شكّل إحياء لبنان عيد جيشه أمس بلا احتفال رسمي، أكثر التعبيرات النافرة عن «الحال اللبنانية» التي اتخذت منحى أشدّ تأزماً منذ 25 مايو الماضي وهو تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي سجّل عهده سابقة ان يكون تسلّم من فراغ (العام 2008) وسلّم الى... فراغ.ودخل الاول من اغسطس 2014 سجلّ المحطات النادرة التي يتم فيها إحياء عيد الجيش اللبناني دون ان يقام الاحتفال المركزي الذي يسلّم خلاله «القائد الأعلى للقوات المسلحة» اي رئيس الجمهورية السيوف الى الضباط المتخرجين في الملعب الاخضر في الفياضية نظراً الى الشغور الرئاسي وغياب السلطات الرسمية، ليستعاض عن ذلك بحفل اقيم في ثكنة شكري غانم (الفياضية) سلّم خلالها قائد المدرسة الحربية الشهادات للمتخرّجين، على أن يسلّم رئيس الجمهورية الجديد بعد انتخابه السيوف اليهم في احتفال يقام بالمناسبة.وجاء العيد الـ 69 «الباهت» للجيش في وقت تتولى المؤسسة العسكرية مهمات جمّة في ضبط الوضع الامني سواء على الحدود الشرقية والشمالية للبنان مع سورية او الحدود الجنوبية مع اسرائيل كما في مناطق لبنانية أخرى في ظل ارتفاع منسوب «الخطر الإرهابي» الذي يستهدف الداخل ربطاً بأحداث سورية والعراق.واستحضر «امر اليوم» الذي وجّهه قائد الجيش العماد جان قهوجي امس مجمل التحديات التي تواجه لبنان القابع بين «مطرقة» أزمة سياسية مستحكمة تستنزف مؤسساته وواقعه الاقتصادي والمالي وبين «سندان» عواصف المنطقة التي لفحته «رياحها الساخنة» على شكل تفجيرات ارهابية وتوترات امنية تبذل السلطات الامنية جهوداً استثنائية لضبطها تحت سقف «الهدنة» بين طرفيْ الصراع الداخلي اي قوى «8 و 14 آذار» التي عبّرت عنها حكومة الرئيس تمام سلام التي وضعت «تيار المستقبل» (الاعتدال السني) كـ «رأس حربة» في التصدي للإرهاب الذي شقّ طريقه الى البلاد على خلفية الحرب في سورية وانخراط «حزب الله» عسكرياً فيها.والواقع ان عيد الجيش اكتسب رمزية هذه المرّة لجهة انه جاء على وقع تطورين هما: اولاً الانشقاق الاول من نوعه لمجنّد (عاطف سعد الدين) قبل أيام واعلان التحاقه بـ «جبهة النصرة» في سورية متّهماً الجيش بأنه «اداة» بيد «حزب الله» وهو التطور الذي حاولت القيادة العسكرية التخفيف من وطأته وتأكيد انه «فردي». والثاني ان اسم العماد قهوجي دخل بقوة بورصة الأسماء المطروحة في السباق الرئاسي ليكون ثالث رئيس على التوالي ينتقل من الصفوف العسكرية الى المقعد الاول في البلاد بعد الرئيسين اميل لحود (1998-2007) والرئيس سليمان (2008 - 2014).ويأتي طرح اسم قهوجي كأحد المخارج المطروحة لإنهاء الفراغ الرئاسي على قاعدة انتخاب شخصية من خارج فريقيْ «8 و 14 آذار» تلاقي التسوية الاقليمية حين تنضج باعتبار ان التفاهم الخارجي سيبقى المعبر الوحيد للإفراج عن الملف الرئاسي الذي ما زال يراوح في دائرة المأزق وسط تمتْرس فريق «8 آذار» في تعطيل نصاب جلسات الانتخاب وراء إصرار زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون على انتخابه او «لا انتخابات»، وهو الأمر الذي يؤشر الى عدم حلول ساعة بتّ الاستحقاق الرئاسي المضبوطة بالكامل على «التوقيت» الخارجي وتحديداً على حصول التقاء سعودي - ايراني، ولو على قاعدة «مهادنة» جديدة، وهو ما يبقى رهناً بما سيجري في العراق وبأفق الوضع في سورية. علماً ان كثيرين لديهم اقتناع وبينهم احدى الشخصيات الفاعلة في 8 آذار التي عبّرت امام «الراي» عن اشكالية تتصل بوضعية قهوجي رئاسياً اختصرها بمعادلة «لا يمكن توجيه صفعتين الى العماد عون، الاولى ان لا تأتي به رئيساً والثانية ان تأتي بشخصية عسكرية لديه فيتو قوي عليها».وبدا واضحاً في الكواليس السياسية في بيروت ان اي تفاؤل لا يلوح حيال ما يمكن ان تنتجه حركة الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط التي حملته الى زيارة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ثم الرئيس نبيه بري وايضاً الى التواصل الهاتفي مع الرئيس سعد الحريري.وقد أعربت مصادر مطلعة عن اقتناعها بان ما يقوم به جنبلاط لا يمكن ان يُحدث اختراقات في الملف الرئاسي لان طبيعة أدوار الزعيم الدرزي تقوم على ايجاد «التخريجات» للتسويات عندما تحصل، ومثل هذه التسويات لم يحن اوانها بعد، لافتة الى ان جنبلاط يحاول تلافي تعميق المأزق المؤسساتي من خلال التمهيد للتمديد للبرلمان وتفعيل العمل الحكومي ووقف الشلل في عمل مجلس النواب في إطار حرصه على تحصين الوضع اللبناني حيال الأخطار الخارجية.ورغم تكرار بري ان موضوع التمديد لمجلس النواب ليس مطروحاً حالياً، فان كل الدوائر السياسية تتحدث عن تحضيرات لإنجاز هذه الخطوة، وسط بدء العد العكسي لموعد دعوة الهيئات الناخبة في 20 الجاري، وفي ظل محاولات حثيثة تجري لتأمين توافق صعب على ملف سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام والمعلّمين وهو ما يفترض ان يحصل في الايام القليلة المقبلة بعد استكمال عملية تدوير الزوايا التي تحصل حول اراقام السلسلة وآلية تمويلها بين «المستقبل» وفريق الرئيس بري برعاية جنبلاطية، وذلك تمهيداً لجلسة تشريعية تعيد تحريك عجلة مجلس النواب وإن من باب «التشريع الاضطراري» بعد رفض قوى «14 آذار» سابقاً ومعها نواب العماد عون فتح ابواب البرلمان في ظل الفراغ الرئاسي وكأن شيئاً لم يكن.وشكّل هذا العنوان احدى نقاط البحث الذي حصل امس بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وبين رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة الذي زار بكركي على رأس وفد حيث جرى التطرق ايضاً الى الملف الرئاسي الذي كرر السنيورة اعتباره «الاولوية» مشيراً في الوقت نفسه الى حال تعطيل المؤسسات انطلاقاً من الفراع الرئاسي، وايضاً الى قضية تهجير المسيحيين من الموصل التي دانها بشدة معتبراً انها «تخالف الشرع الاسلامي والاخوة العربية»، ولافتاً الى «ان هناك من يحاول ان يتغطى بالاسلام كي يبرر ما بقوم به لان اعماله ضد الاسلام جملة وتفصيلا، وما يجري في المنطقة هو صنيعة الانظمة الاستبدادية».وجاء لقاء الراعي - السنيورة بعد اعلان الاول قبل ايام انه مع انتخاب رئيس من خارج «8 و 14 آذار» وهو ما اعتُبر انه يلاقي مبادرة الرئيس سعد الحريري التي اطلقها قبل نحو اسبوعين، علماً ان تقارير صحافية نقلت عن دوائر فاتيكانية انتقادها سلوك القادة السياسيين الموارنة حيال الملف الرئاسي حيث «الهوس بالسّلطة وكيدهم المنبثق من منافساتهم الخاصة جعلهم يفقدون عقولهم!».
خارجيات
محاولات مستمرّة لتفاهُمات موضعية بانتظار تسوية خارجية
«شظايا» الفراغ الرئاسي في لبنان ألغت الاحتفال بعيد الجيش
12:57 م