بدايات التغيير كانت حين أرسخوا بعقولنا مصطلح (الشرق الأوسط) لنتداوله كبديل عن مصطلح (العالم العربي) حتى ما عاد أحد يأتي على ذكر الوطن العربي إلا نادرا.تحولنا للشرق الأوسط الكبير. وهو مشروع متمم لفكرة الخلافة الإسلامية الكبيرة. والخلافة مشروع متخلف لكنه متمم لفكرة العولمة. وامتداد لفكرة التجمعات الكبيرة.بعد سنوات قليلة (ان لم تحصل معجزة) ستتغير الخارطة العربية كلياً. ستختفي حدود وتظهر بدائل جديدة. هذه المرة يرفض الاستعمار منحنا أوطان لها حدود ندافع عنها ونذود. فقد جربها سابقاً ولم تعجبه، ثم إن مقتضيات العولمة تفرض أن يغير من جغرافيتنا بشكل يتوافق مع روح العولمة ويتفق مع مضمونها وهذا لن يحصل كثيرا في ظل القوميات إنما بظل الفكر الأممي.أما التغني بأمجاد ما كان يجمعنا من وحدة تاريخ ولغة وعرق وأرض... فكلها كلمات سيجهلها أبناؤنا، لأن العامل الجامع الجديد هو الطائفة. وسيصبح مذهبك ودينك هويتك ووطنك الحقيقيين. كما خطط سيد قطب.ألا تمر على أسماعكم هذه الكلمة (الحمدلله كلنا مسلمون).في التسعينيات حين كنت أرافق أمي إلى صالونات المساء أو الصباح النسائية صادفت إسلاميات يحشرن أنفسهن حشرا في كل مجلس، وينصتن للنساء حين يتعارفن فتقول الواحدة أنا سورية والأخرى أنا مصرية أو سعودية وقتها تتدخل كبيرتهم لترد بصوت مرتفع (المهم كلنا مسلمات) هذه الجملة القصيرة قصمت الوجود العربي وزحزحت جذوره.من قال إننا كلنا مسلمون. أو كلنا أهل السنة. من قال إننا كلنا اقصائيون. أو كلنا إخوان أو سلف. أين المسيحي والشيعي والصوفي؟ أين العربي؟ أين السوري أو المغربي أو المصري أو السعودي؟لا وجود لتلك المسميات زمن التعبئة الحاشدة. عشرات من سنوات الضخ الإرهابي بلغت أقصاها بالسبعينيات والثمانينيات. وأجيال عربية بالملايين تشبعت فقه التخلف وتحولت لأجيال تزدري العروبة وتعلن عن رابط واحد هو المذهب.لا تظنوا أن الفكر الإسلامي انتهى بسقوط إخوان مصر أو حتى بسقوط حكم حماس. ففكرهم باق ومعقد أمر نزعه.والكلمات التي اخترعوها للتداول اليومي باقية بعد أن كنا نجهلها قبل خمسين عاماً.والأهم من كل ذلك ان التفضيل لم ينته. تفضيلك لنفسك على الآخر المسيحي أو الشيعي أو الصوفي، فلن ينكر بعض من ثار على حكم الاخوان أن داخله يعتقد بأنه الأفضل والوحيد الذي سيدخل الجنة.فهل تتوقعون أن ننجو من التفتيت؟ ستتفتت الحدود بين الدول العربية. وستجبرك العولمة الإسلامية على اضطهاد ابن بلدك لحساب فرد يعيش في اندونيسيا أو أوزباكستان. مثلما يحدث الآن بالضبط.صحيح أن الحدود لم تمح رسمياً عدا تقسيم السودان، لكنها ألغيت من الأذهان وتم مسحها من أدمغة أجيال النكسات المتتالية. فورثة (جيل الصحوة) يتنقلون بين الحدود كإجراء موقت وروتيني لختم جوازات سفرهم فقط، هذا ما يعرفونه عن الحدود التي سيذيبونها يوما كما يفعلون الآن.كل الإحصائيات تشير إلى انخفاض مذهل في أعداد المسيحيين بمجمل الدول العربية، فجزء كبير منهم فضل التهجير على الاضطهاد داخل الوطن.أما ما مصير بقية الآخرين. أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى، ومصير العروبيين. والليبراليين والأحرار.هل نحزم أمتعتنا ونهاجر حفاظا على بقية قليلة من الوطن قبل أن يطلب منا دفع الجزية؟إن أرض الله واسعة. ستستوعبنا وتستوعب البقية القليلة من أوطاننا ولو مسحوها من الخريطة.ودعوا الوطن. إنها آخر أيامه.كاتبة وإعلامية سعوديةnadinealbdear@gmail.com