تدور نقاشات مختلفة حول الاغتراب بين الناس والوطن. وأهمية ألا نعبّر عن مجمل أفكارنا أمام الجميع، ممن لايفهموننا أو يقدّرون منطقنا ومدى ثقافتنا وعمق ادراكنا، وأهمية الصمت والانصات وسط لغط كثير وفوضى عارمة. وعبّر البعض عن أهمية ارتداء بعض الأقنعة طوعا، لفرض طوق من الأمن والأمان حول أنفسنا مقابل عدوانية وعنف وافتراض نية وحكم مسبق، بينما عبر آخرون عن وحدة سحيقة يسقط فيها الفرد كلما فشل محيطه عن استيعابه، ورماه الآخرون بأبشع الألقاب بسبب رأيه الذي لا يتفق مع مزاجهم.تدور هذه النقاشات التي تنقل هموم بعض الصادقين والمخلصين لأنفسهم ولقناعاتهم واحترامهم لذاتهم، وسط اعلام يشجع على العزلة، ومواقع اتصال بأسماء وهويات ومشاعر مزيفة تعيق تواصل الفرد مع نفسه ومع حقيقته. كل ماحولنا يكذب وينافق ويزيف، من اعلام وسياسة وأخبار وعلاقات.أضف الى ذلك أن التواصل أحيانا يسلبك هدوء نفسك ونقاء روحك. بسبب التشنج والخلافات والاختلافات والتضارب والاستغلال وغيرها، فيبدو للفرد أن الاختلاء بالنفس هو الملاذ الذي لابد الانسحاب اليه لإنقاذ تلك الوردة الاخيرة من حديقة القلب. التراجع الى النفس ليس انهزاما او هروبا من الواقع، بل اختيار التأمل من بعد للتخطيط للخطوة التالية بموضوعية متزنة ومدروسة.الاختلاء بالنفس ليس وحدة، انه قناعة ذاتية بحسب ثقافة الفرد وعمق تجربته، بأن الانجاز أكثر والإبداع أكبر بعيدا عن الناس، مع امكانية التواصل مع من تمتد جسور التفاهم والاحترام والتقدير بيننا وبينهم، فهؤلاء يضيفون لحدائق القلب ورودا وأشجارا مثمرة.أما عالمنا الخاص، ذلك الألم الذي لا يمكن كشفه والأسرار التي لا يمكن الوصول اليها فهي ملكنا وحدنا فقط. نحن الجديرون ببروقها ورعودها والاغتسال بأمطارها، لذلك أحترم كثيرا من (يستطيع) الجلوس وحده أمام البحر أو في (كافيه) أو قاعة سينما، انه قادر على مصاحبة نفسه وفكره، بينما يعجز الآخرون. فهنيئا له.
مقالات
د. عالية شعيب / بوح صريح
الوردة الأخيرة
د. عالية شعيب
02:08 م