جرت العادة عند تشكيل الحكومة أن يوزر نائب أو أكثر انطلاقاً من فكرة توثيق العلاقة بين الحكومة والمجلس النيابي، وكسب المزيد من الدعم للسياسات الحكومية وتخفيف التوتر أو الخلافات بين السلطتين، فضلاً عن توثيق الصلة والتعاون بين السلطتين على القضايا التي عادة ما يحدث فيها الخلافات وعدم الاتفاق...لاشك أن المبدأ العام في توزير النواب لا خلاف عليه، خصوصاً اذا كان الوزير النائب من الكفاءات المشهود له بالمهنية والنزاهة والعمل والإخلاص في واجباته وتحمله للمسؤوليات، وليس العكس حيث التحيز لجماعته وفرض اتجاهاته السياسية أو نزعاته الطائفية التي تتنافى مع المطالب الشعبية أو السياسة العامة للدولة.كل المحاولات السابقة في توزير النواب لم تكن ناجحة أو محققة لأهدافها التي كانت تسعى لها الحكومة أو حتى المجلس النيابي بدليل استمرار النزاعات والخلافات بين السلطتين، وانفراط التماسك وحدوث المواجهات، وكثرة الاستجوابات التي لا معنى لها وتعكس الشخصانية، بل إن فكرة التوزير للنواب زادت الطين بِلة بمساهمة بعض الوزراء النواب في تخريب المؤسسة الحكومية من خلال تعيين الأحباب والمحسوبين عليهم في الانتخابات... أو لدوافع طائفية وقبلية سلك البعض طريق تنفيع الجماعة في التعيينات والترقيات وأسبقية الحصول على المزايا ما تسبب في المزيد من التفكك والشعور باليأس والإحباط.فبدل أن ينشغل الوزير النائب في تطوير وزارته ومعالجة المشكلات المتراكمة فضّل التركيز على تقديم الخدمات لناخبيه، ومساعدتهم في حل مشكلاتهم، والاهتمام بهم من دون إدراك بإنه وزير في حكومة يجب أن يخدم الجميع، ويتعامل مع الجميع بمسطرة واحدة وبعدالة...نقول إن المهم ليس في توزير النواب ولكن في وضع نظام لسلوك مؤسسي لعمل الكتل النيابية حيث لا يسمح بالتعدي على اختصاصات السلطات، أي ان الحاجة ماسة أولاً إلى تحديث عمل المجلس النيابي، فلا يكون عضو المجلس النيابي شريكاً أو منظماً لمسيرة تنادي بإسقاط الدولة أو التعدي على رموزها، أو يكون هدفاً للحصول على أموال وهبات أو مزايا تتعارض مع مسؤولياته كنائب مؤتمن أقسم على رعاية مصالح الناس، ولأنه يمثل الأمة لا يجوز له نقل نشاطاته خارج الدولة او أن يتعاون مع جهات خارجية تخلق الشبهات، وأحياناً الإساءة للدولة.لقد وجد أن غالبية النواب الذين تم توزيرهم تخلو عن برامجهم الانتخابية، وضيعوا أصوات ناخبيهم وتطلعاتهم إذ إن العضو النيابي بعد تسلمه الحقيبة الوزارية أصبح دوره مختلفا بسبب كونه عضوا في الحكومة حيث لا يجوز له في هذه الحالة أن يكون عمله رقابياً ومشرعاً كما اراد له ناخبوه وتضامنوا لفوزه في الانتخاب.إن تجربة توزير بعض النواب في السابق تظهر شدة اهتمام البعض بتحسين صورهم أمام ناخبيهم على أمل أن يوثقوا علاقاتهم بناخبيهم في المستقبل، وأن يحظوا بشرف إعادة انتخابهم اذا ما استدعت الاوضاع ذلك...واقع كهذا لا يشجع على توزير النواب في نظامنا السياسي الذي لا يتبنى نظام الأحزاب الخاضع للقانون. فاختيار الوزراء مبني على اجتهادات ومعارف وعلاقات وواسطات من أصحاب النفوذ ومراكز القوى والتمثيل السياسي او حتى الطائفي الذي يجعل رئيس الحكومة لا يملك الخيار في الاختيار الا باتباع العرف التقليدي السائد في التشكيل الحكومي. لذلك لا يشعر المواطن بجدية اداء الحكومة في انجازها لاحتياجات الدولة أمام تفشي الفساد في المؤسسات الحكومية، وبيروقراطية الإدارة، وعجز الوزراء عن معالجة أكوام المشكلات التي تتفاقم بمرور الوقت، هذا في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة انها تقود التنمية وجادة في تنفيذها، وأنها حريصة على تشكيل حكومات قوية قادرة على خدمة المجتمع، وتفعيل دور المؤسسات التابعة لها من خلال الشفافية والمحاسبة والالتزام بالقانون.أن توزير النواب هو الاتجاه الأكثر شيوعاً في الانظمة السياسة الحزبية ذات الأغلبية البرلمانية التي تحظى عادة بدعم شعبي يمكنها من النجاح في انتخابات نزيهة، وعلى أساس برامجها الموجهة للتنمية، أو تحقيق مطالب شعبية يتم على أساسها محاسبة الحزب أو رئيس الحكومة على مستوى الانجاز الذي حدث، أو الفشل الذي يؤدي أحياناً إلى الإطاحة بالحكومة...فتوزير النائب في هذه الحالة يهدف إلى تعزيز مكانة الحزب وفاعلية دوره في تنفيد برامج الحزب وتوجهاته العامة، وهي برامج تحظى بتأييد الغالبية، لأنها هي التي جعلت هذا الحزب يفوز على منافسيه من الأحزاب الأخرى... واقع كهذا لا يسمح أن يكون دور الوزير النائب مجرد تلبية رغبات ناخبية المخالفة للقانون، فهو محاسب على ما يفعل من حزبه، وليس فقط من رئيس الحكومة....yaqub44@hotmail.com
مقالات
صدى الكلمة
توزير النواب
11:16 ص