طغت التطورات المتعاقبة المتعلقة بقضية الأسرى العسكريين من الجنود اللبنانيين وأفراد قوى الأمن الداخلي لدى تنظيميْ «داعش» و«جبهة النصرة» منذ أحداث عرسال في 2 اغسطس الجاري، على كل الملفات السياسية المفتوحة في لبنان.وفيما يصادف اليوم مرور 3 أشهر على شغور موقع رئاسة الجمهورية، يبدو واضحاً ان قضية الأسرى وتداعيات أحداث عرسال قد أُخضعت بدورها من الجانب الداخلي لتوظيف سياسي كان من أبرز دلالاته ردّ قائد الجيش العماد جان قهوجي على كثير من المواقف التي طاولته في هذا الملف عقب حملة إعلامية وسياسية حملت رسائل «متعددة الاتجاه».على ان ما جرى في اليومين الاخيرين من نشر شريطيْن مسجليْن للأسرى لدى كل من «داعش» (تحتجز 11 جندياً وجثة عسكري) و«النصرة» (تحتجز 15 رجل امن و 3 جنود) بعد تعليق «هيئة العلماء المسلمين» وساطتها بين الحكومة اللبنانية والخاطفين، أملى واقعاً جديداً محفوفاً بتعقيدات ومخاوف باتت تفرض على ما يبدو تعاملاً مختلفاً من الجانب اللبناني الرسمي مع هذه القضية الشائكة.وحسب مصادر معنية في هذا الملف تحدثت الى «الراي»، فان عطلة نهاية الاسبوع شهدت مشاورات بعيدة عن الأضواء ساهم فيها رئيس الحكومة تمام سلام وقيادة الجيش وجهات سياسية أخرى تركّزت على ضرورة إبعاد ملف الاسرى العسكريين بسرعة عن الأضواء الإعلامية والسجالات السياسية نظراً الى خطورة هذا المنحى في وقت تعمد الجهات الخاطفة الى ممارسة الابتزاز على الجهات اللبنانية وأهالي الاسرى والرأي العام اللبناني.واشارت المصادر الى ان «كثيراً من المعطيات التي تداولتها بعض الصحف اللبنانية عن وساطات جديدة قطرية وتركية وسواها بدا متسرعاً جداً ومفتقداً الدقة في وقت يصعب فيه على الجهة الحكومية المولجة إدارة هذا الملف تكذيب او نفي او إعطاء معلومات عند كل مفترق نظراً الى خطورة اي خطوة علنية على سلامة الأسرى». ولذا تنظر المصادر بارتياح واسع الى الأسلوب الذي يتبعه رئيس الحكومة تمام سلام في إمساكه بإدارة هذا الملف والذي يعتمد التكتم التام، فيما تلتزم قيادة الجيش ترك الامر لرئيس الحكومة واستمرار التنسيق السري بينهما حيال كل تطور يحصل. ولفتت الى ان «نشْر التنظيمين الخاطفيْن لشريطيْ فيديو في يومين متعاقبين شكل رسالة ضمنية الى استعدادهما للتفاوض ولو بقنوات جديدة من جهة وممارسة الضغوط على الجهات الرسمية من جهة اخرى. وإذ ظهر من الشريطين ان التنظيمين يحتجزان ما مجموعه 29 عسكريا ورجل امن، فان ثمة 4 او 5 جنود من الجيش لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن ولم تظهر وجوههم مع العسكريين الاسرى وسيكون ملفهم عرضة لتطورات التفاوض الذي يفترض ان يتحرك عبر القنوات الجديدة».  ووسط هذه الاجواء، لا يبدو المشهد السياسي مرشحاً لأي تغيير في المرحلة القريبة المقبلة وخصوصاً بعد موجة السجالات الحادة التي أثارها اقتراح «تكتل التغيير والاصلاح» برئاسة العماد ميشال عون لتعديل دستوري يتيح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة والذي أطلق ردوداً رافضة من جانب قوى «14 آذار» فيما التزم الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله» الصمت حياله. ولفتت أوساط بارزة في «14 آذار» على صلة وثيقة بالبطريركية المارونية لـ «الراي» الى ان «هذا الاقتراح زاد منسوب التوتر بين عون والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي لم ينظر الى الاقتراح بارتياح بل عدّه زيادة في تعقيد الأزمة الرئاسية».وإذا كان هذا الجانب شغل فراغ الأيام الأخيرة سياسياً بالسجالات الاعلامية، فإن الأوساط نفسها لفتت الى ان ملف الانتخابات النيابية الذي دخل منذ أسبوع مرحلة سريان المهلة القانونية لإجراء الانتخابات في مدة أقصاها 20 نوفمبر المقبل قد وُضع هو الآخر على رف التجميد مع ما ينطوي عليه الامر من محاذير قانونية ودستورية. فما لم يتم التوافق السياسي على اجراء الانتخابات او التمديد لمجلس النواب سيترتب على وزارة الداخلية ان تمضي في الإجراءات الآيلة لإجراء الانتخابات تبعاً للمهل التي تفتح باب الترشيحات ومواعيد إقفالها منطقة اثر منطقة، كما سيتعيّن عليها تشكيل الهيئة المشرفة على الانتخابات وإصدار لوائح تعيين رؤساء الأقلام وتوزيعهم على المناطق الى إجراءات اخرى كثيرة. وهو الامر الذي سيضغط بقوة على سائر المعنيين لاستعجال بت الأزمة وعدم تركها من دون حلّ واضح فيما يجري استعمال هذا الملف ايضاً في اطار الأوراق الضاغطة المتبادلة بين فريقيْ «14 آذار» و«8 آذار».وتقول هذه الاوساط ان ثمة فرصة محدودة لبتّ الاتجاه المتعلق بهذا الاستحقاق بعدما وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري قوى «14 آذار» امام أمر واقع بإعلانه رفض التمديد بما فُهم منه انه يشترط اعادة احياء جلسات التشريع لمجلس النواب اولاً قبل التوافق على التمديد ومدته. وهو الامر الذي تدور حوله المناورات السياسية راهناً علماً ان بري سيكون له موقف من هذه التطورات مجتمعة في كلمة سيلقيها في نهاية الشهر الجاري لمناسبة ذكرى تغييب الامام موسى الصدر بعدما الغي المهرجان التقليدي لحركة «أمل» في هذه المناسبة واستعيض عنه بكلمة متلفزة لبري لدواع امنية.وكان بارزاً امس موقف لـ «حزب الله» بلسان رئيس كتلتة نوابه محمد رعد عبّر عن الامتعاض من تجميد عمل البرلمان وعكس دخول الحزب على خط الضغط لإطلاق عجلة التشريع اذ اعلن  انه «إذا كان الدستور قد نص على تعاون وتكامل السلطات، فإذا لم يُنتخب رئيس للجمهورية لماذا نعطل المؤسسات الأخرى؟ تعالوا لنتفاهم ولنلح على التفاهم من أجل تحريك عجلة إنتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، لكن التعطيل لا ينتج شيئاً». وفي السياق نفسه رأى نائب «حزب الله» علي فياض أن «الممارسات التي لجأ إليها البعض عندما قام بتعطيل الجلسات التشريعية بحجة كون الحكومة في حال تصريف أعمال، ومن ثم عطل الجلسات التشريعية للبرلمان بحجة الشغور الرئاسي تمثل انتهاكاً خطيراً ومتعمداً للدستور وتدوس من دون اكتراث على مصالح المواطنين»، لافتاً الى ان «الموقف السياسي الحكيم يفترض أن يأخذ في الإعتبار كل الأوضاع الخطيرة التي تحوط بلبنان، وأن يتم حصر الشغور المؤسساتي بمنصب الرئاسة، واعتبار ذلك حال شاذة يجب معالجتها بأسرع وقت والعمل على تفعيل الدور التنفيذي للحكومة وصون الدور التشريعي لمجلس النواب عوض اللجوء إلى توسيع دائرة الفراغ المؤسساتي كي يطال «البرلمان».

دعا إلى مبادرات شجاعة قبل 2 سبتمبر

الراعي للتخلّي عن العوائق الشخصية والفئوية أمام انتخاب رئيس

| بيروت - «الراي» |دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكتل السياسية والنيابية إلى «مبادرات شجاعة قبل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية المحددة في الثاني من سبمتبر المقبل تبدأ بالتخلي عما يعوق اكتمال النصاب وانتخاب الرئيس»، معتبراً ان و«الكتل أدرى بهذه العوائق الشخصية والفئوية». وقال الراعي في عظة ألقاها في قداس الاحد «ان مشكلة مجتمعنا اللبناني هي التشبث بالرأي الشخصي والنظرة الشخصية كأمرٍ مطلق، ودعوة الآخرِ إلى السير بهما»، لافتاً إلى ان «هذا الواقع أوصل الكتل السياسية والنيابية إلى مأزق عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وتعطيل النصاب في الجلسات الانتخابية»، ومشدداً على انه «ينبغي أن يتصف الرأي والنظرة بالنسبية، وأن يتحرر صاحبها من مصلحته الخاصة ومن ذاته، كي يتكامل مع الرأي الآخر والنظرةِ الأخرى المختلفتين، فيصار إلى صوغ الرأي الذي يجمع والنظرة التي توحد، والقرار الذي يخدم الخير العام»، ومعتبراً ان استمرار الشغور «بعد خمسة أشهر وعشر جلسات انتخابية رئاسية فاشلة يطعن في الصميم كرامة المجلس النيابي ولبنان وشعبه».وتطرق إلى زيارته قبل ايام على رأس وفد من بطاركة الشرق منطقة اربيل في كردستان العراق فقال: «هي محنة الإيمان يعيشها المرضى والمظلومون والنازحون والمهجرون، وبخاصة مسيحيو الموصل وبلدات وقرى سهل نينوى في العراق، الذين طردهم تنظيم «داعش» المعروف بالدولة الإسلامية، وعددهم مئة وخمسون ألفا. لقد زرناهم الأربعاء الماضي في مدينة أربيل بضاحيتها عين كاوا المسيحية، في إقليم كردستان. هناك التقيناهم حيث يعيشون باكتظاظ في الكنائس وداخل قاعاتها وتحت الخيم في ساحاتها وبالقرب منها، وفي هياكل أبنية غير مكتملة. ورأينا الاساقفة والكهنة والاكليريكيين والراهبات والمتطوعين يعيشون معهم ويخدمونهم بشكل منظم في أكلهم وشربهم ومداواة مرضاهم. شعب يقبل واقعه بالألم والصبر والصلاة، وثقتهم كلها بالكنيسة كجسر خلاص وعودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم. والتقينا المسؤول عن الإيزيديين وقدمنا مساعدة مادية لهم، وقد قتل تنظيم داعش العديد منهم، وسبى نساءهم. ومازال معظمهم يعيشون في العراء في جبل سنجار».وأضاف: «أعربنا في زيارتنا عن تضامننا الكامل مع الجميع، روحياً ومعنوياً ومادياً، والتقينا رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البارزاني، ورئيس الحكومة السيد نجرفان البارزاني، فشكرناهما على حسن الاستقبال للنازحيين، وقدمنا لهم مطالبهم ونحن على أبواب الشتاء والمدارس والجامعات. وما أوصانا به مسيحيو العراق، وقد عبروا عن همهم، هو: المحافظة على لبنان في عيشه المشترك المتوازن والمتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وفي صيغته الميثاقية القائمة على التنوع في الوحدة، كنموذج للبلدان العربية، وكضمانة للوجود المسيحي فيها».