بدا لبنان امس كأنه فتح صفحة جديدة مفصلية من صفحات صراعه الطويل مع انعكاسات الأزمة السورية وارتدادات التطورات العراقية الأخيرة عليه، بحيث شكلت المواجهة التي انفجرت بين الجيش اللبناني ومجموعات مسلحة سورية ومختلطة السبت في جرود عرسال البقاعية نقطة انطلاق لحقبة محفوفة بشتى الأخطار الأمنية والتداعيات على الاستقرار اللبناني.وإذ تواصلت امس ولليوم الثاني الاشتباكات بين وحدات الجيش المنتشرة حول عرسال والجماعات المسلحة داخل البلدة وفي جرودها، بدا الواقع الميداني منذراً بمزيد من الاحتدام والتعقيدات نظراً الى جملة وقائع برزت عقب مرور اكثر من 24 ساعة على انطلاق المواجهة.ومن هذه الوقائع ان مسلحي «جبهة النصرة» الذين اقتحموا عرسال واحتجزوا عناصر سرية قوى الأمن الداخلي في البلدة وسلّموهم لاحقاً الى احد المشايخ المتعاطف معهم وهو مصطفى الحجيري  يشترطون لإطلاق العناصر الإفراج عن ابو احمد جمعة الذي شكّل توقيفه من قبل الجيش الشرارة التي أشعلت المعارك، وقد تبين انه «أمير جبهة النصرة» في القلمون وبايع قبل ايام تنظيم «داعش». وعكس هذا الواقع المدى العميق لتحركات التنظيمات المتطرفة داخل منطقة عرسال من الجهة اللبنانية تماماً كتورط «حزب الله» في الداخل السوري. كما ان العامل الأخطر الآخر تبدى مع تأكيدات مصادر عسكرية لبنانية ان غالبية المسلحين الذين اقتحموا بلدة عرسال وهاجموا مراكز للجيش في محيط البلدة ووادي الحجير وسواها خرجوا من مخيمات النازحين السوريين في عرسال التي تؤوي أكثر من 100 الف نازح سوري بما يشكل ايضاً انكشافاً لمدى إطباق الجماعات المسلحة السورية على عرسال ويحولها رهينة فعلية.ووسط اشتداد الاشتباكات التي تدور منذ يومين في البلدة ومحيطها، تخوفت مصادر معنية بمجريات هذا التطور عبر «الراي» ان تكون المواجهة طويلة ومعقّدة بما يفتح الباب على معارك استنزاف سيضطر الجيش الى خوضها علماً ان ما لا يقل عن عشرة شهداء في صفوفه سقطوا حتى يوم امس. ولا تعتقد هذه المصادر ان القدرة العسكرية التي يتمتع بها الجيش هي الآن على المحك، لكن مع ذلك فان طبيعة هذه المواجهة تكتسب تعقيدات كبيرة وخطرة خصوصاً ان الجيش والأجهزة الامنية كافة تتحسب لتحركات خارج اطار مسرح العمليات في عرسال، الامر الذي ثبتت صحته مع تحرك مسلحين في طرابلس ليل السبت - الاحد واضطرار الجيش وقوى الأمن الداخلي الى التعامل معه بالنار حيث اندلعت مواجهات سرعان ما تم ضبطها.وتشير المصادر نفسها الى ان حسم المعركة في عرسال لا يزال مستبعداً بالمعنى العسكري لانه يرتّب على الجيش اقتحام عرسال فيما يحول دون ذلك مجموعة عوامل بينها الخشية على أبناء البلدة والعناصر الامنية المحتجزة وهؤلاء صاروا جميعاً رهائن بيد المسلحين. كما ان ثمة خشية اخرى من الوقوع في فخ استدراج الجيش الى الحسم فيما يرجح ان تكون خلايا وشبكات مستعدّة لتفجير الوضع الأمني في مناطق اخرى في لبنان ولا سيما في الشمال تحديداً. لذا تقول المصادر ان المواجهة العسكرية ستمضي قدماً على أساس «جراحي» دقيق سيضطر معها الجيش الى اتباع أسلوب متدرج في التعامل القتالي مع الواقع الناشئ في عرسال.وأمام هذا الفصل الجديد الأشد خطورة في مسار انعكاسات الازمة السورية على لبنان وخطر اقتحامها أراضيه، تتجه الأنظار الى المشهد السياسي الداخلي من جهة وردود الفعل الدولية حيال هذا التطور. وشكلت الأصداء السياسية للحدث  في مجملها في الساعات المنصرمة وجهاً إيجابياً لجهة الإجماع على دعم الجيش من سائر القوى والأطراف من دون استثناء ولو باختلاف المنطلق، الامر الذي تقول المصادر المعنية انه يمكن البناء عليه في الايام الطالعة لتطوير أرضية دعم الجيش ومنع اختلال الجبهة الداخلية في هذه المواجهة التي يستشعر جميع القوى السياسية الداخلية بخطورتها الفائقة. ولكن ذلك لا يحجب القلق المتصاعد من عودة الانقسامات في ظل التداخل القوي بين واقع استباحة عرسال وتحميل قوى لبنانية أساسية لحزب الله مسؤولية استدراج الجماعات المتطرفة الى الداخل اللبناني علماً ان «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) الذي اصدر بياناً مهماً مساء السبت عن الأحداث الجارية داعماً الجيش بكل قوة، رفض تبرير اي انتهاك للسيادة اللبنانية وأمن لبنان من جانب اي طرف سوري بحجة تورط حزب الله في الحرب السورية.وتقول المصادر ان الأيام القليلة المقبلة تحمل اهمية استثنائية لجهة بلورة موقف داخلي متماسك بالحد الادنى الذي تمليه خطورة الوضع والوقوف وراء الجيش لان اي موقف آخر سيهدد الاستقرار الداخلي في الصميم، علماً ان الموقف السياسي الموحّد ينتظر ان يتبلور في الجلسة الاستثنائية التي يعقدها مجلس الوزراء اللبناني ظهر اليوم غداة اعلان رئيس الحكومة تمام سلام «ان ما يجري في عرسال اعتداء صارخ على لبنان الدولة، مثلما هو اعتداء على المواطنين اللبنانيين في أمنهم ورزقهم وممتلكاتهم»، مشدداً على ان «الدولة لن تتهاون في حماية ابنائها، مدنيين أم عسكريين، ولن تسمح بفرض حالة من الفوضى الأمنية في أي منطقة لبنانية، أو خروجها عن سيطرة القوى الشرعية تحت أي ذريعة كانت».ولم تحجب الوقائع الميدانية في عرسال أهمية الزيارة التي قام السفير الاميركي ديفيد هيل لقائد الجيش العماد جان قهوجي مبلغاً اياه دعم واشنطن الكامل للمؤسسة العسكرية في حربها ضد الارهاب، وذلك غداة بيان قيادة الجيش الذي لفت الى «ان ما جرى ويجري في عرسال يعد أخطر ما تعرض له لبنان واللبنانيون، لانه اظهر بكل وضوح أن هناك من يعد ويحضر لاستهداف لبنان ويخطط منذ مدة للنيل من الجيش اللبناني ومن عرسال»، مؤكداً «ان الجيش لن يسمح لاي طرف ان ينقل المعركة من سورية الى أرضه، ولن يسمح لاي مسلح غريب عن بيئتنا ومجتمعنا بان يعبث بأمن لبنان وأن يمسَّ بسلامة العناصر من جيش وقوى أمن». وأضاف: «الجميع اليوم مدعوون لوعي خطورة ما يجري وما يحضر للبنان وللبنانيين وللجيش، بعدما ظهر ان الاعمال المسلحة ليست وليدة الصدفة بل هي مخططة ومدروسة، والجيش سيكون حاسماً وحازماً في رده، ولن يسكت عن محاولات الغرباء في تحويل بلدنا ساحة للاجرام وعمليات الارهاب والقتل والخطف».

كبارة: نحذّر من أي قرار يحوّل جيشنا إلى ما يشبه جيش المالكي

| بيروت - «الراي» |تردّد أصداء المواجهات بين الجيش اللبناني والمسلّحين من «جبهة النصرة» و«داعش» في جرود عرسال ومحيطها في عاصمة الشمال طرابلس.وبعد الاشتباكات التي شهدتها طرابلس منذ الواحدة من فجر وحتى السادسة صباحاً بين الجيش اللبناني ومسلحين ملثمين كانوا اطلقوا النار في اتجاه مراكزه قبل ان يفجّروا عبوة ناسفة بدورية عسكرية اثناء خروجها من مركزها في مشروع الحريري في اتجاه طلعة العمري، ما ادى الى اصابة ضابط وجندي، عُقد اجتماع في دارة النائب محمد كبارة (من تكتل الرئيس سعد الحريري) حضره النائبان خالد الضاهر ومعين المرعبي وخلص الى بيان دعا الى «وقفة ضمير امام الله والوطن لان الشعب سيحاسب الجميع»، مشدداً على «ان ما يجري في عرسال السنية البطلة ليس الا حلقة من مسلسل ايراني سوري لاخضاع اهل السنّة»، محذراً «من اي قرار يحول جيشنا من مؤسسة وطنية جامعة واجبها حماية كل اللبنانيين الى ما يشبه جيش المالكي».واضاف البيان الذي تلاه كبارة: «يشدد اللقاء على رفض اهل السنّة استقدام اهلهم دروعا بشرية لحماية ميليشيا حزب ايران. ويؤكد انه لو قام الجيش بالانتشار على الحدود منذ البداية لما وصلنا الى ما وصلنا اليه. ويلفت الى الوساطة التي حاول بعض الخيرين القيام بها لمعالجة الوضع، ويطلب الضغط على حزب الله لوقف اطلاق النار والصواريخ على عرسال كي ينسحب المسلحون».