... فعلها الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وعاد الى لبنان الذي كان غادره قسراً في ابريل 2011، ليفتح المشهد اللبناني على دينامية جديدة وسط ارتفاع درجة المخاطر المتأتية من صعود نجم المجموعات الارهابية في المنطقة ودوران الواقع اللبناني منذ نحو ثلاثة أشهر في مأزق سياسي - دستوري نتيجة الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية الذي ينذر بتفكك المؤسسات وانحلالها.ثلاثة «مشاعر» انتابت بيروت مع العودة «الجريئة» للحريري على وقع شظايا «حرب عرسال» بين الجيش اللبناني وتنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش»... فرحة عارمة بين صفوف أنصاره وفريقه السياسي، «نقزة» من مخاطر أمنية تواجه زعيم «المستقبل» الذي كان غادر بيروت بعد تحذيرات من اجهزة استخبارات عربية وأجنبية من مخطط لاغتياله، و«تريُّث» لدى الخصوم كما لدى دوائر مراقبة انهمكت في قراءة خلفيات وملابسات هذه الخطوة غير المتوقّعة.والأكيد ان ما بعد عودة الحريري الى لبنان لم يكن كما قبله في تقدير اوساط سياسية لاحظت ان هذا التطور النوعي ينطوي في توقيته على ثلاثة أبعاد متقاطعة هي:* إدراك الحريري الحاجة الى وجوده الشخصي على رأس تيار الاعتدال السني لمواجهة رياح التشدد التي تعصف بالمنطقة، خصوصاً بعد احداث عرسال الاخيرة. مع ملاحظة ان مقدمات عودة زعيم «المستقبل» من «منفاه الاضطراري» رُسمت في جدة مع الاعلان يوم الاربعاء عن ان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أوكل الى الحريري مكرمة المليار دولار لدعم الجيش اللبناني وتعزيز قدراته في مواجهة الارهاب اثر الحرب التي فُرضت عليه مع الجماعات السورية المتشددة في عرسال، الامر الذي جعل من «توقيت» عودة الحريري تطوراً شديد الارتباط بهذه المواجهة التي يراد منها إبعاد شبح التطرف وسدّ أبواب لبنان في وجهه وايضاً تحصين الساحة السنية إزاء اي اختراقات متطرفة.* الانطباع بان عودة الحريري تؤشر الى قرب نضوج «تسوية ما» ستُتوّج بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وعودة زعيم «المستقبل» الى رئاسة الحكومة بعدما كان أقصي عنها بـ«انقلاب» سياسي - دستوري في يناير 2011 جاء بالرئيس نجيب ميقاتي الى السرايا الكبيرة، قبل ان يعلن زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بعيد مغادرة الحريري بيروت انه قطع «وان واي تيكيت».وثمة مَن يعتقد في بيروت ان «خريطة الطريق» التي كان الحريري أعلنها قبل اسابيع قليلة كملاذ لإنقاذ لبنان وتقوم على الحاجة الى انتخاب رئيس للجمهورية كـ «اولوية الاولويات»، ادت يومها الى تحريك «المياه الراكدة» عبر سلسلة من المبادرات التي اضطلع بدور رئيسي فيها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي التقى الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله وزعيم «التيار الوطني الحر»، اضافة الى قنواته المفتوحة مع الحريري، وهو يؤشر الى امكان وجود حلحلة في الملف الرئاسي تساهم عودة زعيم «تيار المستقبل» الى بيروت بتسريع خطواتها.* إعادة التوازن الى اللعبة الداخلية وتحديداً في الملفات الشائكة الموضوعة على جدول أعمال اللحظة السياسية، وهو ما يفسر الارتياح الكبير الذي عبّرت عنه قوى 14 آذار حيال عودة زعيم «تيار المستقبل» وهي اي هذه القوى، لم تتأخر في عقد اجتماع لقادتها ترأسه الحريري الذي كان وضع رجوعه في سياق مقتضيات الهبة السعودية للجيش «التي سنعالج كيفية تنفيذها»، موحياً بان بقاءه في لبنان لن يكون قصيراً، ومكتفياً بالقول رداً على السؤال عن الضمانات لأمنه الشخصي «ان شاء الله خير والله يحفظ الجميع».ورغم «دهشة» الصحافيين الذين فوجئوا بخروج الحريري من احد المواكب المموهة على مدخل السرايا الكبيرة من دون ان يكونوا على علم بهوية «الضيف» وانشغال الشاشات بهذا الحدَث الآتي من خارج مفكرة التطورات اليومية، والترحيب العارم من شخصيات متعددة الاتجاه بعودة الحريري، والحياة التي دبت من جديد في بيت الوسط (دارة الحريري)، فان الانظار اتجهت الى موقف خصوم الحريري من عودته وتعاطيهم المحتمل معها.وفي موازاة مسارعة رئيس البرلمان نبيه بري الى الاتصال بالحريري مهنئاً بعودته واعتبار جنبلاط ان «العودة ممتازة»، قوبل رجوع زعيم «المستقبل» الذي تلقى سيلاً من اتصالات التهنئة والتقى عدداً كبيراً من السفراء (بينهم الاميركي والسعودي) والشخصيات السياسية بمواقف مرحّبة بينها لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي أكد «أن العمل في «14 آذار» سيتفعّل أكثر مع عودة الرئيس الحريري»، لافتا إلى «أن الأمور لن تبقى كما كانت في غيابه».واذ «هنأ كل من تيار المستقبل وقواعد «14 آذار» بعودة الحريري»، اعتبر «أننا على أبواب مرحلة جديدة ولا يمكن لأحد أن يفترض أن رجعته لن تغيّر في شيء بل على العكس سيكون هناك تغيير كبير، وعودته تشكل تعزيزاً لدور الوسطية والإعتدال».من جهته اعتبر وزير العدل اللواء اشرف ريفي ان «عودة الرئيس الحريري سترسم خريطة جديدة وستحمي الوطن من العواصف وهي أتت بتوقيت مدروس ودقيق جداً»، مؤكداً «ان هذا الحدث من شأنه تغيير المعادلة السياسية في البلاد»، مضيفا «نحن على أبواب مرحلة مختلفة كلياً وعودة الحريري مفصلية ستقود البلاد إلى موقع مختلف عن السابق».اما الأمين العام لتيّار «المستقبل» أحمد الحريري فرأى «أنّ وصول الرئيس الحريري إلى لبنان هو نتيجة قناعة تامة بضرورة حماية لبنان من الإرهاب، وتثبيت الاعتدال على الرغم من الوضع الأمني الصعب». وأشار الى أنّ «سعد الحريري يرى أنّ على اللبنانيين مواجهة المخاطر التي تحاك للبنان بالاعتدال وتثبيت العيش المشترك»، مضيفاً أنّ «قناعته الوطنيّة تحكم عليه الوجود بين اللبنانيين، لأنّ حياته ليست أغلى من جميع اللبنانين خصوصاً في هذا الظرف الصعب حيث يتسلل الإرهاب الى لبنان».

هكذا فجّر الحريري «المفاجأة» من خلف الزجاج الداكن

| بيروت - «الراي» |لم يعرف أقرب المقرّبين ان الرئيس سعد الحريري عاد الى بيروت. فالاحتياطات الامنية فرضت تكتماً حوّل رجوعه مفاجأة مدوّية «انفجرت» في السرايا الكبيرة حين وصل للقاء الرئيس تمام سلام.كانت الساعة قرابة العاشرة والنصف، حين وصلت مواكب مموّهة الى باحة السرايا حيث فُرش السجاد الاحمر واصطفت ثلة من تشريفات قوى الامن. الصحافيون وموظفو السرايا توقّعوا كل شيء الا خروج الحريري من خلف الزجاج الداكن. ولكن ما ان أطل مبتسماً حتى علت صرخات الترحيب التي مشى على وقعها زعيم «المستقبل» بارتياح عارم على السجاد الأحمر، قبل ان يدخل مقر رئاسة الحكومة ويصافح الاعلاميين فرداً فرداً وينتقل للقاء سلام على مدى نحو ساعة.وكانت رئاسة الحكومة طلبت من الاعلاميين الحضور لتغطية زيارة مهمة دون إعطاء اي تفاصيل، علماً ان بعض الصحافيين لاحظوا قبل دقائق قليلة من وصول الحريري وجود حشد من فريق عمله، ما جعلهم يحتارون دون ان يتوقعوا ان يكون زعيم «المستقبل» هو الضيف المنتظر.وكان المكتب الإعلامي للرئيس الحريري اعلن انه «فور عودته إلى بيروت فجر الجمعة قادماً من جدة، استهل نشاطه بزيارة ضريح والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت، وقرأ الفاتحة على روحه، ثم توجه إلى السراي الحكومي».

أول رجوعه selfie مع عمّته

استهلّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، عودته الى بيت الوسط بعدد من اللقاءات السياسية والديبلوماسية.وكان بارزاً استغلاله فرصة لقائه نواب كتلته وسط فرحة عارمة، لالتقاط selfie من هاتفه مع عمّته النائبة بهية الحريري التي كانت معانقته لها مؤثرة.