بدت بلدة عرسال اللبنانية امس على مشارف طيّ صفحة المواجهات الضارية التي اندلعت يوم السبت عند أطرافها وفي جرودها بين الجيش اللبناني وبين مسلّحين من «جبهة النصرة» و«داعش» على خلفية توقيف عماد احمد جمعة القيادي في «الدولة الاسلامية» في القلمون والتي أفضت الى سقوط 16 قتيلاً ونحو 90 جريحاً من المؤسسة العسكرية اللبنانية وعشرات من المقاتلين المتشددين.فعلى وقع وقف إطلاق النار الذي تم تمديده مساء الاربعاء لـ 24 ساعة اضافية، تسارعت التطورات «التبريدية» من ضمن الوساطة التي تضطلع بها هيئة العلماء المسلمين بإشراف رئاسة الحكومة اللبنانية وموافقة قيادة الجيش، والتي ترافقت مع نجاح المؤسسة العسكرية في تضييق الخناق على المسلحين الذين أخذوا عرسال رهينة بأبنائها الـ 35 الفاً ونازحيها السوريين الذين يناهز عددهم 120 الفاً.فمن انسحاب غالبية المسلحين من عرسال التي باتت شبه خالية منهم الى الجرود تمهيداً لدخول الاراضي السورية، وعبور سيارات الصليب الاحمر اللبناني الى البلدة ونقلها ما لا يقل عن خمسين جريحاً من المدنيين الى مستشفيات في قرى مجاورة، والاستعدادات لإدخال قافلة المساعدات الانسانية بعد اعتراضها اول من امس من اهالي بلدة اللبوة (الشيعية) بحجة انها ستصل الى المقاتلين، بدا ان «حريق» عرسال اقترب من الاحتواء الكامل من ضمن اتفاق الهدنة الذي جرى التفاهم على بنوده التي كانت شملت مساء اول من امس اطلاق 3 عسكريين جدد من الذين يحتجزهم المسلحون.ورغم الهدوء الذي لفّ جبهات عرسال امس، فان المخاوف استمرّت على مصير البند الأبرز في اتفاق الهدنة وهو إطلاق كل العسكريين وعناصر قوى الامن الأسرى الذين يرواح عددهم بين 17 (من قوى الامن) و 19 جندياً. ولم يُعرف اذا كان بقاء بعض المقاتلين في عرسال هو في إطار محاصرتهم ريثما تلتزم المجموعات المسلحة بتعهدها الافراج عنهم مقابل توفير ممر آمن لانسحابهم وضمانات بحفظ امن اللاجئين في البلدة.وقد حرص قائد الجيش العماد جان قهوجي على اشاعة أجواء ايجابية عن وضع الوحدات العسكرية «الجيد جداً» في عرسال خلال مشاركته مع القادة الامنيين في جلسة مجلس الوزراء حيث ابلغ الى اعضاء الحكومة ان العناصر المسلحة انسحبت عند الثالثة من فجر امس، مشيراً الى أن أسرى الجيش وقوى الأمن لم يكونوا أساساً داخل البلدة، وذلك في معرض رده على ما أشيع عن أن المسلحين أخذوهم معهم إلى الجرود.وشكّل هذا البند محور المفاوضات التي أكملها وفد هيئة العلماء المسلمين داخل عرسال بعدما التقى على مدخلها قائد فوج المغاوير في الجيش العميد شامل روكز، قبل ان يدخل البلدة حيث قال الامين العام للهيئة الشيخ حسام الغالي ان المسلحين يفترض ان يكونوا تركوا رسالة مع الجهات الموجودة في الداخل واهالي عرسال» تتعلق بأسرى الجيش وقوى الامن. علماً ان فوج المجوقل في الجيش اللبناني كان تمكن صباحاً من تحرير سبعة عناصر من قوى الأمن الداخلي (من غير الاسرى) كانوا يختبئون في منزل أحد الاشخاص من آل الحجيري قرب مستوصف الرئيس رفيق الحريري. وهم: حسين الجمال، عبد الرسول كرمبي، هولو غنام، محمد بلوق، احمد البريدي، وسام رايد وشعاب محيي الدين.وقد وصف الشيخ الغالي وضع المخيمات السورية في عرسال بانه «صعب جدا فغالبية المخيمات احترقت وهناك اطفال تئن ولا تستطيع فرق الانقاذ الوصول اليها منذ ايام وهناك رائحة موتى قاسية جداً. ونحن امام كارثة انسانية نريد انهاءها وان يجري سحب الجثث والجرحى لنبدأ بالاغاثة»،وكان ليل الاربعاء - الخميس شهد وعلى وقع الخلاف المستشري بين «داعش» و«النصرة» خروج 30 شاحنة صغيرة من عرسال ناقلة مسلحين عبر ممر تُرك لهم - وكان هؤلاء يرفعون رايات «النصرة» - في اتجاه المنطقة الجردية وذلك بعد ساعات من فشل محاولة ايصال قافلة مساعدات من عشر شاحنات تنقل مواد غذائية لاهالي البلدة والنازحين بعدما اعترضها تجمع من ابناء اللبوة ومنعوا مرورها ما أنذر بالإطاحة باتفاق الهدنة وتسبب بردة فعل غاضبة في مناطق أخرى حيث قطعت طرق في وسط البقاع احتجاجاً.وكشف مصدر أمني إن الجيش اللبناني قام امس بعملية تقييم بشأن ما إذا كان المسلحون الذين سيطروا على عرسال قد انسحبوا اثناء الليل في إطار الاتفاق موضحاً انه لم يقع قتال صباح امس في البلدة ولكن الجيش قتل 14 إسلاميا متشددا خلال اشتباك وقع مساء الأربعاء في رد على خرق للهدنة الممددة الجديدة لمدة 24 ساعة. علماً ان تقارير نقلت عن شهود عيان أن عدداً من أعضاء تنظيم «داعش» قتلوا في معركة عرسال بينهم أحد قادتهم أبو حسن الحمصي.وكان بارزاً امس ما كُشف عن ان 1800 نازح سوري كانوا في عرسال وهربوا الى منطقة رأس بعلبك المحاذية، باتوا في طريقهم الى الداخل السوري عبر معبر المصنع الحدودي برفقة راهبة تدعى فاديا لحام.وتعليقاً على الوقائع الجديدة في عرسال، اوضح نائب رئيس البلدية أحمد فليطي لـ«الراي» أن «الوضع في عرسال بات هادئاً»، كاشفاً أن «العناصر المسلحة إنسحبت ليل الأربعاء»، ومشيرا إلى «زوال كل المظاهر المسلحة عن البلدة».وإذ أوضح أن «ما من حصيلة أولية لعدد الجرحى»، أكد أن «أحد عشر شهيداً سقطوا من أبناء البلدة خلال الأحداث»، مشدداً على «ضرورة عودة العرساليين الذين نزحوا عنها إليها»، ولافتا إلى «أننا لا نريد البقاء في حالة حرب، وعودتهم إلى البلدة يحميها من أي قصف أو لعب أي طرف ثالث».من جهة أخرى، أكد فليطي أن النازحين السوريين الذين يقارب عددهم ثلاثة أضعاف العرساليين «لا يتحملون وزر ما حدث، ولا نقمة من أهالي البلدة عليهم»، مضيفا: «هناك مجموعات مسلحة دخلت على عرسال تسببت بالمشاكل وبضربها وكل واحد يتحمل مسؤولية ذنبه. وقد يغادر عدد من النازحين عرسال باعتبارها باتت خطرة، ليعودوا إلى مناطقهم وبلداتهم في الداخل السوري إذا اعتبروها أكثر أمناً».وإذ ذكر بـ «مطالبة أهالي عرسال بانتشار الجيش اللبناني على الحدود»، أشار إلى أن «الإفتقار إلى القرار السياسي لنشر الجيش على الحدود هو ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه»، مشددا على ضرورة «إتخاذ قرار نشر الجيش على الحدود في عرسال وبقية المناطق، إذ من غير المقبول دخول أحدهم بالسلاح والدبابات إلى سورية، فيما يمنع آخر من إدخال ربطة خبز إليها».
خارجيات
قهوجي مطْمئنّ ومصير أسرى الجيش قيد التفاوض
«عاصفة» عرسال إلى انحسار: المسلّحون غادروا وبقيت رائحة الموت
لاجئون سوريون هربوا من المعارك في عرسال في طريقهم الى بلادهم عند نقطة المصنع الحدودية مع لبنان أمس (ا ف ب)
12:57 م