كأننا شعوب للذبح!كأننا شعوب توالدت جيلاً بعد جيل لا لغرض ولا لهدف ولا لغاية سوى أن تُذبح: يذبحها الأعداء الصهاينة ـ كما جرى ويجري الآن في غزة ـ أو تذبحها الأنظمة والسلطات الحاكمة، كما جرى ويجري الآن في بلدان الربيع العربي!ما من منجى. ولا من مهرب. ولا من معين. ولا من مدافع. نحن شعوب تمَّ إعدادها للذبح! تُذبح دون أن تختار مَنْ يذبحها. فهي ذبيحة ذبيحة. مَنْ لم يُذبح من أبناء شعوبنا بالسيف ذُبح بغيره.الموّال ذاته والنغمة ذاتها والذرائع عينها يكررها الأعداء الصهاينة للقيام بذبح جزء من الشعب العربي الفلسطيني، وكذلك تتذرع السلطات الحاكمة بأسباب تراها وذرائع تراها وموجبات تروق لها لتذبح أجزاء من أبناء الشعب العربي!كأننا شعوب للذبح فحسب!على مدار نصف قرن ويزيد من التاريخ العربي الحديث يجري ذبح الفلسطينيين على أيدي الصهاينة، وعلى مدار قرن ويزيد يجري ذبح أبناء الشعب العربي على أيدي الأنظمة المستبدّة والسلطات الجائرة.حالنا لا تحتاج إلى ربيع واحد، تحتاج إلى تفتّحات ربيع دائم لا يتخلّلها انقطاع إلى أن نكون ـ بحقٍّ ـ أو لا نكون. تحتاج حالنا لا إلى عزق التربة، بل إلى قلب الأرض. إلى قلبها مهما كان الثمن!«ومهما كان الثمن» هو ما ندفع جزءاً منه الآن. وهو ما سندفع المزيد في المستقبل. كل الشعوب التي رزحت تحت الطغيان لعقود عديدة دفعت أثماناً باهظة حتى انعتقت لا من المستبد بها، بل أيضاً ـ وربما قبلاً ـ من الاستبداد الذي نشأت عليه ودمّر أرواحها.إنْ لم ندفع ثمناً باهظاً سيكون في الأمر ما هو مخالف لمنطق التاريخ ومساراته. وإنْ لم ندفع ثمناً باهظاً لن يكون لنا يوماً ما نريد. غير أن المفارقة المرعبة تظل قائمة على قدم وساق: شعب يُذبح من غزاة الخارج ومن طغاة الداخل!رغم هذا، فإنّ ثمة معبراً لا بدَّ أن نقطعه. ثمة جحيماً لا بدّ أن نكتوي به، لا لنهنأ نحنـ أبناء الجيل الراهنـ وإنما لتهنأ أجيال قادمة. إنْ لم يكن ابني، فحفيدي، وإن لم يكن حفيدي فابن حفيدي.معظم الثورات في العالم ـ إن لم يكن كلها ـ عبرت معابر مشابهة. اكتوت بما نكتوي به الآن. عانت أجيال منها، وقضت، لتُسعد أجيال أخرى، وتحيا.وإلا كيف سندفع عنّا كوابيس الماضي الحاضرة؟ كيف سندفع بحياتنا إلى الأمام، ونحو الأعلى والأرقى دون أن نخوض في بحر الموت والعذاب والقهر؟ كيف سيكون لشعبنا الفلسطيني دولته المستقلة، وسيادته دون معاناة ما يعاني الآن، وكيف ستكون لنا كرامتنا وحريتنا وكفايتنا دون أن نعاني ما نعانيه اليوم؟وإن كان للمرء أن يأمل. إن كان له أن يتمنى ويحلم، فهو أن يكون المعبر قصيراً. فإرث الماضي الثقيل مع معبر المستقبل سيكون عبئاً يدفع بالعديد إلى الخيبة واليأس، وهو ما تتبدّى ملامحه بين وقت وآخر، وبين أزمة وأخرى.
محليات - ثقافة
مقال / غزاةٌ أو طغاةٌ!
07:17 م