وديعة حسن بيضاوي، ابنة العشرين عاماً، الحامل في شهورها الأولى والأم لولدين، قضت عندما كانت تتابع عرساً من وراء نافذة منزلها في حي حمام الورد في صيدا القديمة، حيث خرقت رصاصة ابتهاج نافذة غرفتها واستقرت في رأسها لترديها قتيلة أمام طفليها... خبر ضجّ به لبنان في ابريل الماضي، ولكن سرعان ما «بهت» كغيره من «الفواجع» المماثلة التي أصبحت تمر مرور الكرام على مسامع اللبنانيين الذين اعتادوا الموت بالرصاص «الطائش» حتى بات الأمر بمنزلة كابوس حتمي سلّموا باستحالة مواجهته على الرغم من القوانين الرادعة والفتاوى المتكررة التي بدت كانها «قنابل صوتية».ولا يكاد يوم يمرّ من دون «تعبيرٍ بالرصاص» الذي صار رفيق اللبنانيين، في الأفراح والأتراح وجميع المناسبات العائلية أو السياسية او الرياضية أو احتفاءً بالنجاح في الشهادات المدرسية... حتى ان «عروساً» صارت «حديث البلاد» قبل اسابيع حين ظهرت في شريط فيديو وهي تتولى بنفسها اطلاق النار من رشاش حربي خلال حفل زفافها، فكانت «زغاريد الرصاص» الحدَث الذي صار معه السلاح «زينة الأعراس».وبالأمس القريب سقط اربعة جرحى جراء «كرنفال الرصاص» ابتهاجاً باطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، منهم نادين جوني (23 ربيعاً ) التي منعتها رصاصة «ابتهاج» استقرت في ساقها من اكمال طريقها لرؤية طفلها.وتقول نادين لـ «الراي»: «قبل ان أصل الى المبنى الموجود فيه ولدي في شارع المعمورة (الضاحية الجنوبية لبيروت) بالقرب من جامع الامام حسن بأمتار، شعرت وكان صاعقة كهربائية أصابت ساقي اليمنى، وقد وقعت أرضاً فأسرع شباب من «الحزب» لمساعدتي. حينها لم يخطر ببالي ان رصاصة أصابتني، لكن ما ان رفعتُ يدي التي أمسك بها ساقي حتى وجدت الدماء تسيل. اتصلت بوالدي رافضة مساعدة شباب المنطقة، وفي غضون دقائق حضر وأقلني الى مستشفى الرسول الأعظم، انتظرت ست ساعات قبل الخضوع للعملية التي استغرقت ساعة كاملة لسحب الرصاصة التي مزقت عضلي، وذلك حتى تم تأمين مبلغ الجراحة الذي تكفل به في نهاية الأمر النائب حسن فضل الله».اسئلة عدة طرحتها نادين على «المغامرين» بحياة الناس: «اليوم انا ممنوعة من الحركة لمدة 21 يوماً، ماذا استفاد مطلق النار؟ ماذا لو أصابني في رأسي؟ ماذا كان سيحدث لو كان طفلي برفقتي... أسئلة تحتاج الى أجوبة من هؤلاء الذين يطلقون رصاصهم الطائش ومع ذلك أقول ولدت لدي ارادة الحياة من جديد».وفي مقاربة امنية - قانونية لهذه الظاهرة، اعتبر رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدّم جوزيف مسلم لـ «الراي» ان «هذه الظاهرة غير حضارية وكل مَن يطلق الرصاص مسؤول من الناحية الاخلاقية وبالتكافل والتضامن عن الضحايا الذين يسقطون، وان لم تقع الاصابة من سلاحه».أما من الناحية القانونية فرأى «ان العقوبة التي يفترض ان تُنفذ على مطلق النار هي السجن من ستة أشهر الى ثلاث سنوات، اضافة الى غرامة مادية، أو فرض احدى هاتين العقوبتين، وذلك بحسب طبيعة الفعل والجرم، ويُصادر السلاح من مطلق النار في كل الأحوال».وأشار الى ان «انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير، يجعل امكان ضبط الفاعلين وتوقيفهم ليس باليسير، ومع ذلك نحن نستند الى المعلومات التي تصل الينا من المواطنين، ونحبذ ان يترافق التبليغ مع صورة مطلق النار، اذا أمكن ذلك، كما حصل قبل مدة حيث تم توقيف مطلق النار في الضاحية الجنوبية والذي انتشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الاخبار».وحض المقدّم مسلّم المجتمع على «ادانة هذا الفعل» ودعا رجال الدين الى «تحريمه بشكل متواصل ومستمر، كي يتم اقتلاع هذه الفكرة ودفنها والنهوض بمجتمعنا بطريقة حضارية»، مشيداً «بالدور الذي يمارسه المجتمع المدني في هذا المجال بالتوازي مع الحملة الاعلامية التي تقوم بها قوى الأمن من خلال هاشتاغ #عيش_الفرحة لتنوير اللبنانيين على مخاطر هذه الظاهرة».بدورها عزت المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة منى فياض، عبر «الراي» هذه «الحالة الشائعة» الى الوضع الأمني المتفلت وانتشار السلاح بشكل عشوائي والى «النموذج» العربي الذي يعتبر «السلاح زينة الرجال».واعتبرت فياض ان الحد من هذه الظاهرة يكون عبر «حزمة اصلاحات يجب تنفيذها على مستويات عدة، بدءاً من تربية الأطفال على رفض العنف مروراً بالتوعية عبر وسائل الاعلام وصولاً الى رفضها من المرجعيات الدينية والسياسية».وكان رجال الدين دخلوا اكثر من مرة على خط تحريم اطلاق النار في المناسبات. وفي العام 2007 أصدر العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله فتوى حرم فيها «كل ما من شانه ان يضر بالبيئة أو يمثل اعتداء عليها أو يؤدي الى ازعاج الناس وترويعهم وتخويفهم»، في اشارة الى ظاهرة احراق الاطارات المطاطية واطلاق الرصاص والمفرقعات، كما حرّم السيد حسن نصر الله في العام 2013 اطلاق النار في الهواء موضحاً «اننا أرسلنا استفتاءات للمراجع في ايران والعراق وسألناهم عن حرمة اطلاق النار في الهواء وجواب المراجع جميعاً كان لا شك في حرمة هذا العمل (...) والحرمة مشددة أكثر اذا كان السلاح سلاح حزب الله والذخيرة ذخيرته»، مناشداً الجميع «بمنطق العقل والدين والأخلاق والقانون والأهل والمحبة وأمن الناس واستقرار الناس، الانتهاء جذرياً من هذه الظاهرة». علماً ان الامين العام لـ «حزب الله» كان اعلن العام 2008 «ان كل من يطلق النار في الهواء سيكون يطلق النار على صدري ورأسي وعمامتي وهذا اطلاق نار على صدر المقاومة وعلى شهداء المقاومة». والصوت نفسه ضدّ هذه الآفة ارتفع لدى بعض مشايخ طرابلس السنّة الذين حرموا اطلاق النار في الهواء ولا سيما بعد «احتفالية الرصاص» التي تزامنت مع أول مقابلة تلفزيونية لقائد جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني العام الفائت.... كل الادانات والتحريمات والاجراءات القمعية لم تجدِ نفعاً حتى الآن، وما زال«السلاح الطائش» يحصد ضحايا جدداً لا ذنب لهم الا وجودهم في المكان والزمان الخطأ.