وابلٌُ من الصواريخ الإيرانية على إسرائيل، بشرنا سندي وينفلد الأسبوع الماضي، «هو الاستخدام الأكثر احتمالاً في العالم للصواريخ الباليستية، وهو يستوجب منا تنبهاً فورياً في حال بروز حاجة للرد من قبل الولايات المتحدة أو (الناتو)». في النظرة الأولى هذه مجرد صافرة انذار اخرى من بين الصافرات الكثيرة. ولكن الأدميرال وينفلد الذي نشر تحذيره في مجلة سلاح البحرية الأميركي «بروسيدنغز»، ليس محللاً أو سياسياً. هو ملاح جوي حربي وكان في الماضي قائداً لحاملات طائرات وقوات للمهمات الميدانية في المعارك في أفغانستان والعراق، بينما أصبح اليوم قائداً للأسطول السادس. سفن الصواريخ التابعة لوينفلد من المفترض أن تقترب من خليج حيفا حتى تشارك هناك في مناورة مع القوات الإسرائيلية التي تسعى إلى تدمير الصواريخ الإيرانية، وهي في مرابضها.وينفلد لم يرسم لقرائه سيناريو يدفع إيران لمهاجمة إسرائيل هو اكتفى باعتبار إيران خصماً لا يمكن توقع سلوكه، ضمنياً كان هذا اعترافاً جديداً بالفشل الاستخباري المتواصل الذي منيَ به الغرب في مواجهة إيران المتنقبة. من أجل فهم عمق النقص في المصادر البشرية في المؤسسة الإيرانية، يكفي تميز جهوزية مجلس الأمن القومي للالتقاء ببطل قضية إيران ـ كونترا، مانوتشر غوربنيفار في العامين 2001 و 2002. هذا الشخص النصاب المريب حسب «رأي السي.آي.إيه» حاول اقناع الأميركيين بقدرته على تنظيم أحداث شغب تؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني.ولكن النظام لن يسقط في الأشهر القريبة. لذلك مثل صدى يعود من جدران غرفة عالمية تدحرجت في الأسبوع الماضي أيضاً الحكاية المتكررة عن عزم الإسرائيليين والأميركيين على ضرب إيران. الأمور الجديدة الحقيقية اقتلعت في الجلبة الصحافية.مثل هذا التجديد الذي حجم لسبب ما كان قد نقل في العاشر من يونيو في لقاء مع مراسلين البنتاغون، على متن طائرة في طريقها من قاعدة سلاح الجو الأميركي في إيلينوي إلى واشنطن. روبرت غيتس، وزير الدفاع، هو الذي كان يعطي المعلومات للصحافيين. وهو كما نعرف يعارض الهجوم الأميركي على إيران. غيتس أرسل رسالة جوهرية جداً تحت غطاء بيان إداري هو بشّر بأنه طلب من مجموعة من المستشارين الخارجين بأن يعدوا ملفاً يساعده بعد 200 يوم من انتقال الادارة من بوش إلى الرئيس القادم. هذا كما يبدو نوعٌ من توفير الوقت إلا أنه في الواقع دسٌ للعصي في دواليب العملية ضد إيران.

تأنيب لسلاح الجوالانطباع العام أن هناك زحزحة باتجاه التصادم بين واشنطن والقدس من جهة وطهران من جهة أخرى، هو انطباع في أساسه سطحي جداً بسبب الميل لتشخيص دول مع المستوى الأعلى الموجود فيها. هناك إغراء كبير بإلصاق صورة من يقف على رأس الحكم بالحكم كله، ولكن الصورة الحقيقية أكثر تعقيباً. بوش وأولمرت اللذان يوشكان على الانصراف موجودان في بلادهما في الطرف المقابل في قضية إيران. لو كان الأمر بيدهما لتصاعد غبار كثيرٌ من الأرض الإيرانية المقصوفة منذ زمن.إلا أن أولمرت وبوش يريدان أكثر مما يستطيعان. قوتهما السياسية قد زالت، الجمهور في الدولتين يشك في دوافعهما والوزراء المسؤولون عن جهاز الدفاع لا يتطوعان لمساعدتهما في تحويل الهجوم على إيران إلى تركة خاصة بهما. كما أن وزيرتي الخارجية تتصرفان بالمثل. غيتس لا يخدع نفسه بوجود احتمالية حقيقية للتفاوض مع نظام آيات الله في طهران أو إخضاعه من خلال العقوبات، خصوصاً في ظل امتعاض أوروبا التي تستصعب التنازل عن تجارتها مع إيران. تحفظه من عملية عسكرية ضد إيران الآن يبرر من خلال الحاجة إلى جمع وتركيز الجهود في ساحة العراق وأفغانستان. وهو يعتقد أن كل شيء يقاس وفقاً للنجاح في هاتين الساحتين.ليس هناك في واشنطن اليوم مخادع مجرب وأكثر مهارة من غيتس الذي ارتقى في أروقة الحكم من منصب رئيس ديوان رئيس «السي.آي.إيه» في عهد جيمي كارتر إلى رئيس لـ «السي.آي.إيه» نفسه في عهد جورج بوش الأب. رايس دفعت الرئيس الحالي يساراً في قضية كوريا الشمالية وغيتس يفرمله على مسار التحليق في الطريق إلى إيران. منذ الهزيمة الجمهورية في انتخابات الكونغرس في 2006 عندما خضع بوش لمطلب التخلص من رونالد رامسفيلد وجلب مكانه غيتس، تغلب محور غيتس ـ رايس على نائب الرئيس ديك تشيني. قلب بوش مازال مع تشيني، ولكن ما يحدد الأمور على الأرض هو ما يفعله رايس وغيتس.خلال الأعوام الثمانية الأخيرة كان رئيس مجلس سياسة الدفاع جون هامر الذي كان نائباً لوزير الدفاع لدى كلينتون سابقاً والمقرب من السيناتور الديموقراطي سام نان، وفي المستقبل إن انتصر أوباما سيرشح وزيراً للدفاع أو في أي منصب مهم آخر في مجال السياسة الخارجية أو الأمن، فهو يدير مركزاً للأبحاث والسياسة في واشنطن على مستوى من الأهمية «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية». مواقفه في قضية إيران تشبه مواقف غيتس. في الخريف الماضي عينه غيتس رئيساً للمجلس المذكور الذي يعتبر إطاراً للمسؤولين السابقين، أي لوزراء الخارجية (هنري كسنجر) ووزراء الدفاع (جيمس شلزنغر وهارولد براون ووليم بيري) وضباط ومسؤولين وأعضاء كونغرس وعلماء.

ليست هناك قدرةاتجاه التوصيات التي ستنقل في الملف الذي طلبه غيتس من هامر إلى أوباما أو ماكين ظهر بصورة مبطنة مع تعين هامر رئيساً لمستشاري غيتس في الشؤون الخارجية في اكتوبر 2007. في تشرنوفمبر في التقييم السنوي للمركز الذي يرأسه هامر قال هذا الأخير: ما الذي يعتقد أن قيادة وزارة الدفاع تؤمن به أي غيتس؟ وذلك من خلال مقالة بعنوان «الحرب مع إيران في العام 2008؟».رده في آخر المقالة كان سلبياً، حتى وإن تمت صياغته بحذر. «هل ستكون هناك هجمة أميركية على إيران خلال العام المقبل؟» تساءل هامر وعدد التباينات بين العراق 2003 وبين التصادم الذي حدث بين مؤيدي الحرب مع إيران ومعارضيها.رغم إعلان بوش بأن إيران النووية غير مقبولة بالمرة إلا أن هامر أكد أن الرئيس قد امتنع عن تحديد خطوط حمراء لهذا الوضع غير المقبول. من هنا استنتج ان الصراع العلني غير محتمل في هذه السنة وأن تحذيرات بوش رمت إلى تحفيز العمل الديبلوماسي. الا انها في الوقت نفسه تزيد من الخوف بأن العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية هي خطوات أولى فقط على طريق الحرب.مشكلة أكبر من ذلك لاحظها هامر وهي أن الولايات المتحدة لا تملك قدرة على اجتياح إيران. البنتاغون مرهق بشدة بعد حرب العراق الطويلة وأفغانستان الأطول منها. ليس لدى الجيش الأميركي عمق مؤيد لتعزيز قواته في العراق بعد الربيع. استخدام القوات البرية ضد إيران ليس وارداً بالحسبان ومهاجمتها بالطائرات التي هي العملية المنطقية الوحيدة هي مسألة تحد للنجاعة، خصوصاً لأنه يتوجب التحرك ضد شبكات إمداد سرية مكونة من شخصيات وتفاصيل صغيرة. لا يتوقع أن يؤدي الهجوم على المواقع المشبوهة مثل المخازن وغيرها إلى أي شيء. الاستخبارات الأميركية تعتقد أن إيران قادرة على إدخال أسلحة إلى العراق ذات خطورة أشد مثل صواريخ الكتف المضادة للطائرات التي تشكل صعوبة كبيرة على المهمات هناك.بكلمات أخرى إيران جديرة بالضربة بسبب التهديد الوجودي الذي تشكله على إسرائيل وقتل الأميركيين في العراق وزعزعة استقرار المنطقة، ولكن في التوازن الشامل يفضل تجنب توجيه مثل هذه الضربة أو على الأقل تأجيلها حتى العام المقبل ودخول الرئيس الجديد حتى لا تتم المخاطرة بالإنجاز الذي يلوح في العراق. غيتس وهامر سيوضحان للكونغرس والصحافة والجمهور ذلك بصورة تصعب على بوش اتخاذ قرار مغاير في الأشهر القريبة. خط الادعاء هذا قادر على إحراز النصر إلا أن هذا ضعفه أيضاً. أدوات واشنطن والقدس المجتمعه والتقدير الإسرائيلي بأن احتمالات الهجوم الأميركي على إيران معدومة في هذا العام ستعزز قوة الذين يدفعون لإرسال الجيش الإسرائيلي نحو الشرق البعيد. من يرفض النهاية هناك يقررها هنا. ستكون للجدل الداخلي في إسرائيل في شأن التوقيت أبعاد كثيرة: سياسية وعسكرية.  دولتان من الدول الثلاث الضالعة في الأزمة التي تلوح في الأفق على الاقل لن تنحرفا عن مسارهما. إيران هي واحدة من هاتين الدولتين. الثانية قد تكون الولايات المتحدة أو إسرائيل. الثالثة ستتحمل رد فعل الأولى على عملية الثانية. هذه قد تكون بروحية عنوان مقالة الأدميرال وينفلد «دم ودين».

أمير أورن«هآرتس»