يتجه المشهد اللبناني، في بُعديْه الداخلي والاقليمي، نحو مرحلة بالغة الغموض نتيجة اقتراب المسار التهادني الحالي من محطات انعطافية في رسم سيناريوات المستقبل القريب، وسط اولويات متناقضة لأطراف الصراع، الامر الذي من شأنه وضع البلاد إما في «ثلاجة» الانتظار عبر التمديد لـ «الستاتيكو» الحالي الى حين اتضاح اتجاهات الريح في المنطقة، وإما الجنوح نحو المزيد من الفراغ في مؤسسات الحكم الى الحد الذي يضع التوازنات داخل السلطة امام اختبار «فكّ وتركيب» من جديد.ففي اللحظة التي نشطت التحريات السياسية لمعرفة التأثيرات المحتملة لإزاحة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بـ «التراضي» بين الرياض وطهران، على المسار السياسي في بيروت، برزت اكثر من قراءة ولعل اهمها:* ان في الامكان «استنساخ» التوافق السعودي - الايراني «غير المباشر» على الحاجة الى قيام حكومة وحدة وطنية في العراق، بتوافُق مشابه يفرج عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد 85 يوما على احتجاز تحالف «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون عملية الانتخاب عبر مقاطعة جلسات البرلمان.* امكان سعي ايران الى التعويض عن تراخيها الاضطراري في العراق بتشدُّد أكثر في لبنان، وهي التي وجدت نفسها مرغمة في بغداد إما على تقديم تنازلات فعلية وإما على القيام بتراجع احتوائي من خلال التخلي عن المالكي والإفساح امام أدوار للآخرين كالولايات المتحدة في مشاركتها ادارة الوضع في العراق.وثمة مَن تعامل في بيروت مع «توقيت» العودة المفاجئة لرئيس الحكومة السابق، زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى لبنان بعد «تهجيره السياسي» لثلاث سنوات الى الخارج، على انه وثيق الصلة بمناخٍ اقليمي مستجدٍ أسست له تطورات العراق ولا يرقى الى مستوى التفاهم بين الرياض وطهران، لكنه ينمّ عن إطفاء محركات المواجهة المفتوحة في إطار أداء تكتيكي أقلّه لاستيعاب ارتدادات الزلزال الذي أحدثه انفلاش «داعش» في العراق وبلوغه تخوم دول عدة في المنطقة.غير ان التدقيق في لوحة «اولويات» الأطراف في الداخل اللبناني لا يشي بأن في الافق ما يوحي باقتراب لحظة الذهاب الى تفاهمات من شأنها كبح جماح الانزلاق اللبناني المتمادي مع القعر المفتوح، خصوصاً ان المواقف الاخيرة أظهرت ان لكل طرف «خريطة طريق» مغايرة في اولوياتها وموجباتها. وبرز هذا «الافتراق» في الأولويات في الوقائع الآتية:* ترتيب الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اولوياته انطلاقاً من دعوة الجميع الى الانخراط في المواجهة الوجودية ضد «داعش»، وإلا فان الحزب سيتولى هذه المواجهة بالنيابة عن الآخرين ومن دونهم، دعم الجيش اللبناني، اجراء مصالحات «موضعية» في المناطق، المحافظة على الحكومة القائمة، أما انتخاب رئيس للجمهورية فالامر متروك الى حاجة الآخرين للتفاهم مع العماد ميشال عون.* اعتماد الحريري ترتيبا مغايرا تماما للاولويات حين اقترح خريطة طريق لإنقاذ لبنان تقوم على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لانهاء الفراغ الرئاسي باعتبار هذه الاولوية تتقدم على اي مهمة وطنية اخرى، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة لإدارة المرحلة وتنظيم الانتخابات النيابية، اضافة الى انسحاب «حزب الله» من سورية وإعداد خطة وطنية شاملة لمواجهة ملف النازحين السوريين.* جدول الاعمال الواقعي الذي يتحرك في اطاره الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والقائم على ضرورة التوصل الى مرشح تسوية لرئاسة الجمهورية من دون انتظار اي اشارات اقليمية، ووضع الخلاف حول مشاركة «حزب الله» في المعارك في سورية جانبا باعتبار ان هذا الامر يرتبط بالسياسة الايرانية، اضافة الى ضرورة تحصين الواقع الداخلي في مواجهة خطر «داعش» الداهم.وكرر الزعيم الدرزي، امس، عبر قناة «سكاي نيوز- عربية» دعوته إلى «إيجاد مرشح تسوية لرئاسة الجمهورية»، مؤكدا ان «مرشح اللقاء الديموقراطي للرئاسة هو النائب هنري حلو المعروف بانفتاحه على جميع الطوائف والفئات اللبنانية».وأوضح انه ذهب لزيارة العماد عون «لأنني وعدتُ بأن التقي جميع المرشحين للانتخابات الرئاسية»، مشدداً على «اننا نستطيع كلبنانيين ونملك القوة على ان ننتخب رئيساً صُنع في لبنان، وأنا لست من الاشخاص الذي ينتظرون اشارة خارجية، وفي هذه المرحلة التي يمر فيها الشرق لا أحد يهتم بلبنان».من جهة أخرى، رأى ان «تنظيم داعش لا يستهدف لبنان فقط بل العراق وكردستان وسورية، ويبدو ان هناك مشروع اقامة دولة اسلامية بنظرية تدميرية لتدمير الدين الاسلامي وتهجير الاقليات في الشرق».واذ أكد «اننا نجحنا في صدّ أحداث عرسال بشهدائنا الأبرار، شهداء الجيش اللبناني»، لفت إلى انه «عندما تدخل بعض الفرقاء في سورية قبل حزب الله لم يكن هناك داعش»، وقال: «أميركا همّها الأوحد أمن اسرائيل وتفتيت المنطقة ورأينا مأساة الشعب الفلسطيني وردات الفعل الخجولة للدول العربية»، مشددا على انه «يجب اعادة تصويب بندقية المقاومة لأنها كانت وستبقى الضمانة في الدفاع عن لبنان في مواجهة اسرائيل».وشدد على ان «أمن لبنان اهم من كل شيء ومنع دخول المجموعات الارهابية إلى لبنان أهم من كل شيء وسحب سلاح حزب الله لا يتم إلا بالحوار»، معتبرا ان «هناك خطراً وجودياً يهدد لبنان والمنطقة العربية بأكملها».واذ اكد ان «الشعب السوري سينتصر»، شدد على ان «من المستحيل ان يبقى النظام في سورية لكن اصدقاء الشعب السوري خذلوه، وكان على المجتمع الدولي اعطاؤهم السلاح المطلوب».
خارجيات
جنبلاط يطالب بمرشّح تسوية ويحذّر من «خطر وجودي يهدد لبنان والمنطقة العربية»
بيروت على «تقاطُعات» إقليمية - دولية إما حلّ لـ «تقطيع» مرحلة الخطر وإما... «انقطاع الحبل»
12:57 م