هل انضم لبنان الى قائمة الدولة «المشتعلة» في المنطقة على غرار سورية والعراق وليبيا واليمن؟... انه سؤال مدجّج بفائض من القلق بدأ يقضّ مضاجع اللبنانيين وهم يشاهدون الدخان الاسود يتصاعد من «الحدود المنهارة» في شرق البلاد وكأن لبنان الذي عاند طويلاً حرائق المنطقة «سقط في الفخ» اخيراً.فالمعارك الدائرة لليوم الثالث على التوالي على اطراف عرسال وفي جرودها بين الجيش اللبناني وخليط من المسلحين السوريين المتشددين توحي بان «ما كُتب قد كُتب». فـ «لعنة» سقوط الحدود بين الدول والأزمات وأدوات الصراع والجيوش النقالة تخيّم بشبحها على لبنان الذي حاول ان ينأى بنفسه «من فوق» فاشتعلت «من تحت».ورغم القرار الصعب بالمواجهة الذي اتخذه الجيش اللبناني كخيار لا مناص منه ومحاولات التفاوض بالواسطة لـ «وقف اطلاق النار» او التفاهم على «هدنة انسانية» فان ثمة انطباعاً بان رياح «الموصل» العراقية تهبّ من القلمون السورية على المقلب الشرقي من الحدود اللبنانية ما ينذر بـ»حرب استنزاف» طويلة ومعقدة تجعل لبنان اسير سيناريوات مقلقة وغامضة.وأظهرت الوقائع الميدانية للمعارك التي تتخللها التحامات في بعض المواقع بين الجيش والمسلّحين وجود عدد من العوامل الضاغطة التي تجعل ما يجري في عرسال أشبه بـ «حقل ألغام» سياسي- عسكري. وأبرز هذه العوامل:* صعوبة تسليم الجيش اللبناني بمنطق «الهدنة» التي جرى الحديث عنها ولا سيما بعد التقارير التي اعلنها قيادة الجيش وتناقلتها وسائل الاعلام عن ممارسات المسلحين داخل بلدة عرسال وتجاه أهلها و»إعدام» بعضهم اضافة الى الحصيلة الثقيلة لضحايا الجيش الذي تكبّد أكثر من 12 شهيداً منذ بدء المواجهات وسط معلومات لم تتأكد عن تصفية ضابطين في صفوف العسكريين الاسرى او المفقودين الذين ارتفع عددهم الى ما فوق العشرين غير العناصر العشرين من قوى الامن الداخلي الموجودين في عهدة الشيخ مصطفى الحجيري داخل عرسال.وبدا استقدام الجيش المزيد من التعزيزات الى محيط عرسال مؤشراً الى السقف الذي يتحرك تحته وهو عدم التهاون مع المسلحين وجعل استعادة المفقودين (اعلن قائد الجيش انهم 13) والمحتجزين من جنوده اولوية، وإبعاد المسلحين عن تخوم عرسال ومحيطها والانسحاب الكامل من كل الاراضي اللبنانية، فضلاً عن ملاحقة المسلحين الذين اعتدوا على مراكزه وعلى عناصره.وشكلت طبيعة العمليات الميدانية، التي تُستخدم فيها المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والطيران اضافة الى نوعية الوحدات المستقدمة الى عرسال، مؤشراً واضحاً الى ان الجيش يستعدّ لهجوم واسع للقضاء على المسلحين، وسط صعوبات تعترض طريق اي عملية حسم داخل عرسال التي يسكنها نحو 35 الف لبناني ونحو 120 الف نازح سوري.* المخاوف من تحرُّك خلايا ارهابية نائمة في مناطق اخرى للقيام بعمليات «انقضاض» على مناطق او تسديد ضربات سواء الى الجيش او ضد المدنيين، وهو ما أشار اليه ضمناً العماد جان قهوجي في مؤتمره الصحفي اول من امس، علماً ان هذه الخشية استدعت رفع مستوى الاستنفار العسكري والامني ليشمل الاراضي اللبنانية كافة وكل القوى العسكرية والأمنية وأجهزتها.* القلق الكبير من احتمال ان تفضي أحداث عرسال، البلدة السنية المؤيدة للثورة السورية، الى «تشظيات» تصيب علاقتها بمحيطها الشيعي ولا سيما في ظل التقارير عن مشاركة مدفعية «حزب الله» في مساندة الجيش اللبناني.* الخشية من ان يؤدي المشهد في عرسال الى تصاعُد روح العداء للنازحين السوريين بعد ثبوت وجود مسلحين بينهم، والى حصول مواجهات بين اهالي البلدة او مناطق اخرى وبين السوريين، علماً ان عدداً من ابناء عرسال كان ساهم في التصدي للمسلحين عندما كانوا يقتحمون مفرزة البلدة التابعة لقوى الامن الداخلي وسقط منهم شهيدان.وفيما كانت التطورات على الارض نهار امس تشير الى تقدم حققه الجيش الذي تمكّن من استرداد تلة مهنية عرسال وموقع المصيدة ووادي حميد وتمركز فجراً في الخط الدفاعي الأوّل المواجه لبلدة اللبوة واستعاد مركز كتيبة الـ83 (تطل على مناطق محسوب على «حزب الله») عند مدخل عرسال والتي سقط فيها قائد الكتيبة المقدّم نور الدين الجمل ومساعده وعدد من الشهداء، كان مجلس الوزراء يكمل محض الجيش الغطاء السياسي الكامل وذلك في الجلسة الاستئنائية التي عقدها قبل ظهر امس.وعكست مداولات مجلس الوزراء التي ركّزت على اولوية ضبط الحدود ومنع المسلحين الوافدين من سورية من الدخول الى لبنان فضلاً عن ضبط مخيمات اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم نحو مليون ومئتي الف، تحوُّل هذين البندين عنوانين سياسييْن للمرحلة المقبلة وسط انقسام حيال كيفية التصدي لهما ولا سيما بعدما اختارت قوى 14 آذار ان تعتمد خيار التحرك في اتجاه الامم المتحدة لتوسيع نطاق عمليات القرار 1701 (صدر بعد حرب يوليو 2006 الاسرائيلية وقدم خريطة طريق لضبط الحدود الجنوبية من خلال انتشار الجيش عليها بمؤازرة اليونفيل) لتشمل الحدود اللبنانية الشرقية مع سورية، وهو ما رفضته قوى 8 آذار ومعها النائب وليد جنبلاط.كما تخلل الجلسة الحكومية رفض أكثر من طرف اي مهادنة او مساومة مع المسلحين وتأكيد ان لبنان يتعرض لاعتداء خارجي موصوف على أيدي تنظيمات غريبة. علماً ان رئيس الحكومة تمام سلام كان جزم «أننا نقف خلف الجيش والقوى الأمنية وخلف أهالي عرسال الذين أصبحوا رهائن لدى المسلحين»، مؤكداً «عدم وجود بيئة حاضنة في عرسال لهؤلاء المسلحين»، ومشيراً في المقابل إلى أنه «هناك للأسف كما يبدو بيئة مسهّلة يحتمي فيها المسلحون في مخيمات النازحين السوريين»، ومحذراً من أن «الأمر خطر ويُوجب فتح ملف هذه المخيمات وضبطها لا سيما وأنّه أصبح هناك 40 مخيّماً للنازحين في البلد».
خارجيات
الجيش يواجه بلا هوادة ومفاوضات بـ «الواسطة» لإخماد الحريق
لبنان «يقاتل» في عرسال لصدّ «النار» الإقليمية
12:57 م