العودة بالزمن إلى الوراء، من أهم المواضيع التي لم تزل تشغل أذهان العلماء كثيرا، هذا الانشغال الكبير مبعثه ما تتميز به النفس الإنسانية من شغف وإلحاح كبير نحو معرفة ما غاب عن بصرها من أحداث وفترات زمنية، لاسيما تلك التي تزامنت مع إشراق حضارة إنسانية أو التي شهدت أفول حضارة في مجتمع إنساني ما. وفي حياتنا على المستوى المجتمعي، يبدو أننا لسنا بحاجة إلى تفسيرات علمية معقدة تبين لنا إمكانية العودة بالزمن إلى الوراء، لاسيما وأن هناك مظاهر حياتية مختلفة تعيش بالقرب منا تتطابق في واقعها مع بعض الحقب والفترات الزمنية التي يحدونا الشغف إلى معرفتها رغم أننا فقط قرأنا عنها في كتب التاريخ أو سمعنا عنها ولم نرها.ومثل هذه الحقب التي يحدونا الشغف للتعرف عليها والتي تعبر عن مستوى حضاري مضطرب، تتجسد بمنطقة جليب الشيوخ «الحساوي»، ففي هذه المنطقة حياة من نوع آخر، لا تعبر عن كويت الحاضر!. إن دخولك لهذه المنطقة كفيل بأن يرجعك بالزمن إلى الوراء حيث العصور البدائية التي عاشها الإنسان في الأزمان السحيقة، متمثلة بالانفلات الأمني المستمر وعشوائية المكان الذي تجده في كثير من الأحيان غير صالح للحياة والسكن الآدمي!، وطبيعة المجتمع المختلف بتضاريسه وعاداته وسلوكياته والذي تمثل العمالة الأجنبية السواد الأعظم منه.إن ما تتميز به المنطقة، ينسحب كذلك على مجمع جليب الشيوخ... المكان الحضاري الأبرز!، الذي يقصده سكان منطقة «الجليب» وغيرهم من سكان المناطق الأخرى للتسوق، حيث يضم هذا المجمع عددا من المحلات المختلفة التي تلبي احتياجات المستهلك من مختلف البضائع والسلع بأسعار مناسبة للجميع.حال هذا المجمع لا تفترق كثيرا عن حال المنطقة التي يقع فيها!، فكما تتميز المنطقة بالعشوائية والازدحام، كذلك السوق يتميز بذلك، وكما هي المنطقة تعاني من انفلات أمني، لاسيما في مركزها الأهم «الحساوي»، أيضا هو السوق يعاني من ذلك.عشوائيةلا جديد... لم يتغير شيء في هذا السوق منذ زمن طويل، فالمباني القديمة للمحلات في الغالب كما هي لم تتغير ومنظرها وأسلوب تنظيمها لا يعبر عن واقع حضاري متقدم كما هو مفترض، كما لا يوجد هناك تنسيق لطبيعة ترتيب المحلات مع ما تقدمه من بضائع للزبون، فبإمكانك أن تجد مطعم وجبات سريعة بجوار محل للذهب والمجوهرات، أو تجد محل لبيع الأحذية بجوار صيدلية!، وغيرها من التناقضات الأخرى. أما الطرقات والممرات داخل المجمع فهي ضيقة جدا، تكاد تختنق بمرتادي السوق في أيام الذروة، ويمكنك أن تجد في أي مكان وفي أي زاوية من زوايا السوق العمالة السائبة وهم جلوس في الطرقات، وكأن مهنتهم مراقبة المارة، أما الطرقات فيندر أن يسير عليها المرء دون أن يتعثر!.ويستكمل مشهد العشوائية بصورة أكبر مع انبثاق مياه الصرف الصحي في عدد من طرقات المجمع، دون وجود أي مبالاة من قبل أصحاب المحلات المجاورة في إيجاد حل لهذا الوضع، إذ يمضي الناس بينها جيئة وذهابا، كأنهم اعتادوا استنشاق الرائحة المنبعثة منها ومنظرها الكريه!، ورغم هذا المنظر فإنك تجد الحياة تدب في طرقات السوق بشكل طبيعي وكأن مثل هذه المناظر أصبحت مناظر عادية صديقة للبيئة ولصحة الإنسان!.ازدحاميشهد السوق بشكل يومي لاسيما في يومي الجمعة والسبت ازدحاما شديدا لا نظير له، يلازم هذا الازدحام ويزيد من عمق تجذره عدم وجود مواقف كافية مخصصة للسيارات، حيث تشهد المجمعات تكدسا للسيارات ما بين الطرقات.رواد المجمعومن اللافت للنظر بالنسبة لرواد سوق الجليب عدم اقتصارهم على العزاب أو الجاليات العربية والاجنبية، بل يحظى السوق أيضا بتوافد الكويتيون لاسيما سكان المناطق القريبة من منطقة الجليب، خصوصا مع وجود محلات قديمة اعتاد الناس على الشراء منها منذ زمن، وقتئذ كانت منطقة جليب الشيوخ مأهولة بالسكان الكويتيين، أضف إلى ذلك مستوى أسعار السلع الذي عادة ما يناسب الجميع.تحرشات وسرقاتتضج طرقات السوق بأعذب الأصوات في تلاوة القرآن الكريم والتي تنبثق من عدد من المحلات التجارية المختلفة والتسجيلات الدينية، ورغم هذه الأجواء الإيمانية فإنها لا تجد نفعا!، فأمام مرأى مرتادي السوق، عادة ما تشهد مجمعات الجليب تحرشات ومعاكسات من قبل بعض المستهترين نحو النساء، ومن الملفت أن تجد هناك أناسا يأتون إلى السوق بشكل شبه يومي لا عمل لديهم سوى المعاكسات وملاحقة النساء، وقد شهد السوق أكثر من حالة تحرش جنسي أدت في كثير من الأحيان إلى معارك دموية ملأت السوق فوضى وتخريب، وذلك بحسب شهادات عدد من أصحاب المحلات. وعلاوة على ذلك ترى بين الفينة والأخرى حوادث سرقة في مشهد من الانفلات الأمني الذي يتزامن مع عدم وجود أمن خاص بالمجمع!.