إذا كان ما حدث في العام 1967 نكسة أو هزيمة في سياق الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأنتج - على صعيد الثقافة والأدب - ما سُمِّي بـ «أدب النكسة أو الهزيمة» حيث ظهرت أعمال روائية وقصصية وشعرية ومسرحيّة عديدة تصوّر الآثار الرهيبة لما حدث وتحلّل وتكشف، على غرار مسرحية سعد الله ونوس الشهيرة: «حفلة سمر من أجل 5 حزيران».إذا كانت نكسة أو هزيمة حزيران قد مدّت ظلالها على الفكر والأدب والفن وأثّرت فيه على النحو الذي قرأنا... فإن ما يجري منذ سنوات قليلة في عدد من البلدان العربية وما اصطلح على تسميته بـ «الربيع العربي» لن يُنتج أدباً متسماً بسمات المرحلة أو متفاعلاً معها ومعبّراً عنها على نحو عميق.أحسب ذلك، وأضعه بين قوسيّ الظن الذي قد يكون بعضه خاطئاً. لكنني أرى أن المرحلة التي نعيشها منذ نحو ثلاثة أعوام إلى اليوم هي مرحلة من ضباب لا تنفع معه كاشفات ضوء. وهي مرحلة من غموض لا يُجدي عمل المحللين والدارسين في توضيحه. وهي مرحلة من اختلاط وارتداد وما يشبه عوداً على بدء، مما لا يمكن الحسم به نهائياً.ما حدث في 5 حزيران معروف وموصوف وظاهر وواضح بما لا يترك متّسعاً لإضافةٍ أو تحليلٍ أو تعليق. هزيمة نكراء مُنيت بها جيوش عربية وأنظمة مهلهلة كانت تحسب نفسها - أو تسوّق نفسها - بأنها الأقوى والأقدر.ما يحدث منذ بضع سنوات تحت مسمى الربيع العربي ليس واضحاً بعدُ كي يشكّل تياراً أدبياً، أو ظاهرة أدبية أو حالاً ثقافية عامة. نحن الآن - كما يبدو على الأقل - في حال تخبّط. أو في حال ولادة مستعصية، أو في حال تقهقر يلبس لبوس التقدّم. أو في حال معاكسة تماماً.الآن، تصعب الرؤية. والآن يصعب اتخاذ أحكام قيمة قاطعة: فما كان صاعداً يهبط. وما كان هابطاً يصعد. وما كان غائباً يحضر. وما كان حاضراً يغيب، وما كان مُضمراً يُعلن. ومَنْ كان آملاً يخيب. ومن كان خائباً يأمل.في هزيمة حزيران الأمر واضح جلي لا لُبس فيه. أما ما يحدث اليوم فهو يضع الجميع دون استثناء في حال من الحيرة والالتباس والغموض، الأمر الذي يجعل إنتاج أدب من نسيج ما يحدث وأعماقه عملاً عسيراً إن لم يكن مستحيلاً.فما يُكتب الآن، أو يُرسم، أو يُنشد إنما ينهل من السطح، ومن المجريات، ومن المتداول وهذا تنتجه وتصوّره وتنقله الشاشات الصغيرة بقوة أكبر وبلاغة أعمق وأثر في النفس أبقى.بلى، تُقام بعض المعارض الفنية، وتُنشر بعض القصص، وتُلقى بعض القصائد من على المنابر، غير أن الأمر لا يعدو مواكبة ثقافية للحدث، تقوم الفنون التلفزيونية وعلى نحو حيّ ومباشر أحياناً بتقديم الحال والجاري بأقوى وألصق إلى نفس المشاهد.لذا أقول ان المرحلة الحالية - التي لا نعلم إلى متى ستستمر - لن تنتج أدباً أو فناً عميقاً، معبّراً، وباقياً. لن نحصل مما يجري الآن على ما حصلنا عليه من جراء هزيمة حزيران وسُمّي أدب النكسة.ولِمَ التسرع والعجلة؟! ليكن ما يُكتب الآن مشاركة أدبية ثقافية في الحدث، مواكبة لما يجري. ليكن تعليقاً آنيّاً على ما يحدث. أما سوى ذلك فلا أعتقد.ورغم هذا ستمضي الأيام ـ وربما السنوات ـ قبل أن يتبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود لا في الأدب والثقافة، وإنما قبلاً في الواقع، فيما يجري على الأرض.
محليات - ثقافة
مقال / بين قوسيّ الظن!
07:18 م