ثمة مَن يعتقد في بيروت ان الواقع الاقليمي «اللاهب» بات يأخذ في تداعياته على لبنان شكل «العصا والجزرة»... فـ «العصا» التي تطلّ من سورية والعراق وغزة عبر ارتدادات أمنية وسياسية مقلقة تفاقم من انعدام الوزن الداخلي، وتقابلها «الجزرة» المتمثلة في الاستقرار النسبي الذي تحرسه تقاطُعات المصالح الاقليمية والدولية والتي يمكن الافادة منها لكسر المآزق المتعاظمة وفي مقدمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد شغور يدخل شهره الثالث غداً.فرغم الشظايا المتطايرة من المعارك القاسية بين «حزب الله» والمعارضة السورية على التخوم الشرقية للحدود اللبنانية ولا سيما في القلمون السورية، والصواريخ «اللقيطة» العابرة للحدود الجنوبية في اتجاه شمال اسرائيل كواحدة من شرارات التضامن مع غزة، والقلق المسيحي المتعاظم من جراء تهجير مسيحيي الموصل، فان مؤشرات تشي بأن مرحلة ما بعد عيد الفطر ستشهد تكثيفاً للحِراك الداخلي انطلاقاً من «خريطة الطريق» التي رسمها الرئيس سعد الحريري لحماية لبنان والتي ترتكز على اولوية الانتخابات الرئاسية قبل اي استحقاق آخر وتحديداً الانتخابات النيابية وهو ما لاقاه فيه رئيس البرلمان نبيه بري والنائب وليد جنبلاط.ولم تحمل الجلسة التاسعة التي دعا اليها بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يوم امس اي جديد على صعيد مشهد اللا نصاب، في ظل تمسك تحالف زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون و«حزب الله» بعدم حضور الجلسات قبل تفاهم مسبق على اسم الرئيس الذي يقاربه عون على قاعدة «انا او لا انتخابات»، طارحاً مخرجين غير ممكنين هما: تعديل الدستور بما يتيح انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، او إجراء الانتخابات النيابية اولاً.وطغى على الجلسة الانتخابية امس «السجال بالواسطة» الذي اندلع بين الحريري وعون على خلفية مبادرة زعيم «تيار المستقبل» التي بدا عبرها وكأنه تجاوَز امكان القبول بعون كمرشح توافقي ما دام لم يحظَ بـ «نعم مسيحية»، معلناً انتهاء «فترة السماح» التي أُعطيت لحصول توافق مسيحي على مرشّحٍ لمصلحة بدء مشاورات داخل 14 آذار ومع سائر الافرقاء اللبنانيين في محاولة لمنع «انهيار الدولة»، وقاطعاً ايضاً الطريق على طروحات زعيم «التيار الحر» من تعديل الدستور والمسّ بالطائف.وبدا لافتاً ان عون في كلمته التي أعقبت اجتماع كتلته البرلمانية عصر الثلاثاء أقرّ بالاختلاف مع الحريري على الاولويات دون ان «يقطع الشعرة» مع زعيم «المستقبل» مؤكداً «الانتخابات النيابية اولاً» ومعتبراً ان «هناك من يحاول تناسي المواثيق اللبنانية لانتخاب رئيس للجمهورية من دون صفة تمثيلية» وموضحاً: «لا يهمنا مَن يُنتخب ولكن ما يهمنا هو معركتنا لاصلاح القوانين الانتخابية بشقيها الرئاسي (انتخاب الرئيس من الشعب) والنيابي (تنتخب كل طائفة نوابها)، ومعتبراً ان هذا يتيح للبنانيين انتخاب رئيس غير مرهون لقوى داخلية أو خارجية.وفي حين حدّد الرئيس بري 12 اغسطس المقبل موعداً لجلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، ستشكل الفترة الفاصلة عن هذا التاريخ فرصة لتزخيم الاتصالات التي بدأت ضمن فريق 14 آذار في إطار السعي للتوصل الى مرشّح يمكن ان يلقى قبولاً لدى الرئيس بري وجنبلاط ومعهما «حزب الله» وسط عدم استبعاد ان يكون الحزب أكثر ميلاً للتوصل الى تسوية حول الرئيس نتيجة تطورات الوضع في العراق والضغوط التي يتعرض لها على الحدود السورية اضافة الى العامل الاقليمي المتمثل في تمديد مهلة الحوار الايراني - الاميركي حول الاتفاق النهائي في شأن النووي لاربعة أشهر قد تشكل فرصة اضافية لتمكين المساعي الداخلية من استدراج حل للمأزق الرئاسي.وكان مرشح قوى 14 آذار للرئاسة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اعلن بعد عدم توافر نصاب جلسة الانتخاب امس أن «اليوم ليس وقت طرح فكرة انتخاب الرئيس من الشعب، في ظل تعطيل الاستحقاق الرئاسي، وفكرة انتخاب الرئيس من الشعب تُطرح كعملية غش وذر الرماد في العيون لرفع سعر بعض المرشحين» في اشارة ضمنية الى العماد عون.ورأى انه «كان يجب طرح فكرة التعديلات الدستورية منذ سنتين، وحرام ان تتم المتاجرة في الناس، ونحن نقوم بأقسى ما يمكن لانتخاب رئيس للجمهورية، لا أرى حلاً لأزمة الرئاسة حتى الآن». وقال: «ثمة عامل داخلي يلعب بالاستحقاق وثمة عامل اخر هو حزب الله وايران اللذان ينتظران السعر الافضل لبيع الرئاسة اللبنانية»، مضيفاً: «الفريق الاخر مصر على التعطيل إلى ان يأتي بمرشحه والمشاورات مستمرة داخل 14 آذار للخروج من هذا التعطيل»، وموضحاً أن «هناك ميلاً شخصياً لدي للذهاب الى انتخابات نيابية (بموعدها) في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية».
خارجيات
الفراغ يدخل شهره الثالث والجلسة العاشرة في 12 أغسطس
توقعات بدينامية جديدة في ملف الرئاسة اللبنانية بعد «الفطر»
11:06 ص