اضطررت اضطرارا لمشاهدة هذا الفيلم... كنت قد ذهبت إلى دار السينما كعادتي التي أحرص عليها ولا أحب أن أتنازل عنها أبدا في متعة الذهاب إلى السينما ومشاهدة الأفلام... لأن الشاشة الفضية الضخمة والعملاقة والقاعة التي تلمع بعيون المشاهدين تجعلني أسعد بالفيلم الذي أراه أكثر مما لو شاهدته في التلفزيون أو في أي سياق آخر.كان الزحام شديدا، المصريون يعتبرون أن الذهاب للسينما جزءا من فرحتهم بالعيد... وهذا شيء يجب أن نحرص عليه وأن نستغله وأن نربطهم بالفن... لأن من يشاهد فيلما سينمائيا أو عرضا مسرحيا لا يمكن أن يتطرف في يوم من الأيام... والذهاب للسينما يمكن أن يكون خط دفاع أول ضد التطرف والإرهاب الذي مازال يهدد مستقبل بلادنا...الفيلم الذي دخلته هو الذي كان ممكنا العثور على مقاعد فيه، رغم الإقبال غير العادي عليه. وبسبب تخصيص أكثر من قاعة لعرضه، أيضا لفت نظري ما قيل عن أنه فيلم من أفلام الخيال العلمي، أول ما يطالعك على الشاشة عبارة كتبها صناع الفيلم أنه ليس مسروقا من الفيلم الأجنبي: «ليلة في المتحف»، لكنه يشبهه جدا.. وتفهم من العبارة دون جهد أو عناء أن الفيلم - مثل غيره من كثير من الأفلام التي نشاهدها - مسروق بالثلث...يبدأ فيلم «الحرب العالمية الثالثة» بشاب يدخل متحفا للشمع تتحول فيه المنحوتات الشمعية إلى شخصيات من لحم ودم منذ منتصف الليل وحتى صباح اليوم التالي، ويصبح عليه أن يحبط بمساعدة شخصيات التماثيل الطيبة محاولة لتدمير العالم تقودها تماثيل رموز الشر في المتحف...صناع فيلم «الحرب العالمية الثالثة»، أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد وأصدقاؤهم والمخرج أحمد الجندي يحاولون حشد فيلمهم بالشخصيات والـ «إيفيهات» الأصلية، مصرية الموضوع والروح، ولكن الأكثر من ذلك هو محاولة نجاحهم في إعطاء عملهم معنى، ومغزى، مختلفا يعبر عن صناع الفيلم المصري وعن المجتمع الذي يعيشون فيه الآن...في هذه اللحظة التي يتساءل فيها كل المصريين بمختلف انتماءاتهم عن تاريخهم العام، وتاريخ جماعتهم وطائفتهم... في هذا الوقت الذي يتساءل فيه المصريون: من نحن؟ ومن أين أتينا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ وإلى متى تستمر هذه المرحلة الانتقالية التي طالت أكثر من اللازم؟ والتي تسلمنا ـ إن سلمتنا ـ لمرحلة انتقالية أخرى... وكأنه لا نهاية لكل هذا الانتقال، يأتي صناع «الحرب العالمية»... ليخربوا لهم هذا التاريخ، أو بالتحديد نظرة كل منهم المتعصبة والضيقة للفئة التي ينتمي إليها...مصيبة الفيلم غير العادية أنه «يمسخر» التاريخ، وينزع هالة التقديس عن تلك الرموز، ويفكك ويخرب التاريخ... والخطورة تكمن ليس في الفيلم ولا هدف صناعه... ولكن أمية المشاهدين الذين ربما لا يعرفون أصول هذه الشخصيات ولا ما قدمت لبلادها في مراحل تاريخية سابقة، ثم إن الرغبة في الانتقاد كامنة في الشخصية المصرية، وقد استمرت معها منذ سنوات بعيدة... وأنا لا أعتبر الشخصيات العامة التي لعبت أدوارا في تاريخ مصر مقدسة... ولكن يجب تناولها في إطار الأزمنة التي عاشت فيها.ولكن إذا اعتبرت أن الفيلم بما يطرحه وما يحاول أن يقول مصيبة، فإن نظرتك تلك هي المصيبة لأنها دليل على أنك لا تعي جيدا طبيعة الكوميديا ووظيفتها، وعلى أنك أسير للتفكير المتصلب الذي يرى العالم بلون واحد، ويرفض أن يمنح نفسه إجازة قصيرة أو فسحة صغيرة لإعادة التفكير في الأشياء...تتبلور فكرة الفيلم في ثلثه الأخير، عندما تنجح عصابة تديرها امرأة اسمها هويداـ إنعام سالوسة ـ في العثور على تعويذة فرعونية تبث من خلالها الأرواح في التماثيل الميتة، ومن خلال بعث رموز الشر تسعى للسيطرة على مصر والعالم، وتبدأ نشاطها بإخفاء الهرم الأكبر وطلب فدية من الحكومة المصرية قبل أن تقوم بإخفاء بقية معالم الحضارة والهوية المصرية، هنا يحدث الفعل الدرامي الذي يؤثر على حياة هذه التماثيل التي تشبه أصولها الحقيقية، والذي يساهم في تحولهم إلى أبطال جديرين بالرموز التي «يمثلونها»...وهنا يتضح المغزى الفعلي من وراء الفيلم، التماثيل التي تشبه صورتها هم أبناء هذا العصر الذين يعيشون فقط على ذكرى حضارتهم ويسيئون إليها بحاضرهم المخزي، وما بقي من جديتهم واعتزازهم بأصولهم هو ما يدفعهم إلى التمثل والتمسك بهذا الماضي ومحاولة إحيائه في الحاضر...تنجح قوى الخير داخل المتحف في صد غزوة الأشرار بمساعدة أسديّ قصر النيل، والبطل البشري، الفاشل والأحمق، الذي يتخلص من فشله وحماقته ويصبح بطلا حقيقيا ينقذ وطنه، والعالم، من المؤامرة...صحيح أن الفيلم ينتهي بمزيد من الإيفيهات والتفكيك، وهو أمر طبيعي لأن الواقع نفسه خارج دار العرض كما هو، يحتاج إلى قبلة حياة تبث فيه الروح من جديد.لم تعجبني أبدا صورة الرموز المصرية في الفيلم... أبوالهول حارس يحصل على رشوة حتى لو كانت سيجارة ليسمح بمرور أي شخص إلى أي مكان... وتوت عنخ آمون الذي تقول لنا كتب التاريخ إنه أجمل ملوك مصر يتحول إلى شاب بدين غبي لا يعرف كيف يتصرف في مواجهة أي موقف... محمد علي باشا رجل طيب ولكنه ضعيف... ورأفت الهجان يتخلى عن الجميع ليهرب إلى إسرائيل... وأحمد عرابي صاحب الثورة الشهيرة يظهر كبلطجي يريد استلال سيفه والضرب به طوال الوقت... أما صلاح الدين الأيوبي فلا نراه إلا مجرد رأس تمثال فقط يفشل في استعادة جسده وسرعان ما يذوب الرأس تحت تأثير النيران... بينما يسعى علاء الدين للحصول على جواز سفر ليسافر إلى ديزني لاند ليلقى ما يستحقه من اهتمام.فيلم ملغز ومحير، سمعت ضحكات الجماهير... وإن كنت لم أضحك، ورأيت تجاوب المشاهدين، وإن كنت لم أتجاوب، وتساءلت لحظة خروجي: إلى أين تأخذنا هذه السينما؟ فأنا لم أستمتع ولم أشعر بإضافة فكرية أو معنوية لوجداني طوال مشاهدة الفيلم.