يراوح لبنان فوق «فوهة» من حروبه الباردة في السياسة والأمن والاقتصاد، وسط اطمئنان الى النجاح الحالي في استبعاد النار المشتعلة في سورية وغزة والعراق واليمن وليبيا عن «هشيم» الأزمات المتمادية في بيروت، وقلق من مغبة السقوط خطوة - خطوة في مأزقٍ من قعر مفتوح، الأمر الذي يجعل من المراوحة القائمة فوق «الحبل المشدود» أشبه بمجازفات لا يمكن التكهن بما ستفضي اليه في المستقبل.الدوائر السياسية في العاصمة اللبنانية لا تقلل من أهمية الانجاز المتمثل في الحفاظ على الاستقرار النسبي، السياسي والامني في البلاد، في لحظة انفجار قوس الأزمات في الاقليم على نحو يشي بأن المنطقة تعيش مخاضاً تاريخياً، لكنها - أي هذه الدوائر - تعتقد ان لبنان يواجه صراعاً لا يقلّ ضراوة وانه بدأ بـ «كواتم صوت».وتعتقد اوساط واسعة الاطلاع، في هذا السياق، ان الشغور في الموقع المسيحي الاول في لبنان لم يعد مجرد احتجازٍ داخلي لعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية ربطاً بـ «حسابات اقليمية»، فالمسألة دخلت مرحلة أكثر حراجة في ضوء عامليْن، الاول على صلة بـ «تهجير» مسيحيي الموصل في العراق والرئيس اللبناني المسيحي من القصر الجمهوري، والثاني يرتبط بتمادي اللعب على حافة الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة في لبنان. فبعد الفراغ الرئاسي تتجه الأنظار الى مصير البرلمان الممدَّدة ولايته عشية القرار الصعب بالتمديد الاضافي او الانتخاب، علماً ان هناك محطة ضاغطة ولكن ليست حاسمة في هذا السياق وتتصل بوجوب دعوة الهيئات الناخبة في 20 اغسطس اي قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية البرلمان (الممددة اصلاً 17 شهراً) في 20 نوفمبر.ورغم الاقتناع بان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها قبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي امر شبه مستحيل في ظل عدم التوافق على قانون انتخاب جديد، وهو المبرر الذي تمّ تحت سقفه التمديد الاول، كما وسط التعقيدات الامنية المتزايدة، فان مخاوف تبرز من تأثير حصول «مزايدات» مسيحية على مسار التمديد للبرلمان الذي اذا لم يحصل يعني انتقال «عدوى» الفراغ الى المؤسسة التشريعية بعد الرئاسية وتالياً وضع البلاد امام مأزق دستوري غير مسبوق.ففي حين يرفض «التيار الوطني الحر» الذي يترأسه العماد ميشال عون التمديد للبرلمان ويتمسك بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها وفق قانون انتخاب جديد بما يُحدث تبدلا في موازين القوى في مجلس النواب ويلي ذلك على الفور انتخاب رئيس جديد للجمهورية (يعتقد انه سيكون هو)، تقف «القوات اللبنانية» في موقف مبدئي مؤيد لانتخابات نيابية ولكن مع تمسُّك بأولوية الانتخابات الرئاسية كممرّ للنيابية، اي مع الإبقاء على عامل ضغط للإسراع بإنهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ 25 مايو الماضي، ولكن دون ان يبلغ ذلك حدّ المساهمة في تفريغ المؤسسة التشريعية بحال لم يحصل الاستحقاق الرئاسي بحلول موعد الانتخابات النيابية.وفي موازاة ذلك، تتّسع الهوة بين الكنيسة المارونية والعماد عون في ضوء إصرار الاخير على عدم تأمين نصاب جلسات الانتخاب الرئاسية الا اذا رست على انتخابه. وقد كرر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال استقباله رئيس «كتلة المستقبل» البرلمانية فؤاد السنيورة اول من امس تأكيد ضرورة «الا يكون هناك عمل لمجلس النواب قبل انتخاب رئيس للجمهورية»، مشدداً على ان «لا مرشح له لهذا المنصب»، وداعياً الى «اختيار مرشح من خارج فريقيْ 8 و14 آذار بعدما تعقّدت الامور بين العماد عون والدكتور سمير جعجع». ونقلت تقارير صحافية عن الراعي قوله «ان احداً من الصف الاول الماروني ليس قادراً على لمّ الشمل وعليه يجب البحث عن مرشح يحمل هذه الصفة»، معلناً انه «مع اجراء الانتخابات الرئاسية بنصاب النصف زائد واحد بعدما استنفد نصاب الثلثين أغراضه».
خارجيات
تهجير مسيحيّي الموصل يضاعف المخاوف من استمرار «تهجير» الرئيس المسيحي في لبنان
الموقوف عماد أحمد جمعة
11:19 ص