انتقال «كرة النار» من سورية الى العراق وعبورها بين الحين والآخر الى لبنان واليمن ودول أخرى على خريطة «سايكس - بيكو»، أطلق العنان مع «الجيوش النقالة» التي تعبر الحدود من هنا ومن هناك لسيناريوات عن تحوّلات جيو - استراتيجية ربما تقوم على «تقسيم المقسّم» وتعيد تركيب البازل الاقليمي على قواعدَ جديدُها ارتباطها بالماضي السحيق وذاكرته المأسوية.لبنان، الذي يعيش «حرباً باردة» منذ اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، لم يكن خارج الرياح الساخنة التي تهبّ على المنطقة، فهو في «عين العاصفة» رغم موقفه الرسمي بـ «النأي بالنفس» عما يجري في سورية وعما يحدث في العراق، بدليل «الشظايا» المتوالية التي تصيبه مرة تلو الأخرى و«انقسامه» الحاد في مقاربة التطورات من حوله و«توصيفها» وقراءة أسبابها وأبعادها، وتالياً أهدافها، خصوصاً مع انشطاره بين المحوريْن الاقليمييْن.ففي لبنان المنقسم كالعادة حول أي شيء وكل شيء، بعضه ناصَر الشعب السوري في «ثورته من أجل الحرية والديموقراطية»، وبعضه الآخر قاتَلَ الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد لـ «دحر المشروع المعادي». بعضه الآن يحمِّل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وسلوكه مسؤولية «الانتفاضة السنية»، وبعضه الآخر لا يرى في أحداث العراق سوى «ارهاب تكفيري عابر للحدود ويستحضر الفتنة».ورغم هذا الانقسام فان اللبنانيين المختلفين في «التوصيف» متفقون على أنهم لن يكونوا بمنأى عن حمم البركان المتفجر في المنطقة، بدليل موجة التفجيرات والسيارات المفخخة التي شهدها لبنان قبل نحو عام على وهج الأحداث في سورية، والموجة الجديدة التي زرعت الرعب في أرجائه اخيراً مع انفجار الوضع في العراق... فاللبنانيون متوجّسون من مظاهر التطرف وأثمانه والارهاب وأخطاره.«الراي» سألت في هذه الحلقة كلاً من النائب أحمد فتفت (من كتلة الرئيس سعد الحريري) والنائب ياسين جابر (من كتلة الرئيس نبيه بري) عن قراءتيهما للمشهد العراقي، واستشرافهما لارتداداته على لبنان.

نائب «الجماعة الإسلامية في لبنان» اعتبر أن الحراك الشعبي يُعمل على تشويهه بإدخال «داعش» عليه

الحوت: ما يحصل اليوم يستدعي من الكويت والسعودية والإمارات ... أن تعيد النظر في معركتها

شدد نائب «الجماعة الإسلامية في لبنان» عماد الحوت على أن «ما يحصل في العراق الآن هو نتيجة الممارسات الطائفية للحكومة العراقية من خلال محاولة تغيير ديموغرافية بعض المدن كبغداد وتهجير السنة منها»، معتبراً أن «ثمة حراكاً حقيقياً من الشعب العراقي يُعمل على تشويهه تماماً كما حصل في سورية من خلال إدخال مجموعة اسمها «داعش». وأوضح أن «داعش» في حقيقة الأمر، ومن خلال المعلومات المتوافرة، هي مجموعة صناعة مخابراتية»، مشيراً إلى أن «العراق يدفع ثمن المشروع الإيراني التمددي في المنطقة»، داعياً إلى «الدفع باتجاه حكومة وحدة وطنية عراقية تبقى هي المخرج الوحيد من الأزمة الحالية».? مقاربتان في دائرة الضوء لما يجري في العراق في ضوء أحداث الموصل.. واحدة تقول ان «داعش» ترسم خريطة دولتها العابرة للحدود السورية - العراقية، وأخرى تجد في ما يحدث انتفاضة سنية. كيف تقرأون ما يجري في العراق؟ـ سأنطلق من واقع معلومات موجودة الآن وأصبحت متداولة عند الجميع، ومفادها ان ما يحصل في العراق الآن هو نتيجة الممارسات الطائفية للحكومة العراقية من خلال محاولة تغيير ديموغرافية بعض المدن كبغداد وتهجير السنّة منها، ومواجهة الحراك السلمي بالقتل والاعتداءات، وتهميش السنّة من الواقع السياسي. وتالياً ما يحصل في العراق الآن هو ردة فعل من خليط من العراقيين على هذا الأداء السيئ. المشاركون على الأرض متعددون؛ هناك العشائر العربية في المنطقة، ما يسمى بالمجلس العسكري الذي هو بقايا الجيش العراقي الذي تم حله من الأميركيين، المجموعة التي قاتلت الأميركيين أثناء الاحتلال الأميركي للعراق، وبعد ذلك انتظرت الواقع السياسي وعندما يئست عادت إلى الحراك، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من «داعش» دخلت على الحراك متأخرة وليس من بداياته، وهذا ما يطرح علامة استفهام حول دخول «داعش». لذلك ما نراه الآن في هذا الموضوع أنه حراك حقيقي من الشعب العراقي يُعمل على تشويهه تماماً كما حصل في سورية من خلال إدخال مجموعة اسمها «داعش».? قيل الكثير عن «داعش»؛ الأفكار، التنظيم، مصادر الدعم، المشروع.. من هو «داعش» في رأيكم؟ـ «داعش» في حقيقة الأمر، ومن خلال المعلومات المتوافرة، هي صناعة مخابراتية أُسست في البداية لضرب «القاعدة» وشقها. ثم بعد ذلك تم الاستفادة منها لتجميل صورة النظام السوري من خلال طريقة التعامل المرفوضة التي تتبعها، وبالتالي حصل صراع بينها وبين الثوار وليس بينها وبين النظام السوري. واليوم تُستخدم من جديد لتشويه صورة الحراك العراقي؛ مجمل حراك «داعش» مشبوه منذ بداية ظهورها بعد 2007 وحتى هذا اليوم.? هل تخشون على وحدة العراق في ظل كلام عن مؤشرات على سقوط حدود سايكس ـ بيكو في المنطقة، ومَن هو المستفيد من تقسيم المقسم؟ـ لا شك أن هناك خوفاً حقيقياً على وحدة العراق، خصوصاً أن مَن كان عنده حلم الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، بمعنى آخر إعادة تقسيم المقسم، ما زال حلمه قائماً، وتحديداً لدى الإدارة الأميركية، وبالتالي قد تستفيد من هذه اللحظة للدفع باتجاه تقسيم العراق وإنشاء كيانات جديدة وضم كيانات صغيرة إلى بعضها البعض في محاولة لإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد مرة أخرى.لكن أعتقد أنه سيبقى هناك حجم من الوعي لدى الشعب العراقي، ما يفوّت الفرصة على هذا المشروع، لكن هذا يستدعي بكل وضوح موقفاً واضحاً للدول المحيطة بالعراق، بما فيها دول الخليج، لجهة أن تدفع وإيران باتجاه حكومة وحدة وطنية، وإلا هي إذاً شريك في المؤامرة وشريك في مشروع التقسيم إن حصل.? المالكي اتهم المملكة العربية السعودية برعاية ما وصفه بـ«الإرهابيين»، والوزير سعود الفيصل حذر من حرب أهلية في العراق. هل يدفع العراق ثمن الصراع الإيراني ـ السعودي في المنطقة؟ـ لا شك أن العراق يدفع ثمن المشروع الإيراني التمدّدي في المنطقة ومحاولة وضع اليد مباشرة على العراق وسورية التي تدفع اليوم الثمن نفسه، وربما وضع اليد على لبنان في نفس الإطار. وبالتالي نعم العراق يدفع ثمن المشروع الإيراني للتمدد. أما في ما يتعلق باتهام السعودية بالوقوف خلف الحالة الإرهابية، فأولاً هذه الحالة ليست إرهابية كما قلت سابقاً، اذ هناك مجموعة صغيرة إسمها «داعش» وهي مشبوهة. هذا بالإضافة إلى أن السعودية أكثر من عانى من «القاعدة» ومجموعاتها، فلا يعقل أن أتهم من كان مستهدَفاً من هذه المجموعات بأن يكون خلفها. هذا إتهام أعتقد أن الهدف الأساسي منه هو تبرير تدخل إيران المباشر في الأيام المقبلة بجيشها المباشر لمحاولة قمع الحراك السني في العراق.* كيف تقرأون التناغم في المواقف الأميركية الإيرانية، وخصوصاً في موضوع العراق؟ـ الإدارة الأميركية يحكمها أمران؛ أولاً بعد عشر سنوات من إحتلال العراق وتفكيك الجيش العراقي ومحاولة إعادة بنائه على النمط الأميركي اتضح أن التجربة فشلت وانهار الجيش العراقي بين ليلة وضحاها، وهذا ما شكل أزمة للأميركيين اذ في نهاية الأمر العراق سيرجع من جديد نقطة توتر بالنسبة لهم.الأمر الثاني هو أن الأميركيين تماماً كما في 2001 كانوا بحاجة إلى عدو، من خلاله يقنعون الشعب الأميركي بأنه ينبغي أن نذهب فنقاتل في كل الأماكن. وعشنا تجربة مريرة في هذا الإطار.اليوم يصطنع الأميركي عدواً جديداً اسمه الإرهاب ـ الإرهاب السني تحديداً - اي مرة أخرى نفس العنوان، في محاولة لإقناع الشعب الأميركي الذي لم يعد يقبل بالمغامرات العسكرية الأميركية في الخارج، بأن هناك عدواً مشتركاً ينبغي أن نتعاون جميعاً ضده؛ نحن والإيرانيين وآخرين. اي بالنسبة الى الادارة الاميركية المهمّ في مخاطبتهم الشعب الاميركي أن هناك عدواً جديد الآن ينبغي أن يسمح لهم بالقيام بكل ما يريدونه تحت شعار محاربة الإرهاب.? هل يمكن الحديث عن أحلاف جديدة؟ـ أقول تقاطعات مصالح موقتة وليست أحلافاً. أنا لا أعتقد أن الإيراني والأميركي يستطيعان أن يشكلا حلفاً دائماً. هم الآن حلفاء في مصالح مشتركة، لكنها موقتة ولا تدوم.* ثمة مخاوف من انعكاس ما يجري في العراق على الوضع في لبنان، الذي لم يشف من تداعيات الأزمة السورية.. هل لهذه المخاوف ما يبررها؟ـ من دون شك، اذ أولاً الأزمة العراقية استدعت أن تنسحب المجموعات القتالية العراقية التي تدعم النظام في سورية إلى العراق، ما سيضطر «حزب الله» أن يعوض هذا النقص بالزجّ بعدد اضافي من الشباب اللبناني في الحرب السورية. وحتى يتمكن من ذلك سيقوم بتعبئة وسط جمهوره وشبابه؛ هذه التعبئة تنتج إحتكاكات على الأرض، وبالتالي قد نرى ارباكات أمنية متنقلة نتيجة هذه التعبئة النفسية لجمهور معين بخطاب مذهبي وخطاب يتكلم عن المقدسات وغير ذلك.الانعكاس الثاني، هو أنه مضى شهران لم تقع خلالهما أي عملية تفجير، وفجأة اليوم يعاد طرح هذا الموضوع من جديد وكأنه يراد شد عصَب جمهور «حزب الله» من خلال القول له «انك مهدَّد بعمليات إرهابية»، لست أعلم مدى صحة أنها تهديد حقيقي أم تهديد مصطنع يقوم به «حزب الله» ليشدّ عصب جمهوره ويبرر المزيد من التدخل في الشأن السوري وربما بالشأن العراقي.? بعدما أعلنت «داعش» عن قيام دولة الخلافة بالتزامن مع عودة التفجيرات إلى لبنان.. هل تعتقدون أن ثمة بيئة حاضنة لمثل هذه التيارات في لبنان؟ـ أعتقد أن ليس في لبنان بيئة حاضنة لمثل هذه التيارات، والدليل على ذلك أن كل الشبكات التي تم اكتشافها هي غير لبنانية، وكل المفجرين غير لبنانيين، وبالتالي هذا يؤكد أن ليس في لبنان بيئة حاضنة لمثل هذه الحركات.لكن في الوقت نفسه، يجب أخذ العبرة مما يحصل في العراق، فما يجري هناك هو نتيجة ممارسات طائفية ومذهبية. وإذا بقي الجو في لبنان مشحوناً بهذا الشكل وهناك نوع من هيمنة فريق وتعطيل للدولة بهذا الشكل، هذا أيضاً قد يشكل دافعاً لتحرك شعبي يمكن ان يستفاد منه أو يُخترق.? كُشف عن أكثر من خلية إرهابية في المدة الأخيرة، هل تخشون من تعاظم الخطر الأمني في لبنان؟ـ باعتقادي أن مسار هذه المجموعات مرسوم، بمعنى أن هناك مَن يستفيد من حراكها ومن وجودها، وبالتالي مستوى تحركها مرتبط بحاجة مَن يستفيد منها لتحريكها. والدليل على ذلك أن على مدى شهرين كاملين لم نر أي تفجير ولم تُكتشف أي خلية، فجأة في فترة معينة وفي غمرة الاحداث في العراق نشعر بأن هناك محاولة لتغيير تركيز الناس على ما يحصل في العراق بتفجيرات في لبنان، وبالتالي أعتقد أن سقف هذه المجموعات مرتبط بمن يستفيد منها ويسمح لها بالتحرك.? أي أنك ترى أن عودة التفجيرات الى لبنان لتحييد الأنظار عما يحصل في العراق؟ـ ما أقوله هو أن هذه المجموعات تتصرف بردة فعل، لكن هناك مَن يستثمر ردة الفعل هذه ويوقتها ليستفيد منها.? في هذا الإطار هل يمكن أن نجد «حزب الله» في العراق، تحت المسميات نفسها؟ـ أولاً مسار الأمور الذي نسمعه اليوم يشبه المسار الذي حصل مع سورية، فاليوم نسمع كلاماً عن أن هناك مجموعات من «حزب الله» ذهبت إلى العراق. كنا نسمع ذلك قبلاً في سورية ثم سمعنا خطاب الدفاع عن المقدسات من قيادات «حزب الله»، وهو الخطاب الذي مهّد للتدخل في سورية. أعتقد أن الأرضية تُجهَّز لتدخّل مجموعات قتالية من «حزب الله» في العراق إذا استدعى الأمر ذلك.? غالبا ما يتم استخدام الإسلام، ولا سيما المتطرف، لتبرير ما يقوم به النظام السوري أولاً واليوم النظام العراقي.. هل تعتقدون أن محاربة الإرهاب باتت أولوية؟ـ في اعتقادي أن ما نشهده اليوم من صعود عنوان الإرهاب أيضاً يتحمل مسؤوليته بعض دول الخليج التي ذهبت إلى ضرب الإسلام الوسطي: إسلام الاخوان المسلمين وغير ذلك من حركات إسلامية وسطية، مما أوجد فراغاً أتاح لمجموعات عنفية تطرفية أن تملأه. لذلك أعتقد أن ما يحصل اليوم سواء في العراق، أو جزئياً في سورية يستدعي من دول الخليج ومن المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت أن تعيد النظر في معركتها، لأن مواجهة الإسلام الوسطي يعني بكل وضوح فتح الطريق واسعاً أمام اسلام متطرف وإرهابي.? هل من مبادرة ما إنقاذية يمكن أن تلجأ لها الجماعات الإسلامية المعتدلة؟ـ الجماعة الإسلامية في لبنان، هي جماعة لبنانية ليست عندها القدرة على القيام بمبادرات إقليمية في الخارج. جلّ ما في الأمر أنه على المستوى اللبناني خطابنا واضح؛ حيث نرى أن هناك خطراً على الإستقرار في لبنان وهذا يستدعي رفع لواء حماية أمن المواطن اللبناني من أي تهديد سواء كان تهديداً داخلياً كسلاح فوضى وسلاح سرايا مقاومة يدعمها «حزب الله»، أو من خلال تهديد خارجي كأي مجموعة إرهابية يمكن أن تخترق الحدود. الأمر الثاني التأكيد على دولة المؤسسات وبناء المؤسسات وألا يكون أحد خارج المؤسسات. وثالثاً سيف الإستحقاقات الدستورية.أما على المستوى الإقليمي فنحن من دعاة الدفع باتجاه حكومة وحدة وطنية عراقية هي المخرج الوحيد من الأزمة الحالية؛ حكومة وحدة وطنية تعيد التوازن وتعيد مشاركة كل القطاعات العراقية في منظومة الحكم العراقي.? ماذا تقولون للشباب السني الذي يشعر من جهة بالحماسة ومن جهة أخرى بنوع من الظلم في مكان ما قد يدفعه إلى المحظور؟ـ لا شك أن جزءاً من حماسة الشباب التي تشيرين إليها ناتج عن سوء ممارسة من الأنظمة ومن الإدارات التي قامت بتهميش هذا الشباب الذي يريد أن يعيش حياته منسجماً مع الإسلام وفي نفس الوقت يرغب في المشاركة في بناء الدولة، والآن يُقال له أنت غير مسموح لك أن تشارك في بناء الدولة والمطلوب أن تُسجن وأن تقتل وتحارب وأن تترك المجال للفكر المتطرف أن يسود.وأقول لهذا الشباب ان الإسلام الوسطي والحقيقي يدفعنا إلى مزيد من الصمود في وجه الإتجاهين: اتجاه التطرف الذي يريد أن يشوّه صورة الإسلام بهذه الطريقة، واتجاه محاولة استئصال الإسلام الوسطي لأسباب وغايات متعددة وكلا الأمرين لن ينجح. المهم للشباب أن يبقى متمسكاً بوسطيته، باعتداله، بالإسلام الحقيقي، وألا ينجرّ إلى ردات فعل في وجه محاولات الاستئصال من ناحية وألا يذهب باتجاه التطرف كردة فعل على هذه المحاولات من ناحية أخرى.

رأى أنه بعد فشل الخطة في سورية نُقلت الحرب الى العراق لضرب محور المقاومة

أمين حطيط: خريطة «داعش» شملت الكويت رغم أنها لا تملك رسمياً جماعات مسلّحة أرسلتها إلى سورية

رأى المحلل الاستراتيجي أمين حطيط أن «الفساد والظلم اللذين يُحكى عنهما في العراق لا يطالان السنّة فقط، بل بالعكس يشملان الشيعة والسنة»، معتبراً «أن «داعش» هي فرع من «القاعدة» وتقوم على الفكر التكفيري، ودعمها رسمياً كان أو غير رسمي يأتي مالياً بصورة رئيسية من الخليج أما الدعم المخابراتي والعسكري فيأتي من تركيا».واذ أكد أن «إمكان استمرار «داعش» في العراق مع وجود هذا الرفض أو الحياد السني ووجود الضغط من الحكومة المركزية، منخفض الاحتمالات»، حذر من أنه «إذا تم تقسيم العراق فلن يتوقف التقسيم عنده، بل سيشمل إيران، سورية، لبنان، السعودية، مصر، وليبيا»، لافتاً إلى أن «التقسيم سيكون مقصاً لن يتوقف إلا عند تفتيت كامل المنطقة». وأوضح أن «التقسيم يمر في حالة وحيدة؛ إذا هزم محور المقاومة في المواجهة»، متداركاً: «اليوم محور المقاومة هو الأقوى في الميدان، وبالتالي حتى الآن خطر التقسيم قائم ولكنه غير محتمل التنفيذ».? بين نظرية تقول ان ما يحدث في العراق هو إعادة رسم خريطة دولة «داعش» العابرة للحدود من سورية إلى العراق، وأخرى ترى في التطورات انتفاضة سنية. كيف تقرأون الحدَث العراقي؟- في الأساس هناك هجمة غربية بقيادة أميركية تستهدف محور المقاومة عبر سورية، وكان هدفها الاستراتيجي إسقاط سورية لينقسم محور المقاومة بالنصف فيُعزل «حزب الله» عن إيران ويكون هناك نوع من منع العراق من الالتحاق بهذا المحور، بما يعني القضاء على هذا المحور. هذه الخطة فشلت في سورية، وقد اعترف (الرئيس الأميركي باراك) أوباما بفشلها، فانتقلت الحرب نفسها، وبدل أن يكون ميدانها في سورية لفصل محور المقاومة عن بعضه، إلى العراق. وبانتقالها إلى العراق، فإن العراق فيه ثلاث مكوّنات: سني، شيعي، كردي. وهي لم يكن لديها إمكانية البدء عند الشيعي لانعدام البيئة الحاضنة. وفي ظل عدم امكان التوجه نحو الكردي لأنه يخشى على مستقبله، اختيرت الساحة السنية واستفاد مَن يقفون وراء المخطط الذي أشرتُ إليه من المساحة الصحراوية الشاسعة غير المغطاة بالعسكر، ومن الاحتقان السني ضد الحكومة المركزية بشكل أو بآخر، ومن وجود الضباط البعثيين. فصارت المناطق السنية ساحة بديلة للساحة السورية، تضغط فيها الهجمة الغربية بقيادة أميركية لتحقق هدفين: الأول هو كسر محور المقاومة في العراق ومنع العراق من الالتحاق بمحور المقاومة ومنع نوري المالكي من العودة إلى رئاسة مجلس الوزراء. وفي ذهن القيمين على الهجمة ان بإمكانهم ربح هدف من اثنين: إما فرض إيقاعهم على الحكومة المركزية واستبعاد المالكي أو اقامة أمر واقع تقسيمي حتى ولو لم يتم الاعتراف به، إلا أنه يشلّ محور المقاومة في وسطه في العراق.لذا تمت العملية بشكل مسرحي؛ لم يحصل قتال في الموصل وكان هناك استيعاب سني في البداية لعملية «داعش» التي لم تستعمل في الموصل أكثر من 500 عنصر. هذا للوهلة الأولى. فبعد إنطلاق العملية مارست «داعش» وحشية ضد السكان السنّة فأثارت غضبهم وغيظهم، ولا سيما بعد قتلها 15 عالم دين سني، وتهجير 500 ألف مواطن سني من الموصل، وشكلت هذه الأمور صدمة للسنة الذين اعتقدوا أن «داعش» ستريحهم من ظلم الحكومة المركزية، كما كانوا يقولون، حيث تبين أن «داعش» جاءت لتزيد الظلم والضغط عليهم أضعاف أضعاف ما كانوا يعانونه سابقاً.انقسم اليوم الشارع السني في العراق؛ فقسم منه يرفض كلياً ما يحصل لكنه ينأى بنفسه عن المقاتلة، وقسم يرفض ما يحصل ويقاتل ومستعد لمقاتلة «داعش» وقسم مضغوط عليه ويؤيد «داعش» ويؤازرها ويشكل لها البيئة الحاضنة. إذاً النصف السني في العراق ثلاث فئات؛ نصف سني محايد، ورافض لعمل «داعش»، ولكنه غير مكترث بالميدان، والسنّة الآخرين ينقسمون إلى «ربعين»: ربع يقاتل «داعش» وربع معها. لذا فإن إمكان استمرار «داعش» في العراق مع وجود هذا الرفض أو الحياد السني ووجود الضغط من الحكومة المركزية، منخفض الاحتمالات.? بالحديث عن الاحتقان السني، ثمة انطباع بأن أداء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي حكم العراق لولايتين ويستعد للثالثة يتحمل مسؤولية انفجار الاحتقان السني ـ الشيعي، ما هو رأيكم بهذه الخلاصة؟- العراق دولة قيد التأسيس، لأن الاحتلال هدمها في كل مؤسساتها. وفي غياب القناعة الوطنية (كل واحد بمدى حجمه) وبسبب النزعة الطائفية التي زرعها الاحتلال لا يُنتظر أن تقوم دولة يرضى عنها الجميع. وإضافة إلى ذلك، فمن يبنون الدولة يتركون مجالاً لأخطاء كبرى أن تُرتكب ليس بحق الآخرين كطائفة بل بحق جميع العراقيين. ولذلك فإن الفساد والظلم اللذين يحكى عنهما في العراق لا يطالان السنّة فقط، لا بل بالعكس يشملان الشيعة والسنة. وأنا في زياراتي للعراق كنت أسمع هذه الشكوى من الشيعي قبل السني. فمقتدى الصدر ليس بشخص عادي ومواقفه معروفة ضد المالكي. وبالتالي فإن الاعتراض من بعض الفئات على سياسة المالكي من باب الفساد وتعطيل الدولة ليس اعتراضاً طائفياً، بمقدار ما هو اعتراض عام من بعض الفئات. ولهذا السبب يخطئ مَن يصنّف الرفض على أساس طائفي. في رأيي الرفض ليس طائفياً بمقدار ما هو سلوك شخص. ولكن الظرف السياسي لا يبرر بأي شكل من الأشكال اللجوء إلى العنف والقوة والتدمير. وبالتالي السلوك السياسي يُعَارض سياسياً، ومن الممكن أن يُصلّح بالسياسة، لا بهذه الطريقة.? هل تخشون على وحدة العراق في ظل كلام عن مؤشرات على سقوط حدود سايكس - بيكو في المنطقة، ومن هو المستفيد من تقسيم المقسم؟- بصراحة، موضوع إعادة النظر بخرائط الشرق الأوسط هي مسألة مبدأ؛ إما أن يُعتمد أو لا يُعتمد. فإذا اعتمد لن ينحصر الموضوع في العراق. وأذكر بالخطة التي عممت في الغرب لتقسيم ست دول عربية إلى أربع عشرة دولة عربية. فإذا تم تقسيم العراق فلن يتوقف التقسيم عنده، بل سيشمل إيران، سورية، لبنان، السعودية، مصر، ليبيا. التقسيم سيكون مقصاً لن يتوقف إلا عند تفتيت كامل المنطقة. وأعتقد أن التقسيم يمر في حالة وحيدة، إذا هُزم محور المقاومة في المواجهة. فقبل هزيمة محور المقاومة لا أعتقد أن التقسيم من الممكن أن ينجح. واليوم محور المقاومة هو الأقوى في الميدان، وبالتالي أقول حتى الآن ان خطر التقسيم قائم ولكن غير محتمل التنفيذ.إسرائيل هي المستفيد من تقسيم المقسم، فهي تريد دولة يهودية وأن تكون دولة للشعب اليهودي، ولا يمكنها أن تقوم وحدها تحت هذا العنوان، إذا لم تقم حولها منظومة من الدول العرقية أو الدينية. ولذلك هي تريد (بلداً) كردياً، سنياً، شيعياً، قبطياً.. لكنها ترفض الدول الوطنية العربية.? المالكي اتهم المملكة العربية السعودية برعاية ما وصفه بـ«الإرهابيين»، والوزير سعود الفيصل حذر من حرب أهلية في العراق. هل يدفع العراق ثمن الصراع الإيراني ـ السعودي في المنطقة؟- ليس العراق وحده مسرح الصراع؛ العراق، سورية، لبنان. أكثر من منطقة في الإقليم تكون مسرحاً ليس لصراع إيراني ـ سعودي بقدر ما هو صراع محور مقاومة وأعداء محور المقاومة.? ألا تعتقدون أن دعوة مرجعية النجف العراقيين إلى حمل السلاح من شأنه نقل المواجهة من صراع بين الدولة العراقية والمسلحين (داعش) إلى صراع أهلي ميليشيوي؟- أولاً الدعوة التي حصلت ليست محصورة بالمرجعية الشيعية، فجماعة علماء المسلمين السنّة أصدروا فتوى مقابلة، بل بالعكس الفتاوى التي صدرت عن المرجعيات السنية والشيعية متطابقة وهي بدل أن تبقي المواجهة محصورة بأجهزة رسمية قد تقوى أو لا تقوى على المواجهة، تنقلها إلى الشعب العراقي كله ليتصدى بكل طوائفه للإرهاب الوارد إليه. فداعش ليست تنظيماً عراقياً، بل تنظيم إقليمي برعاية دولية يستهدف الشعب العراقي. وبالتالي القتال في العراق هو بين الدولة العراقية والشعب العراقي من جهة والمنظمات الإرهابية من جهة أخرى. وبالتالي لا خطر على الانفجار المذهبي في العراق ولا سيما وأن جزءاً كبيراً من السنّة إما محايد أو يقاتل «داعش». فإذا كان السني يقاتل «داعش» فكم بالحري الشيعي؟? ثمة مخاوف من انعكاسات ما يجري في العراق على الوضع في لبنان، الذي لم يشف من تداعيات الأزمة السورية.. هل لهذه المخاوف ما يبررها؟- بالتأكيد، فالخريطة التي عممتها «داعش» شملت فيها لبنان لأنه من ضمن مسرح عملياتها، ولكن لبنان بسبب وجود منظومة أمنية عسكرية محترفة ووجود المقاومة فيه يملك المناعة والحصانة دون السقوط في الخطر الشديد. نرى حذراً وقلقاً لكن لا يوجد رعب وخطر.? يحمّل البعض «حزب الله» مسؤولية تعاظم الاحتقان السني ـ الشيعي لمشاركته في الحرب في سورية، وربما لاحقاً في العراق، في الوقت الذي يقول أمينه العام السيد حسن نصرالله انه لولا تدخله في سورية لوصلت «داعش» إلى لبنان.. من موقعكم كيف ترون هذا الأمر؟- مَن يريد أن يقرأ خريطة المنطقة بفكر استراتيجي عميق يهزأ من هذا الاتهام لـ«حزب الله». فعلى سبيل المثال هل الكويت لديها جماعات مسلّحة قامت بإرسالها إلى سورية وتدخلت بالحرب؟.الجواب هو لا، ومع ذلك الكويت شملتها خريطة «داعش» التي تهدد الكويت بأنها ستدخل إليها، وبالتالي هناك خطة غربية كبرى للمنطقة و«حزب الله» يعتبر نفسه مستهدفاً، لذا فالذكي لا يحارب على باب البيت، إنما يستبق الخطر قبل أن يصل إلى بيته.? ألم يصل الخطر إلينا والدليل انفجارا الشياح وضهر البيدر؟- هذا الخطر ليس شيئاً لو قسناه بالخطر الأكبر الذي كان من الممكن أن يحصل لو لم يذهب «حزب الله» إلى هناك.? هل هناك طريقة ما لتفادي الانفجار المذهبي، وما هي سياقات معاودة لمّ الشمل؟- حتى الآن أستبعد الانفجار المذهبي في لبنان، لسببين: الأول فالشيعة يملكون القوة؛ قوة المقاومة ويملكون القرار بعدم الدخول في صراع داخلي. والجزء الكبير من السنّة في لبنان كما الشيعة، يملكون الوعي ويرفضون الانخراط في مثل هذا الصراع. وإذا وُجدت بعض الخلايا الإرهابية والتي من الممكن أن تحرك الشارع، فليس بمقدورها أن تلهب الساحة اللبنانية. لذلك لست في خشية من انفجار سني ـ شيعي في لبنان، فالوضع ممسوك بشكل ممتاز أمنياً، ورغم الاحتقان السياسي فهذا الاحتقان لا يصل إلى درجة الانفجار الأمني.