إن إقامة العلاقات التبادلية والتكاملية، ووجود المعايشة الاجتماعية شرط أساسي وضروري في تمدين الإنسان ورقيه ونموه المتكامل، فهو لا يكتسب العادات والتفكير الراقي، ولا يرقّي سلوكه ومنتجاته المادية إلا من خلال تعاونه مع غيره من الأفراد. ولطالما ارتضينا أن نجتمع كأفراد على أرض واحدة نتشاطر العقائد والنظم المشتركة من الاتجاهات والعادات والمُثل، ونتطلع إلى أهداف عامة مشتركة، لابد أن نؤدي حقوق المجتمع علينا، بأداء الوظائف والواجبات التي تخصنا، وتكوين جهاز من القيم والمعايير الخاصة بنا، لننظم سلوكنا الذي يؤثر في بقاء وحدتنا كجماعة نتعايش ونعيش بنفس الدائرة.لماذا لا يحاول الفرد أن يتماثل مع مجتمعه من خلال مبادئه العليا، ومراعاة أعرافه وآدابه في إطار الشريعة، والدعوة إلى تلك المبادئ والآداب ومساعدة الآخرين على تمثلها وحمايتها والدفاع عنها؟! لماذا لا نؤدي الحقوق العامة التي يفرضها العيش في مجتمع، والمحافظة على سمعته بين الأمم؟! هل حاولنا أن نحافظ على حيوية المجتمع، وجعله يسير في الاتجاه الصحيح، وذلك من خلال مبدأ الدعوة والنصح، وحفظ الموارد المادية المتاحة، واستغلالها على الوجه الأمثل والمحافظة على مرافقه العامة والمساهمة في تنميتها وصيانتها؟! لماذا لا نتقدم في الأفكار والنظم والأطر والأدوات ليصبح مجتمعنا متميزا متجددا مع تمسكه بجذوره وأصوله؟!هناك مجتمع مأمول ومنشود نسعى للوصول له، ولن يتم ذلك إلا بتضامن وتواصل أفراده أخلاقيا وروحيا، مواصفات المجتمع الذي نأمل أن نشيّده لا يمكن أن يكون مستمداً إلا من ثقافتنا وقيمنا الخاصة بنا، حتى وإن استوردنا بعض المعايير العالمية لا بد أن يكون لنا تقويمنا الذي يمكننا من ترشيد ونقد تلك المعايير لتتوافق مع ثقافتنا وقيمنا.إن فلسفة الحياة العامة تفرض على كل مجتمع مسلم سلماً خاصاً من القيم التي يؤمن بها ومقدار الأهمية التي يوليها لكل قيمة، ومدى تجذرها في ثقافة الأفراد، وتكلفة الالتزام بها، وأسلوب ومنهاج إسقاطها على الواقع الذي نعيشه، عندما يدعي فرد بأنه يؤمن بقيمة الاحترام وهو لا يحترم مواعيد عمله ولا حقوق الآخرين، فهذا مؤشر على خلل وعُطل في تطبيق تلك القيمة، الأصل في حياتنا أن تكون النظم التي نخضع لها عبارة عن تجسيدات واستجابات محسوسة للقيم التي نؤمن بها، وأن تكون سلوكياتنا العامة منسجمة مع مجموعة النظم التي اختارتها الدولة وسيلة لتنظيم الشأن العام، وتظل القيم فاعلة في حياتنا ما دمنا نشعر بانسجام بين القيم والنظم والسلوكات اليومية، فإن فاعلية هذه القيم تأخذ بالتراجع، حين يصبح التمسك بخلق معين عاجزا عن تحقيق الذات والتقدير الاجتماعي، إن سمحنا لموجات الرشوة والمحسوبية والالتفاف على الأنظمة والقوانين وخرقها أن تجتاحنا فنحن نؤكد على أن قيمة النزاهة تراجعت في مجتمعنا.ما نحتاجه اليوم روح الانطلاق في توجيه سلوكياتنا لنمتلك مكارم الأخلاق التي ستصبح جزءا من وصايا عالمية تتناقلها الأجيال في كل زمان ومكان، وإن كنا جادين بمنح المجتمع الاستقرار والاستمرار بالتقدم، نسعى أن نرقى بأنفسنا لأن رقينا مستمد من رقي مجتمعنا، وننمي الشعور بالمسؤولية والاعتراف بالخطأ والمصارحة في تشخيص الأدواء والعلل، لفتح الآفاق على طريق تحسين واقع المجتمع والنهوض به.m.alwohaib@gmail.comtwitter: @mona_alwohaib
مقالات
منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي
بين الواقع والمأمول...!
01:48 ص