لم يكن ينقص اللبنانيون لتتجدّد «حال الانتظار» عندهم سوى ملامح الانفراج الذي عبّر عنه انتهاء «زمن المالكي» في العراق والتقاء طهران والرياض وواشنطن على وجوب احتواء الواقع المتفجّر في «بلاد ما بين النهرين» على قاعدة تكوين حكومة جديدة أكثر «توازناً» وكسْر الموازين على الارض بمعنى تسديد ضربات قاصمة لـ «الدولة الاسلامية».ويحضر الواقع العراقي في الكواليس السياسية في بيروت من بوابتيْن متوازيتيْن هما الأمل في ان ينسحب التفاهم الاقليمي - الدولي على طي صفحة نوري المالكي على الملف اللبناني والخشية من ان يفضي الإمعان في تفريغ المؤسسات وعدم احتواء «النتوءات» المذهبية التي تتراكم منذ الـ 2005 الى تكرار سيناريو العراق حيث استفاد «داعش» من حال تهميش فئة وازنة للانقضاض على الوضع والانفلاش بطريقة باغتت الجميع.وانطلاقاً من الحدَث العراقي، ورغم اقتناع اوساط سياسية مطلعة في بيروت ان التقاطع الايراني - السعودي - الاميركي «موْضعي» ولن يفضي الى نتائج «سريعة» في الملف اللبناني، الا ان هذا المناخ الاقليمي المستجدّ الذي سيكون قيد الاختبار في الاسابيع المقبلة يؤسس لامكانات تفاهم أوسع من المدى العراقي وإن كانت بلورة مثل هذا التفاهم يمكن ان تتضح معالمها أكثر مع إنجاز الاتفاق بين ايران والمجتمع الدولي حول «النووي».وبهذا المعنى، ووسط معلومات عن ان واشنطن والرياض لا تحبذان إدخال لبنان في دائرة اي مقايضات مع ايران وتحديداً من باب الملف الرئاسي خشية ان تسعى طهران لتسييل اي تسهيل لـ «رئاسية» لبنان في اطار قضية «النووي» او اي عناوين ساخنة اخرى في المنطقة، تشير دوائر سياسية الى ان الوضع اللبناني مرشح ليبقى قابعاً في «غرفة الانتظار» اقله حتى نوفمبر المقبل (الموعد المفترض لإنجاز الاتفاق النهائي حول النووي الايراني) ما لم تطرأ اي مفاجآت تمليها تحولات داخلية كبيرة كمثل اقتناع العماد ميشال عون مثلا باستحالة انتخابه رئيساً للجمهورية وتالياً فتحه الطريق امام مرشح تسوية.وفي رأي الاوساط نفسها ان كل ما تشهده الساحة السياسية في المرحلة الراهنة والتي ستليها يرتكز على هذا المعطى ويدخل في سياق تحصين الاستقرار النسبي في لبنان واحتواء اي حالات تطرف يمكن ان تشكل خطراً على البلاد انطلاقاً من تموْضع الرياض كـ «رأس حربة» في محور التصدي للإرهاب، وهو الامر الذي استدعى العودة المباغتة للرئيس سعد الحريري الى بيروت الاسبوع الماضي «مؤتمناً» على مكرمة مليار دولار من السعودية لتدعيم الجيش والقوى الامنية في اطار حربها على الارهاب التي شكّلت معارك عرسال الوجه الأكثر خطورة فيها.وتبعاً لذلك، ترى هذه الاوساط ان التمديد الثاني لمجلس النواب الذي انطلق «قطاره» اول من امس مع تقدم النائب نقولا فتوش باقتراح قانون في هذا الاطار (اقترح التمديد لسنتين و7 أشهر) هو أمر مفروغ منه حرصاً على عدم تمدُّد الفراغ الى المؤسسة التشريعية ولإبقاء الوضع اللبناني «تحت السيطرة» الى ان يحين موعد الانفراج الذي لن يكون الا انعكاساً للتفاهم الاقليمي.ولا تتوانى الاوساط عيْنها عن رسم مفارقات تتصل بالتمديد للبرلمان الذي تنتهي ولايته الممددة في 20 نوفمبر المقبل وأبرزها:* تشكيل الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط «كاسحة ألغام» للتمديد من خلال مجاهرتهما بتأييده ما لم تكن الانتخابات الرئاسية حصلت. وقد بلغ الامر بالحريري حد إبلاغه الرئيس نبيه بري (خلال لقائهما الاخير) في معرض رسمه معادلة «لا انتخابات رئاسية = لا انتخابات نيابية» ان «من محاذير اجراء الانتخابات النيابية مع استمرار تعطيل موقع الرئاسة الأولى وقوع لبنان في سيناريو العراق، أي في الفراغ الكامل».* اعتماد الرئيس بري ما يشبه «المناورة» في محاولةٍ لتوظيف ورقة التمديد والضغط عبرها لإطلاق عجلة التشريع في البرلمان وهو ما كانت رفضت قوى 14 آذار ومعها العماد ميشال عون فعله في الفترة الماضية بحجة غياب رئيس للجمهورية وعدم إعطاء انطباع بان «البلد ماشي» بلا رأس للدولة.والعارفون بـ «القطب المخفية» في ما يقوله بري يرون انه يطلق كلامه عن رفضه التمديد «لان هذا الرفض يشكل ورقة تساعد في الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية»، في حين انه «تصويبه» الفعلي هو على استدراج وعد من 14 آذار بتسيير عجلة العمل التشريعي لانه لم يعد يريد ان يكون رئيس برلمان «عاطل عن العمل».وقد غمز بري في لقاء الاربعاء النيابي من قناة هذا البُعد حين كرر رفضه التمديد معتبراً ان هذا الكلام ليس في اطار المناورة ومتسائلاً «ما فائدة التمديد لمجلس نواب لا يشرّع ولايمارس دوره كاملاً».* تبلور ملامح «مزايدات» داخل الساحة المسيحية حيال التمديد لمجلس النواب الذي يرفضه العماد عون في شكل قاطع في حين تبدي «القوات اللبنانية» وأطراف اخرى من مسيحيي 14 آذار عدم حماسة له وذلك حرصاً على عدم ترْك عون يحقق نقاطاً على المستوى المسيحي، من دون ان يتضح اذا كان هذا الموقف سيبقى قائماً حتى النهاية او اذا كان عنصر «الفراغ القاتل» سيحتّم ترْك التحفظ جانباً وتأمين تغطية للتمديد مع «رمي كرته» وتحميل مسؤوليته الى النواب المسيحيين الذين عطلوا انجاز الاستحقاق الرئاسي. وعلى وقع هذا المشهد يبقى صوت المطالب النقابية صاخباً سواء في ما خص سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام والاساتذة والذي يهدد مصير نتائج الامتحانات الرسمية او تثبيت المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، وهما امران سيحضران اليوم على طاولة مجلس الوزراء التي يفترض ان تقرّ هبة المليار دولار التي قدّمتها الرياض للجيش والقوى الامنية، وسط تقارير اشارت الى انها ستتوزع بين نصف مليار للاول ونصف مليار لقوى الامن الداخلي والامن العام.وقد استدعى هذا الملف عودة الرئيس الحريري الى جدة لعقد لقاءات حيث سبل وضع هذه الهبة موضع التنفيذ في أقرب وقت ليستفيد منها الجيش وسائر المؤسسات الامنية في معركتها ضد الارهاب.