطية وفقا لنظام داخلي عصري وحديث»، بحسب أحد الناشطين المعارضين في التيار الذي رفض الكشف عن اسمه لـ «الراي»، آملاً في عدم توسيع الشرخ وافساح المجال أمام الاتصالات الجارية، مشدداً على أن الأكثرية الساحقة في التيار «تدعم وجهة نظرنا، ونحن على تواصل دائم مع «الجنرال» سواء من خلال العرائض والرسائل أم من خلال لقائه مباشرة، من دون أن يكون التجاوب بحجم المطالب اذ كانت تحصل خطوات تنظيمية واعدة ما تلبث أن يتم تجميدها ما دفع بابن شقيق العماد عون إلى رفع الصوت عالياً».أما توقيت رسالة ابن شقيق عون، القيادي البارز في «التيار الحر»، والذي اعتبره المؤيدون غير بريء، فردّه المصدر المعارِض إلى رمزية 7 اغسطس لدى التيار الذي تم اعتقال العشرات من مناصريه في ذلك التاريخ من العام 2001 على يد النظام الامني اللبناني - السوري الذي كان يمسك بلبنان حينها.وعما إذا كان جميع «ثوار لبنان» يقفون إلى جانب نعيم عون، أكد المصدر أن «ثوار لبنان» جزء من الحركة الاعتراضية لكن ابن شقيق الجنرال يمثل كل الحركة الاعتراضية في التيار ومن ضمنهم «ثوار لبنان». واعتبر أن انغماس العماد عون بالمعارك السياسية وجعله الأولوية للسياسة وليس للتنظيم الداخلي هو السبب بعدم اقرار أي نظام داخلي رغم المطالبات المتكررة منذ اعوام»، مضيفاً: «رغم أننا ناقشنا عدة أنظمة لكن الخلافات كانت تتمحور حول آلية انتخاب الرئيس والقيادة، اذ في حين يصر المؤيدون على انتخاب الرئيس من القاعدة على أن يقوم بعدها بتعيين القيادة كاملة كونه أخذ تفويضاً من القاعدة، تصرّ المعارضة على قيادة حزبية منتخبة وانتخابات ديموقراطية حتى على مستوى هيئات المناطق والأقضية والقرى والمدن».وأكد المصدر «ان اعتراضنا هو فقط على التنظيم الداخلي ووضعنا لا يشبه وضع أي شخص آخر انشقّ وبدأ بمهاجمة الجنرال في السياسة مثل اللواء أبو جمرا»، موضحاً «اننا نؤيد كل مواقف العماد عون السياسية من علاقته بالطائفة الشيعية وموقفه من المدّ الأصولي في المنطقة ووضع المسيحيين في لبنان ووجهة نظره لتركيبة لبنان ودوره في محيطه الإقليمي».الوزير السابق ماريو عون القيادي في «التيار الحر» والقريب من العماد عون، اعتبر في حديث لـ «الراي» أن «نعيم عون ناشط عبّر عن رأيه لكن الأكيد أن هذا ليس رأي القاعدة بشكل عام، والطروحات ليست واقعية، فالجميع يدينون بالولاء للرئيس عون وما يحصل بين الحين والآخر قرارات وتصرفات تجري داخل أي حزب سياسي، ونعيم كان من الأوائل الذين قصدوا المستشفى للاطمئنان على صحة العماد بعد تعرضه لحادثة كسر يده».وعما إذا كان الخلاف على ثوابت التيار أم وراثة القيادة أجاب: «موضوع الوراثة غير وارد، لم يتحدث العماد عون حتى الآن مع أي شخص في هذا الموضوع وهو يتمتع بحالة صحية وعقلية ممتازة وأنا طبيبه الخاص، وبالتالي لماذا سيطرح موضوع خلافته؟ أعتقد أن البعض مستعجل لتبوء المناصب ولهذا آراؤهم مجحفة بحق القيادة. مَن يعمل يصل ومن لا يعمل لن يصل، لذلك أطلب من نعيم أن يخفف انتقاداته (...) وعلينا توخي الحذر وتخفيف هذه اللهجة والانتقادات التي تؤثر سلباً على قوة التيار وفعاليته».وأعرب عن تفاؤله بـ «أنها أزمة عابرة والجنرال يعقد لقاءات واجتماعات مع المنتقدين للتوصل إلى حل، فالعماد عون ليس بعيداً عن أحد، وفي النتيجة جميعهم أبناؤه».عضو قوى 14 آذار الياس الزغبي «المنشقّ» عن «التيار الحر» أكد لـ «الراي» أن «انحراف التيار عن سياسته وخطه الوطني الاستقلالي ليصبح جزءاً من السياسة والتبعية الاقليمية، وهو ما توّجه بتوقيعه ورقة التفاهم مع حزب الله (العام 2006)، جعل منه تابعاً لهذا الحزب وللنظام السوري، وهذه من الأسباب التي دفعتني للتخلي عنه في العام 2005».الزغبي اعتبر أن «الحركة الاحتجاجية قد تكون تأخرت لكنها بالتأكيد ظهرت بعد تراكم أخطاء الاداء السياسي لقيادة التيار بدءاً من العماد عون والبطانة المحيطة به»، وقال: «في تقديري ان هذه الانتفاضة الأخيرة صادقة لكنها غير قادرة على بلوغ أي مكان متقدم»، لافتاً الى انه «بعد مرور تسع سنوات على الوعود بوضع نظام داخلي للتيار، جل ما قام به عون هو تقريب الأقربين وإبعاد الأبعدين والمقصود من ذلك الاتكال على البيئة العائلية الضيقة وبعض المحسوبين على البطانة العائلية على طريقة الحكم «المافيوي» و«الأوليغارشية».عملياً لم يتوقع الزغبي نتيجة ايجابية من هذا الحراك المعارض مع أن الذي يقوده ابن شقيق العماد عون «فاذا كان نعيم عون يتمتع بإرادة طيبة، يجب ألا ننسى أنه كان مكلفاً في السابق وضمن توزيع أدوار مارسه العماد عون على ثلاثة من اقربائه هم صهره (الوزير جبران باسيل) وابن شقيقته (النائب آلان عون) وابن شقيقه، بامتصاص نقمة المعارضين داخل التيار. وطبعا هذه النقمة قديمة عمرها 15 عاماً وكانت تظهر مرات وتخفت مرات أخرى، وكان نعيم ولمدة طويلة مكلفاً إظهار نفسه معارضاً في الداخل للبقاء بالقرب من المعارضين حتى يتمكن من احتوائهم. واليوم شعر نعيم بأنه شاهد زور وبأن التيار يتراجع شعبياً وسياسياً بعدما أضاع بوصلته السياسية، لكنني متأكد أن العماد عون سيعمل على امتصاص النقمة ووقف حركة الاعتراض التي أتوقع أن تكون مجرد زوبعة في فنجان».
خارجيات
«الراي» تحدثت إلى قريبين منه ومنشقّين عنه
اتّساع رقعة السائرين «عكس» ... تيار عون: ثورة على «الوراثة»... «انتفاضة» سياسية أم زوبعة في فنجان؟
02:31 م